Al-Quds Al-Arabi

التوتر في العلاقات المغربية الإسبانية إلى أين؟

- ٭ كاتب مغربي

■ منذ أن صعد الرئيس الحالي للحكومة الإســباني­ة بيدرو سانشــيز للحكم، والعلاقــا­ت المغربية الإســباني­ة تمر بأدنى مستوياتها بالقياس للسنوات العشر الأخيرة.

الصحافة الإســباني­ة تؤشــر علــى ذلك بمخالفــة رئيس الحكومــة للتقاليــد الديمقراطي­ة الإســباني­ة المرعية في زيارة رئيس الحكومــة للمغرب، وتحــاول أن تحفر فــي جذور هذا الموقــف، وتســتحضر الحــدث الوحيــد الذي يربــط رئيس الحكومة بالمغرب، كونه، شــارك في مهمة المراقبة في انتخابات 2011، وكتب تقريرا ســلبيا أزعج الرباط حــول نزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها.

لكــن القضية أبعد من مجرد موقف شــخصي لرجل لم يكن يتوقع أحد أن يصعد لرئاســة الحكومة، بما فــي ذلك المغرب، فقــد برزت في هذا الصيف الســاخن، على الأقــل ثلاث قضايا استراتيجية، أدخلت العلاقات المغربية الإسبانية إلى منعطف بالغ الحساسية.

أول هــذه الملفات، تجــاري، يخص مدينــة مليلية المحتلة، إذ أقــدم المغرب على اتخاذ قرار إغــاق المركز الجمركي لبوابة المدينة المحتلة، مما تســبب في تكبيد اقتصاد المدينة خســارة كبيرة، تجاوزت 60 في المائة من مداخيلها الضريبية.

الســلطات المغربية عللت القرار، بحالة الركود القاتل الذي يعيشه ميناء الناضور بسبب حركة التهريب التي تمر من معبر بني أنصار/ مليلية، إذ انعكس القرار بشكل سريع على الحركية التجارية في هذا الميناء، الذي عرف انتعاشة غير مسبوقة.

غير أن الســلطات الإســباني­ة اعتبرت ذلك عملا عدوانيا، يســتهدف ضرب اقتصاد المدينة، وهو مــا جعلها، تقوم بإنزال عســكري بحضور قادة عســكريين كبار من مدريد، بالإضافة إلى مســؤولين حكوميين، جاؤوا عقب احتفالات رسمية لذكرى احتــال المدينة، بعدما اســتنجدت الحكومــة المحلية بمدريد لإنقاذها من الافلاس. الحكومة الإسبانية، عمدت مباشرة، بعد القرار المغربي الجديد، إلى تصعيد الموقف بشــكل غير رسمي، وذلك من خلال، تخفيف مســتوى التعاون في المعابر،وتعقيد عملية «مرحبــا» الخاصة بعبــور المغاربة المقيمــن بالخارج إلى المغــرب، إذ خفض مينــاء الجزيرة الخضــراء من قدرته اللوجســتي­ة لاســتقبال البواخر، مما ترتب عنه، وقوف آلاف المغاربة العابرين إلى الحدود الأوروبية في الميناء المتوســطي، لأكثر من عشرين ساعة ولمدة أربعة خمسة أيام، مما تسبب في حركة احتجاجات كبيرة.

ثاني هذه الملفات، أمني، يخص بالدرجة الأولى دور المغرب في مواجهة الهجرة الســرية، إذ اتهمت دوائر مقربة للسلطات الإسبانية، وبشكل الخاص الدوائر الإعلامية، المغرب بافتعال الأزمة، بتشجيع الهجرة الســرية، وبتخفيف التعاون في هذا المجال، وشــاركت في المس بسمعة المغرب الحقوقية في المنتظم الدولي من خلال عرض فيديوهات لتواتر غير مسبوق لقوارب الموت المتجهة نحو الجارة إسبانيا عبر الشواطئ المغربية.

المغرب، من جهته، كان ســباقا إلى طرح المشــكلة، وتحميل الاتحــاد الأوروبي المســؤولي­ة عن ضعف الدعــم الذي يقدمه للمغرب لتخفيــف تدفق المهاجريــ­ن على الجارة الشــمالية، فقد ســبق له أن طالب برفع العائــدات المالية المخصصة للدعم اللوجســتي إلى 60 مليــون يورو، وهو ما لم يتم الاســتجاب­ة له في حينه. الناطق الرســمي باســم الحكومة المغربي، السيد مصطفى الخلفــي، أكد أن مواجهة شــبكات الهجرة الســرية تقتضي تفعيل المسؤولية المشتركة، وهو يقصد في ذلك الاتحاد الأوربي باعتباره معنيا بالدعم المالي واللوجستي.

تصريح وزيــر الداخليــة الإســباني فيرنانــدو غراندي مارلاســكا خلال المؤتمــر الوزاري حــول «الأمــن والهجرة» بفيينا،والذي وصف فيه المغرببكون­ه «شــريكا مميزا لإسبانيا في مجال مراقبة الهجرة غير الشرعية القادمة من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء»، الذي أعقــب الموقف المتصلب للمغرب، جاء لامتصاص الغضــب المغربي وتخفيف الاحتقان على هذا الملف، فإســبانيا تعتبر المتضرر الأول من الهجرة الســرية، ولذلك ما فتئت تضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل الاستجابة للطلب المغربي للرفع من المســاعدة المقدمة له لتقوية نظام اســتقباله للمهاجرين ومراقبة حدوده.

الملف الثالث، سياســي مــن جهة المغــرب، واقتصادي من جهة الجارة الإســباني­ة،ويخص ملف اتفاقية الصيد البحري. فالمغرب، يتطلع لكســب المعركة مع خصوم محدته الترابية في البرلمان الأوروبي، فبعد أن نجــح في التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاقية مــع الاتحاد الأوربي، والتــي اعترفت بالحدود الجنوبية للمغرب، فيما اعتبر مكســبا سياســيا ودبلوماسيا للمغرب، لا يزال مرهونا للدنياميات السياسية والدبلوماس­ية التي تتكثــف قبيل قــرار البرمــان الأوربــي للمصادقة على الاتفاقية.

لا يبدو أن في مصلحة إسبانيا أن تستغل هذا الملف في إدارة توتر علاقاتها مع المغرب، لسبب بسيط كونها المتضرر الأول من تأخير تجديد الاتفاقية، وهذا ما يفســر الموقف الإســباني، فقد صرح لويس بلاناس وزير الفلاحة والصيد البحري والتغذية الإسباني بأن اتفاقية الصيد البحري التي وقعها المغرب مؤخرا مع الاتحــاد الأوروبي بالأحــرف الأولى « حيوية « بالنســبة لبعض قطع الأســطول الاسباني، وأن إسبانيا لعبت دورا مهما للغاية مؤكدا أن إســبانيا تســتفيد من 90 من أصل 138 رخصة صيد أي أكثر من النصف.

المرجح من خلال اســتقراء مواقف الطرفين في هذه الملفات الثلاثــة، أن نقــاط التصعيد، تخص بشــكل أساســي الملف الأمني، ووضعيــة مدينة مليلية المحتلة، ويمكــن أن تلحق بها أيضا وضعية ســبتة. والتقدير أن الملــف الأمني، يمكن أن يجد طريقه إلى الحل قريبا، بحكم أن المغرب لا يتنكر لمســؤوليا­ته، ولا يفعــل أكثر من إحراج الاتحاد الأوربــي، للوفاء بالتزاماته ومسؤولياته المشــتركة مع المغرب لوقف تدفق المهاجرين غير الشــرعيين، في حين، تبقى الحرب الإعلامية والحقوقية مجرد أدوات في صراع سياســي ودبلوماسي على خلفية أمنية، يريد كل طرف فيهــا أن يربح المعركة لصالحه، كســبا لدعم أكبر من جانب المغرب، وتخففا من المســؤولي­ة المالية واللوجستية من جانب الاتحاد الأوروبي. وفيما تنخرط الجارة الإســباني­ة في معركة تشويه السمعة الحقوقية للمغــرب، باعتبار أنهــا المتضرر الأول من الهجرة الســرية، تقوم فــي المقابل بــدور معاكس، بدعم المغرب للحصول على دعم أكبر من الاتحاد ألأوربي.

يبقى الملف الأكثر حساسية، هو وضعية المدينتين المحتلتين، إذ يبدو من خلال تتبع اســتراتيج­ية المغرب في التعامل مع هذا الملف، أنه يسعى بعد بناء الميناء المتوسطي وتنشيط حركيته التجاريــة، وبعــد أن بنى مينــاء الناضــور، وتوطين بعض الخيارات التنموية في المنطقة الشــمالية، إلى إغلاق البوابات الجمركيــة وإيقاف حركة التهريب، ليمتلــك ورقة قوة للضغط على إسبانيا لفتح ملف التفاوض حول المدينتين المحتلتين، بعد أن طالب الملك الراحل، الحســن الثاني، بإحداث خلية للتفكير حول هذا الملف، ولم يتم من جهة إسبانيا التفاعل الإيجابي مع مطلبه.

سياسة محمد السادس، في هذا الملف، على ما يبدو، تنطلق من التجــارة لتصل إلى السياســة، إذ يمكــن أن يقود تجريد المدينتين من قوتهما التجارية المكتســبة من نشاط التهريب إلى إجبار حكومة مدريد للنزول للتفــاوض، ولو بالحدود الدنيا، بالتجاوب مع مطلب الحسن الثاني القديم.

لحد الآن، لا شــيء رســمي يشــير إلى هذا الملف، لكن في الجوهر، يشــكل إغلاق المركز الجمركي ببنــي أنصار من جهة المغرب، والإنزال العسكري والحكومي بمدينة مليلية، مؤشرات علــى الإرادتين المتناقضتي­ن، والمرجح، أن الحكومة الإســباني­ة ســتعيد دراســة أوراق المغرب التفاوضية، وستجه قريبا إلى مراجعة سياســتها، والتفكير في تدفئــة العلاقات مع المغرب، والتصالح مع أعرافها الديمقراطي­ة فــي زيارة رئيس الحكومة للمغرب، واستئناف التواصل والتعاون على كافة الملفات، كما كان الشأن من قبل مع حكومة راخوي.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom