Al-Quds Al-Arabi

في مهرجان نوتنغ هيل غيت: أطياف سر أناي كليوليانق و«أسطورة الحرية»

-

في حي )المقرن( العريق- غرب الخرطوم، دار اتحاد الكتاب السودانيين، أحد مســاءات عام 1987، عرّفني القاص والمترجم وكاتــب أدب الأطفال عبدالقادر محمد إبراهيم على الشــاعر ســر أنــاي كليوليانق )19451999(، كان أســتاذا وقتها في جامعة الخرطوم، وكنت قرأت بعضا من ســيرته الذاتية قبــل أن ألتقيه في تلك العجالة، وطرفا مــن ترجمات قصائــده متناثرة على صفحــات الملفــات الثقافية في الصحــف اليومية، من ترجمــة عبدالقادر محمــد إبراهيم، وكنــت أعرف أنه يكتــب بالإنكليزي­ــة وأن ديوانه الأول صــدر في لندن ســنة 1985 بعنــوان ‪THE MYTH OF FREEDOM(‬

AND OTER POEMS‬ ) صــدر عــن ‪NEWBEACON( BOOKS) تذكــرت ذلك اللقاء حينمــا جاءني الصديق الشــاعر بابكــر الوســيلة ســر الختم فــي منتصف تســعينيات القرن المنصرم فرحا بمخطوط مقال مذهل، كتبه محمد خلف عبدالله، بعنــوان «وداعا ابن خالتي كليوليانق»، كان المقال عبارة عــن مرثية مؤثّثة فكريا ووجدانيا للشاعر ســر أناي كليوليانق وكان قد رحل عنا فــي النصف الثاني من تســعينيات القرن المنصرم فــي لندن، وكان مثله ومثل آخريــن بدأ الانتظام ضمن أسراب الديسابورا الســوداني­ة، أعقاب انقلاب الجبهة الإســامية القومية في 30 يونيو/حزيــران 1989، كان المقال مصحوبا بقصيدتين لســر أناي ترجمها الشــاعر والمترجم المقيم في لندن ســيد أحمد بلال، نشرتُ المقال والنصوص، فــي صفحات الملحق الثقافــي الذي كنت أشــرف على تحريره في صحيفة «الأيــام» العريقة في مطلع الألفية الماثلة.

كنــت في لندن صيــف عام 2008، بدعــوة من مركز ترجمة الشعر للمشــاركة في ورش عمل لترجمة بعض نصوصي الشــعرية، وخطر لي أن أبحث عن نسخة من كتــاب ‪The myth of freedom(‬ ) الشــعري، الذي لم يك متوفرا في يوم من الأيام في أســواق الخرطوم، سألت أصدقائي الشعراء والمترجمين البريطانيي­ن الذين كنت أعمل معهم، فطالبوني باسم الشاعر، اتصلت بصديقي الشاعر والمترجم ســيد أحمد بلال وبعث لي مشكورا علــى الإيميــل اســم الشــاعر بالطريقة السليمة التــي يكتــب بهــا إنكليزيــا، وبعــد بحــث علــى الإنترنــت حصلنــا علــى عنــوان وتلفون ناشــر الكتــاب، وبالاتصــا­ل بهم، أبلغونا بأســف أن كل نســخ الطبعة الأولى من الكتاب نفدت، ولم تك هناك طبعة ثانية من الكتاب.

‪Crispin Hughes(‬ ) مصــور فوتغرافــي بريطانــي محترف، كان المصور الأساســي لصحيفــة «غارديان» الشــهيرة، وهــو صاحب جنــاح خاص فــي المتحف البريطاني، تعرض له صور هناك عبارة عن مشــروع لتوثيق جماليات الجســور المختلفة المنتصبة على نهر التيمز، وهو أيضا مصور متعاون مع مركز ترجمة الشعر في لندن، ما مكنني من التعرف عليه شخصيا وتشرّفت بأن صورا كثيرة منشــورة لي ولكتبــي الصادرة عن مركز ترجمة الشــعر وعلى الإنترنت ومختلف وسائط الميديــا من صنع عينه وكاميرته، حــن عرف بالصدفة لهفتي على الكتاب، فاجأني بأنه كان صديقا شــخصيا للشــاعر ســر أناي، وأن في مكتبته الخاصــة أكثر من نسخة من الكتاب، لن يمنحني بالطبع النسخة خاصته المتوّجة بتوقيع الشاعر، لكن كان في مقدوره أن يهديني نسختين من الكتاب الذي كنت أحلم باقتنائه.

في غــرب لنــدن، عــام 2013، ســألتني )ليندا(بريطانية من أصل جامايكــي، وهي من أعضاء مجلس إدارة مؤسسة خيرية كبيرة في غرب لندن، كنت أدرس اللغة الإنكليزية في كلية تتبع لها وأمارس عملا طوعيا من خلالها أيضا، ســألتني- وقتهــا: «هل كنت حاضرا مســاء أمس فــي الحديقــة؟!» (تعني فعاليــة افتتاح الكرنفال(، قلــت لها : «نعم، كنت حاضرا »، وبدأت بيننا دردشــة حول «كرنفال نوتنغ هيل غيت» الشهير )25- 26 أغسطس/آب( سنويا، سألتني عن انطباعاتي وقلت لها: «أكثر ما أعجبني في الفعالية الكلمات التي بادر بها بعض المتحدثين عن تاريخ الكرنفال، عن تاريخ الوجود الأســود في المنطقة، وأن الأمر ليس رقصا وغناء فقط في الشوارع لمدة 48 الساعة، بقدر ما هو متعلق بتاريخ مرير، وبقــدر ما هو اســتلهام حقيقــي لتاريخ وجود في هذه التربــة، وإلهام للأجيال الجديدة؛ لن ننســى تاريخنا أبدا، ولن نهمل وعينا بهويتنا الأصل مطلقا.»

فجأة، ســألتني ليندا عن اسمي مجددا وعن مسقط رأســي، قلــت لها اســمي واســم موطني، حــن قلت السودان، برقت عيناها فجأة وقالت لي: «حين كنت في السابعة والعشرين من عمري التقيت شاعرا سودانيا، حينها لم أك أعرف شــيئا عن السودان أو عن تاريخه، حكت لي بعينين شــبه دامعتين عن ذلك اللقاء، وهي لا تذكر اسمه، ولا اســم الكتاب الذي أهداها نسخة منه، لكن من خلال ســردها، حدست اســمه واسم الكتاب، وحين ذكرت لها أن الشــاعر هو ســر أنــاي كليوليانق لم يبد على وجهها ســيماء التذكُّــر، لكن حين ذكرت لها اســم الكتاب، تهلَّلت أساريرها حبورا ، لم تك تعرف أن الشاعر الذي كانت تتحدث عنه رحل في نهايات القرن المنصــرم، واعتذرت لها عن أن القــدر هو من جعل مني أول من يخبرها برحيله؛ كانت لحظة نادرة من الشجن، ومضت عني وهــي على عــزم أكيد أن تعــود لمكتبتها الخاصة بحثا عن نســختها النادرة مــن الكتاب، وهي على ثقة أنها هناك.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom