Al-Quds Al-Arabi

سد ترامب لحماية الغرب من يأجوج ومأجوج!

-

■ كشــف وزير الخارجية الإسباني أن الرئيس الأمريكــي دونالــد ترامب اقتــرح بناء جــدار على طول حــدود الصحــراء الكبرى للحــد من وصول المهاجريــ­ن القادمــن مــن بلــدان أفريقيــا جنوب الصحــراء على غــرار خطّته الســيئة الصيت لبناء سور على حدود بلاده مع المكسيك.

يثير اقتراح ترامب الســخرية، بدايــة، لأنه وهو من هو عليه، وبحجم السلطة الهائلة التي يمتلكها، لم يستطع المباشرة بعد ببناء سوره «العظيم» على حدود المكســيك التي تبلغ 3200 كم، وبالتالي فهو اقتراح فاشــل يســتند إلى اقتراح أكثر فشــا، كما أنه مشــروع غيــر قابــل للتحقيق أصلا فمســاحة الصحراء الكبرى قرابة تســعة ملايين ومئتي ألف كيلومتر وهي مســاحة تعادل مســاحة الصين أو الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وهذه الصحراء هــي جــزء أو تحــاذي كلا مــن الجزائر، التشــاد، مصــر، إريتريــا، ليبيا، مالــي، موريتانيــ­ا، المغرب، النيجر، السودان وتونس.

المقصــودو­ن بهذه الخطــة، كما يُفهــم منها، هم أفارقة جنوب الصحــراء الذين يعتبرون من العرق الأســود، وهو ما يعطيها صبغة عنصرية واضحة لا يكفّ ترامب عن التعبير عنها بأشــكال وصور لا تحصى، بدءاً من حملته الشنيعة على باراك أوباما التــي تزعم أنه لم يولد في أمريــكا )وبالتالي ليس أمريكيا حقيقيا(، ومــرورا بتوصيفه لدول أفريقيا بكلمــة بذيئــة )خففتهــا وســائل الإعــام العربية باســتخدام كلمة «الحثالــة»،) وليــس انتهاء بكل المسار العنصريّ الذي يصم تصرّفاته وأفعاله.

أثــارت تصريحــات ترامــب العنصريــة ردودا دوليــة وشــعبية هائلــة ولعــلّ واحدا مــن أكثرها بلاغة كان رد أحد الناشطين الغانيين الذي قال له: «سيد ترامب، ســأرافقك يوما إلى بلد حثالة اسمه غانا. المحطة الأولى ســتكون قصر أوســو ثم قصر إيلمينــا ومن ثم أكثــر من أربعين قلعة اســتخدمت لاعتقال نحــو ثلاثين مليون عبد ضربــوا واقتيدوا بحرا )إلى القارة الأمريكية(، ولاحقا، ســأروي لك تاريــخ افريقيا وكيف حولها أنــاس مثلك إلى قارة حثالــة»، فيمــا قال ناشــط كيني: «قارتنــا مباركة لكن مســؤولين إمبرياليين اغتصبوها بالتعاون مع قادتنا الحثالة منذ أجيال.»

تذكرنــا مقاربــة ترامــب بالقصــص اليهوديــة والمســيحي­ة والإســامي­ة حول ما يســمى «يأجوج ومأجوج»، وقيام ذي القرنين، حسب القرآن، ببناء ســد كبير لمنع «المفســدين في الأرض» من شعوب يأجوج ومأجوج ولحجز شرهم عن شعوب الأرض الأخــرى، وواضــح أن بنــاء الأســوار والســدود والجــدران العالية التي تفصل بين الشــعوب صار جــزءا مــن عبــر الأديــان ومروياتهــ­ا وقصصهــا الغابرة ولكنّ اتجاهات سياسية ودولا كثيرة تريد إعادة تجســيد هذه القصص فــي العالم الحديث، وخصوصا طغم الأنظمة العنصرية والمستبدة، كما هو حال الاحتلال الإســرائي­لي وجدار العار الكبير الذي اشــاده شــاقا أرض فلســطين ومقســما بين مناطقها وقراها وبلداتها ومدنها وشعبها الواحد، وحال ترامب وجــداره الذي يريد من المكســيكي­ين أنفســهم أن يدفعــوا ثمنــه، وهو أمر يقــوم بعض حكام العرب بتبنيه أيضــا، كما هي الخطة المخزية التي طرحتها الحكومة الســعودية لكســر الحدود البرّيــة مع قطــر وتحويلها إلى بحريــة لعزلها، من دون أن يســأل حكامهــا أنفســهم ماذا ســيفعلون حــن تزول الخصومــة المفتعلة بــن البلدين، وهل سيقومون بإعادة ردم الحدود مجددا أم سيكتفون بالتحسّــر على أخطائهــم الكارثية على شــعوبهم وعلى الآخرين؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom