Al-Quds Al-Arabi

المشكلة ليست الأونروا

الخطأ هو أن يتم التعامل مع الفلسطينيي­ن بصورة مهينة لا تحترم رؤيتهم لمأساتهم

- دمتري شومسكي هآرتس 2018/9/20

■ النقــاش العــام الذي ثــار مؤخرًا في إســرائيل حول وقــف التمويــل الأمريكي للأونروا معيب في معظمه، ولمن عمي إدراكه هو مدهش جــدًا. يبــدو أن المصفقين اليوم لتصميم دونالــد ترامب على تقويض وجود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيي­ن التابعة لــأمم المتحدة، يعتقــدون حقًا أنه يمكن اســتبدال الأونروا بجهــات أخرى لا تربط المســاعدا­ت بتســجيل الفلسطينيي­ن كلاجئين، كمــا كتبت عنــات وولف وعيدي شــفارتس («هآرتس»، 9/3(، من أجل البدء بتحطيم أســطورة العودة من قلب القومية الفلسطينية.

هذا الوهــم يعكس عدم فهم كامل لظاهرة القومية الحديثة. استمرار أسطورة العودة في الوعــي الوطني الفلســطين­ي لا يرتبط بتسجيل الفلسطينيي­ن كلاجئين من قبل هذه المؤسسة الدولية أو تلك، بل بالتسجيل الذي لا يمكن منعــه للنكبة في الذاكــرة القومية الفلسطينية.

ربما يتم إجراء نقاش قانوني في مسألة هل يمكــن توريث مكانة اللاجــئ إلى الأبد، ولكــن من المضحك التشــكيك بــأن الرموز والذاكــرة القوميــة تنتقل أيضًــا من جيل إلى جيل في أوســاط قوميــات عرقية دون الحاجة إلى المصادقة عليها من حكام أجانب هســتيريين ينقصهم الوعــي الذاتي ـ ومن مثل الشعب اليهودي يعرف ذلك.

القوميــة الفلســطين­ية الحديثة ظهرت على حلبة التاريخ كأمة إقليمية ـ سياســية فــي الأعــوام 1917 ـ 1922 كنتيجة التفكك العنيــف للفضــاء العربي عــن الإمبريالي­ة العثمانية إلى كيانات تقع تحت الســيطرة الكولونيال­يــة. بعد عــام 1948، ومع هرب وطرد مئات آلاف الفلسطينيي­ن الذين منعوا من العودة إلــى بيوتهم خلافًــا لقرار الأمم المتحدة 194، أضيف إلى القومية الجغرافية الفلسطينية أســاس ثقيل الوزن هو قومية الشــتات، أي قومية مجموعة اثنية التي في جزء منها، وأحيانا في جزئها الأكبر، لا تقيم في وطنها القومي، بل تتطلع إليه.

هذه الحقيقة الأساسية لا يتوقع أن تتغير جذريًا حتى لو تم إلغاء الأونروا من العالم، وحتى لو تم تفكيــك مخيمات اللاجئين وبدأ الفلســطين­يون الخارجون من المخيمات في اندماج ناجح في أوساط غير الفلسطينيي­ن. صحيــح، إذا كان يهــود ويونانيون وألمان وعدد لا بــأس به من الســوفييت الذين لم تطأ أقدام آبائهم طوال أجيال أرض إسرائيل وأرض اليونــان وأرض ألمانيــا حافظوا في أعمــاق قلوبهم علــى علاقتهــم التاريخية العميقــة بوطنهــم القومــي، فإنــه يحق للفلســطين­يين الذين فقدوا وطنهم منذ فترة غير بعيدة مواصلة تطوير حلم العودة إلى فلسطين.

علاوة علــى ذلك، مــن يميلــون إلى أن يشــخصوا بصورة حصرية بؤرة أسطورة العــودة القومية الفلســطين­ية في مخيمات اللاجئين للأونروا، ينسون المكان الرئيسي للنخبة المثقفة في نشــر الأفكار والأساطير القومية.

المثقــف والمفكر إدوارد ســعيد الذي علم الأدب فــي جامعــة كولومبيا فــي الولايات المتحدة لم يعش في مخيم لاجئين، حســب معرفتنا. ولكنه اعتبر نفســه مهجــرًا، كما ســمى كتاب ســيرته الذاتية. أيضًا مثقفون فلســطينيو­ن بارزون اليــوم ـ في وطنهم وخارجه ـ يواصلــون اعتبار النكبة كارثة قومية للشــعب الفلســطين­ي، وحق العودة كجزء من حقوقه الأساسية.

إضافة إلى ذلك، فإنه رغم التمسك المبدئي بأســطورة العودة فإن أوساطا رئيسية في الحركة القومية الفلســطين­ية أظهرت دلائل على الاســتعدا­د لأن تكون أكثــر مرونة في مســألة اللاجئين. لذلك، وولف وشفارتس مخطئــون، ويضللــون عندمــا يطرحون القيادة الفلسطينية على أنها تسعى بصورة متعصبــة إلــى هدف غيــر منطقــي يتمثل بالتطبيق الكاسح لحق العودة داخل حدود إسرائيل.

المحامي جلعاد شار، وهو من الشخصيات البــارزة فــي المفاوضــا­ت بــن إســرائيل والفلسطيني­ين في عهد حكومة باراك )1999 ـ 2001(، الــذي فــي كتابه عــن محادثات كامب ديفيــد لم يرحــم ياســر عرفات في انتقاداته، قال إنه «مقابل مرونة من جانبنا في الصياغات التي كان من شأنها أن ترضي احتياجات الصــورة الفلســطين­ية، كانوا مستعدين للاكتفاء بذلك، ولا يطالبون بحق عودة فعلي إلى داخل إسرائيل.»

حســب أقوال حاييم رامــون، الذي كان شــخصية مركزية في بلورة التفاهمات مع القيادة الفلسطينية خلال عملية انابوليس، فإن المفاوضات بشــأن اللاجئين مع محمود عباس كانت في مرحلة متقدمة.

رامون نفســه قدم للفلسطينيي­ن وثيقة، التي حســب زعمه تمــت بلورتهــا بمعرفة رئيس الحكومة إيهود أولمرت، والتي أظهرت إسرائيل استعدادها بالسماح لأكثر من 100 ألف فلســطيني بالدخول إليها، شريطة أن يتم ذلك خلال 15 سنة وليس خلال 5 سنوات مثلما طلب الفلسطينيو­ن. هذا الموقف لم يتم تضمينه في اقتراح أولمرت لعباس.

من الواضــح أن مســألة اللاجئين كانت بعيدة عن الحل فــي عملية أنابوليس، وأنه بقي للطاقم الإسرائيلي والطاقم الفلسطيني فــي المفاوضــا­ت طريــق طويلــة ومليئة بالعقبات من أجل حلهــا. ولكن من الواضح أنــه إذا كنا نريــد أن نجعل الفلســطين­يين يتمسكون بالمطالبة بتطبيق حق العودة إلى داخل إسرائيل بدون تنازلات، فإن الطريق المضمونة لذلك هي طريقة وولف وشفارتس وأمثالهما، التي هدفها تقزيم الكارثة القومية الفلســطين­ية والــدوس بقــدم صلبة على ذاكرتهم القومية.

وولف وشــفارتس يطلبان مــن القيادة الفلســطين­ية الاعتــراف بعدم الشــرعية الأساســية لحق العودة، مــن خلال عرضه كمعادل لسرقة الأراضي الفلسطينية لصالح إقامة بؤر اســتيطاني­ة غير قانونية. فعليًا، هم يتوقعون أن يوافق الشــعب الفلسطيني علــى أن المنع الخبيث لعودة الفلســطين­يين إلــى بيوتهم من عــام 1948 ـ الذي مكن من سرقة أملاكهم من أجل مســاعدة استيعاب الهجرة وضمان أغلبية يهودية ـ كان عملية أخلاقية وشــرعية. نوع من العقاب المتوازن لرفض الفلسطينيي­ن التسليم بتقسيم البلاد بينهم وبين الذين جاؤوا مــن فترة قصيرة لهدف واضح وهو تحويل ســكان البلاد إلى أقلية.

لم يخلق بعد شــعب يحترم نفســه كان مســتعدًا لهــذا النــوع مــن الإذلال الذاتي وانتهــاك علني لذكرى صدمتــه القومية. لا شــك في أنه إزاء هذا الطلب غيــر المنطقي، الذي يتجاهــل بصورة فاضحــة ما وصفه جلعاد شــار كحاجات لصورة الفلسطينيي­ن في مســألة النكبــة، والمعتدلــ­ون أيضًا في أوساط الفلســطين­يين لن يبقى أمامهم خيار ســوى الانتقال نهائيًا من أسطورة العودة لأغراض شكلية إلى أســطورة العودة كأمر عملي. يمكن القــول إن حــل الدولتين بهذا سينتهي نهائيًا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom