Al-Quds Al-Arabi

«أتلانتك»: السعودية تسخر من أمريكا ويجب وقف خداعها

-

يناقــش الباحث فــي معهــد بروكينغز، شــادي حميد بمقال في مجلة «أتلانتك» أن سياســة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخارجية قد تكون أي شــيء ولكنها ليســت غير متماســكة، ففــي جوهرها عملية إعادة ترســيم الفــروق بين ما هو عــدو- صديق من خلال مضاعفــة الدعم وبــدون شــرط للحلفاء مثل الســعودية وإســرائيل وتركيز الغضب بشكل كامل على إيــران. ويضيف الباحث قائــاً إن رهان ترامب الكبير على الحاكم الفعلي للسعودية الأمير محمد بن ســلمان يجعل من اختفاء واحتمال اغتيال الصحافي جمال خاشــقجي فــي قنصلية بلاده في اســطنبول حدثاً «وحشياً». وبالنسبة لترامب فإن هذا شخصي، فصهره ومستشــاره جارد كوشــنر عمل على تطوير علاقة مع «مب س» كما يعرف ولي العهد الســهودي حيث رأى فيه شــريكاً قوياً لعزل إيران وتخفيف حدة العداء العربي لإسرائيل.

وفي عالم ترامب يجــب التعفف عن نقد الأصدقاء من العرب الديكتاتور­يين قــدر الإمكان، خاصة عندما يتعلق الأمــر بأولويات الإدارة المتدنيــة مثل حقوق الإنسان. ويضيف الكاتب أن سياسة عدم التدخل جرأ وقوى «مب س» وبنتائج مدمرة خلال العام والنصف الماضي وهو ما ذكــر أن منظور الضغط الأمريكي- إن لم يكن الضغط الحقيقي - يقدم ضبطاً على الحلفاء.

وما يثير الدهشة هو الموقف السعودي الذي لم يكن مهتماً بمواجهة الأدلة التي تشــير لاغتيال خاشقجي. وخذ مثلاً مقترحات الســفير السعودي في واشنطن للســناتور بوب كوركر وهو أن كاميــرات القنصلية تنقل الصور مباشرة ولكنها لا تسجل. وهذا ما يجعل التصرف الســعودي في هذه الحادثة متهوراً بدرجة كبيــرة وأكثر من حملات القمع ضد ألطف النقاد وعدم احترامها المتزايد لحقوق الإنســان فــي حرب اليمن. ويشير الكاتب إلى أن ترامب استثمر رأسمالاً سياسياً ومنح حسن نية واسعة لمحمد بن سلمان بشكل عرضه لنقد واســع. وفي هذا الســياق كان رهانه على ولي العهد هو «الرهان الأكبر» في الشرق الأوسط.

وكما كتب المعلق في «اكســيوس» جوناثان سوان «قامت الإدارة الأمريكية بقيادة جارد كوشنر بالمراهنة على «مب س»صاحب الرؤية – المصلح والســعودي­ة بطريقة لم تفعلها إدارة سابقة». ولم تبادل السعودية حســن النية بالمثل. وبــدلاً من ذلك يقــوم «مب س» بالســخرية من ترامب ويفاخر بقدرته على تمشــية أية مشــكلة يفتعلها. ومجرد قيــام صديق بالتصرف بهــذه الطريقة هــو مدعاة للشــعور بالإهانة خاصة من ترامب نفســه. كل هــذا يدمر قــرار ترامب إعادة تشكيل الإستراتيج­ية الأمريكية بحيث تتمحور حول الســعودية الجديــدة المتغيرة. ولو أخذنــا ردة فعل الرئيــس الأمريكي نــرى انه شــعر بالإنزعاج لمجرد الحديث عن موضوع اختفاء خاشــقجي حيث قال إنه «قلق بشــأن هذا» و «لا أحب مناقشــة أمر غير واضح وآمل أن تحل نفسها بنفسها وفي الوقت الحالي لا أحد يعرف أي شيء».

ومع ترامب لا أحد يعرف إلى أن يقوده حماسه. فقد لا يهتــم ترامب باغتيال صحافي بــارز لديه إقامة في أمريكا ويكتب في صحيفة «واشــنطن بوست» إلا ان الحادث قد يؤدي لصحوة الجانــب من ترامب عندما كان مرشــحاً ورئيســاً الآن والذي عبر فيه عن نفاد صبره بالسعودية واعتمادها العسكري على الولايات المتحدة ففي 2 تشرين الأول )أكتوبر( قال ترامب أمام تجمع من أنصاره بمدينة ســاوثهيفن- المسيســبي كلامــاً عن حماية أمريكا للســعودية وكيف قال للملك ســلمان إنه بدون المساعدة العســكرية الأمريكية لم يكن ليظل في العرش أسبوعين.

ومن المثير للدهشة أن اختفاء خاشقجي لم يؤد إلى إحباط لدى السياســيي­ن الأمريكيين فحســب بل إلى الغضب. مثل الســيناتو­ر الجمهوري ليندزي غراهام الذي قال إن السعودية ستدفع ثمناً باهظاً لو ثبت أنها اغتالت خاشقجي. ويرى الكاتب أن المشكلة في العلاقة التعاقدية نابعة من إقامة تحالفات مع دول لا تشــترك مع أمريــكا بقيمها وبل ولا تشــترك معها في المصالح. ويعتقد حميــد أن الإســتعان­ة بالمتعهدين الخارجيين المتهورين الذين لا يحترمــون الولايات المتحدة كان دائماً خطأ وأصبح الآن إحراجاً. وحتى من لا يهتمون كثيراً في حقوق الإنسان بالشرق الأوسط فإن اختفاء خاشــقجي يطرح أســئلة على مصداقية حليف يصر على التصرف بهذه الطريقة الصفيقة.

ويقول الكاتب إن كانت سياســة ترامب الخارجية هي عن «أمريــكا أولاً» فيجب أن يدفع الحلفاء الذين لا يحترمون أمريكا ولا قيمها ومصالحها ثمناً باهظاً. وما هو الثمن هذا؟ وهو مــا يجب أن يتحول إليه الحديث عن مستقبل العلاقات الأمريكية - السعودية. وترامب محق في جزء من كلامه بشأن اعتماد السعودية على أمريكا. وكما قال بــروس ريدل مــن بروكينغز أيضا فســاح الجو الســعودي «يعتمــد بشــكل كامل في اسطوله من مقاتلات أف15 والأباتشي وتورنيدو على الدعم الأمريكي والبريطاني، ولو أوقفت واشــنطن أو لندن دعمهما اللوجيستي فســيتوقف كل الطيران.» وختم بالقول إن الحلفاء السيئين في الشرق الأوسط وهم كثر يمثلون مشاكل للإدارات الأمريكية المتعاقبة وصناع القــرار فيهــا. ويعتقــد هــؤلاء الحلفاء أن أمريكا قد تشــتكي أو تعبر عن قلقهــا لكن لن تفعل إلا القليل. وعادة ما يتم تناســي أسوأ التجاوزات باسم الأمن القومي، ولكــن حان الوقت لمواجهة الخـــداع السـعودي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom