Al-Quds Al-Arabi

المصري الحسين خضيري: شغف القراءة دفعني إلى تنويع الترجمة

- القاهرة ـ أشرف قاسم:

يعتبــر الفن التشــكيلي والتاريــخ ركيزتين مهمتين يقوم عليهما مشــروع المترجم الحســن خضيــري، وقد صدرت لــه في هذين المجالين عدة ترجمات مهمة، وضعته في صدارة مشــهد الترجمــة في مصر والوطن العربي، على الرغم من أنه يعيش بعيدا عن القاهرة، وما يمثله ذلك من صعوبات في النشر والتواجد، حول تجربته كان هذا الحوار..

■ الشــاعر والمترجم الحســن خضيــري، بين الشــعر والترجمة تدور تجربتــك، فلنبدأ بالحديث عن البدايات؟

□ البدايــات ليســت رحيمة، تكــدِّسُ العثرات في دروبنــا، وتمطرنا بها غيمــة إثــر غيمــة، لكنّها مِظلَّــةُ الأمل، هــذي التي بها أرواحُنا تتشبث، كيما تتضــح رؤانــا ويتَّضــح الطريــق. بدايتي مع القلم متعثرة، فعلــى الرغم من عشــقي للعلم والآداب مذ بدأ وعيي يتشــكل، إلا أن صِعابــا تمثلت فــي عدم قدرتــي علــى الالتحــاق بالمدرسة كســائر أقراني، المدرســة التي ظــلَّ حلم الالتحــاق بهــا مشــوبا بالجــراح دومــا. داومتُ على دروسٍ عنــد معلمي الــذي كان جارنــا، ظللت مداومــا علــى دروســي عنده، وكان هو مدرســتي الابتدائية التــي حُرمتُها، كانــت الطريقُ إلــى بيته ســهلة ميســورة، إلا على مثلــي، إلى أن شــاء الله والتحقــت بالمدرســة الإعداديــ­ة بعــد صعابٍ عدة، وبعد اجتياز امتحان للتجربــة وآخــر لنيــل شهادة القبول «الابتدائية آنــذاك». ثمّ بــدأتْ رحلة أُخــرى مــن المعانــاة، عرفت الشــعر فيها رفيقا لروحي الظمأى، وأنيســا لوحشــتي. وراســلتُ المجلات العربية، ونُشرتَ أُولى قصائــدي في مجلة «الشاهد» القبرصية وكانت أُولى رسائلي حبي الأول. واصلت مشــواري مع الشــعر، ونشرت لي قصائد عدة في مجلات عربية، كـ«الصدى» و «زهــرة الخليج » و«عرب» الكويتيــة، و«الشــعر» المصرية و«أخبــار الأدب،» وغيرهــا من المجــات، ثمَّ صدرت لي أُولى مجموعاتي الشعرية «أُغنية لغدٍ بعيد» عام 2002 ثمَّ «تراتيل المريد» 2006 عن سلســلة إبداعات بهيئة قصــور الثقافــة ثمَّ مــدن الغيــم عن سلســلة إشراقات جديدة عام 2009. ورغم أن الترجمة شغلتني بالفعل عن الشــعر مؤخرا، فكلمــا انتهيتُ مــن كتاب، كــي أتفرغ للشــعر، دفعني شــغفي وولعي إلــى كتابٍ آخر، لكنني انتهيت من جمع قصائد ديواني الرابع «لماذا تذكــرتَ زينب» وســيرى النور قريبا بإذن الله.

■ وكيــف بــدأت تجربتك مع الترجمة؟

□ دفعنــي عشــقي للغة الإنكليزيـ­ـة إلــى قــراءة القصص القصيرة والمقالات وتلقفــت يــداي المجــات الإنكليزية التــي أغدق بها عليّ أشــقائي الذين كانوا يعملــون فــي الســياحة آنــذاك، فكنــتُ أُترجمها لي ولأصدقائــ­ي أدباء الأقصر، ولم أُفكِّر فــي كتابة ما أقرأه وأُترجمه منها قــط. لكنني لّما أدركــت كيف يســتمتع أصدقائي بمــا أقصُّه عليهم من هــذه القصــص، أورق في نفسي سؤال.. لِمَ يُحرم من لا يقــرأ بالإنكليزي­ــة هذه المتعــة الكبرى، عندها وعندها وحســب، شــرعتُ فــي كتابة قصة من هذه القصص، ثمَّ أرســلتها إلى مجلة «سطور» فاحتلت مســاحة رائعة في المجلة، ما أســعدني ودفعني إلى ترجمة المزيد. وترجمت أول مجموعــة مــن الأدب الأمريكــي عنونتُها باســم «كلب بُني داكن» لكنها لم تٌنشــر آنذاك، لأن أديبا كبيرا ســبقني إلــى ترجمة مجموعة من هذه القصص، فقررتُ ســاعتها أن أتجه إلى الكتب التي أعشــقها وأنأى بعيدا عن القصص والروايات، وعثــرتُ على كتاب خلــب لُبّي ألا وهو كتاب «فرســان الفن» وكان أول ما نشــر لي، ونُشــر في المركز لقومي للترجمة، وأعادت مكتبة الأســرة طبعه مرة أُخرى. من يومها ولم أكــف قط، عن البحــث عن الكنــوز التي تزخر بها المكتبات الغربيــة، وأتمنى أن أنقل منها إلى العربية ما استطعت.

■ وعلــى أي أســاس يكــون اختيــار الكتــاب للترجمة؟

□ المترجم قارئ قبل أن يكون مترجما، فالذي يُمتعنــي كقارئ، ويحقــق لي فائــدة معرفية ويُدخلني إلى آفــاق جديدة من آفــاق المعرفة الإنســاني­ة، هو ما أُقبِــلُ على ترجمتــه، ولله الحمد لم تخنّي ذائقتي قــط. ولأنني أُترجم ما أُحبه وأعشــق أن أقرأه، تجدني أُبحر من الفن التشــكيلي إلى التاريــخ ثمَّ إلــى الميثولوجي­ا وأحيانــا إلى علم النفس، هذا الشــغف دفعني إلى التنوع في ما أُترجمه عن غير عمد ولا قصد، فما أُحب قراءتــه، ووددت لو نقلته إلى القارئ العربي ليعرف هذه المتعة التي لا تدانيها متعة.

■ ولماذا تتــراوح ترجماتك بــن التاريخ والفن التشكيلي؟

□ مثلما فُتنتُ بالشــعر، مفتون أنا ومسكون بالفن التشــكيلي، وروائعه وحكاياته ودروبه الوعرة، وكيف ســلك هــؤلاء الفنانون العظام دروب الألم ليخطّوا لنا بريشة المعاناة والإبداع حياة أسمى وأجمل، ما أُريد أن أصل به وإليه أن الفن حياة وأسلوب حياة، كتبي في الفن رسالة كي يُقبــل الناس على تذوق الفن ومعايشــته، ويدركوا أن وراء الإبداع آلام وعذابات ودموع، وأن الإبداع صنو الألم. أما التاريخ فهو الحضن البشــري الذي يجمــع كل خبرات الإنســان، حكمته، ذروته، علياءه، انحــداره، أوبته إلى نفسه وغيابه عنها، في التاريخ تجد نفسك كما أنــت، رغم ما ذكرتَ من نمطية الســرد في كتب التاريخ إلّا أنها تمنحك القدرة على اجتياز هذه النمطية عبر جمالياتٍ النصّ الداخلية، يجعلك هذا قــادرا على صياغة تعبيراتِــك، كما لو أنها كانــت نصّا أدبيا رائقا تصــول وتجول فيه كما يحلو لقلمك، وأرجــو من الله أن أكون قد وُفِّقتُ في هذا.

■ ما هي أهم أسباب قلة عدد العناوين المترجمة من لغات أخرى إلى العربية؟

■ كيف تكون لدينــا حركة ترجمة قوية تواكب حركة التأليف في اللغات الأخرى؟

□ لا بد من أن تقــوم الجهات الحكومية بدور أكبر في نشــر وطباعة الكتــب، كما أنه لا بد من تخريج جيــل واعٍ على معرفــة بدقائق اللغات العالمية، كي يتوافر لدينــا الكثير من المترجمين العارفين باللغات المتعددة.

■ مــا هــي الصعوبات التــي واجهتك كمترجم يعيش بعيدا عن القاهرة؟

□ جمــةٌ هــي الصعوبــات، لكنَّك لــن تقف عندها مكتــوف اليديــن، فالعثور علــى كتبٍ حديثة تروقك كقارئٍ أولا كــي تقوم بترجمتها هــو بداية الصعوبــات، فكم يتعذر هــذا علينا في الصعيــد، ثم هنالك صعوبــات فنيَّة تتعلق بالترجمة نفسها، فمعظم ما ذكرتَ من ترجماتي وما لم تذكر كتب كلاســيكية مضــى عليها مئة عام أو يزيــد، اللغة نفســها تغيــرت مفردات ماتت ومفردات استُحدثت، ناهيك عن مصاعب وصعوبات النشــر، فحدِّث عنهــا ولا حرج، ما بالك وأنت في أقصى الصعيد!

 ??  ?? المصري الحسين خضري
المصري الحسين خضري
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom