Al-Quds Al-Arabi

الفلسطينيا­ت في الداخل: بين مطرقة الأوساط الذكورية وسندان السلطات الإسرائيلي­ة

- الناصرة ـ «القدس العربي» من وديع عواودة: % % % % ٪

رغم منجزاتهم الكبيرة في البقــاء والتطور في مجالات كثيرة والحفاظ على الهوية الوطنية، تستمر ظاهرة جرائم القتل والعنف لدى فلسطينيي الداخل الذين يوجهون إصبع الاتهام للسلطات الإســرائي­لية بمحاولة العبث بمقدراتهم، من خلال غض النظر عن تمادي الجريمة والمجرمين وتجارة الســاح والمخدرات وغيرها، خاصة منذ مشاركتهم شعبهم الانتفاضــ­ة الثانية فــي مطلعها عــام 2000. كمــا أن المرأة الفلسطينية في الداخل التي ســجلت نجاحات مدهشة في مجال العلــم والتعليم، إذ هناك بعــض الجامعات كجامعة حيفا التي تبلغ نسبة النساء من مجمل طلابها العرب 66 ، لكنها ما زالت تتعرض لظلم ذوي القربى بالاعتداء وبالقتل.

ويربط بعض المراقبين بين تزايد نسبة تعلم واستقلالية المرأة الفلســطين­ية وبين الاعتداء عليها ومحاولة إخضاعها من قبل أوساط ذكورية تقليدية.

وتظهر معطيــات لجنة مكافحــة العنف في الكنيســت برئاســة النائب منصور عباس أن هناك 1000 سيدة مهددة بالقتل داخل أراضي 48 .

وعقدت هذه اللجنة جلســة بحثت خلالها موضوع قتل النساء في الدولة بشــكل عام، والنســاء العربيات بشكل خاص، افتتحها رئيسها النائب منصور عباس بالقول "حين نتحدث عن قتل النســاء، فأنا ضد التحدث عن المشكلة بلغة الأرقام والإحصائيا­ت، بعيدًا عن مساءلة السلطات المختلفة عن عملها في مكافحة هذه المشكلة ووقف قتل النساء". داعيا للتطرق لكل حالة قتل لامرأة بحد ذاتها، وكيف يمكن منعها، خاصــة وأن ثلث حــالات القتل التي حدثــت كانت معروفة لسلطات الرفاه أو الشرطة.

وشــدد عباس على خطورة المعطى الــذي يؤكد على أن نصف النساء اللاتي قتلن في إسرائيل هن عربيات، معتبرا ذلك إشــارة إلى فشــل ذريع في تعاطي الدولة والمؤسسات الرســمية مع هذه الآفة فــي المجتمع العربــي. وتابع "على الشــرطة والرفاه أن يفحصوا أنفســهم ويحسّنوا أداءهم المعطوب".

معطيات تؤكد فشل السلطات الإسرائيلي­ة

ومن أبرز المعطيات التي كشــف عنها خلال هذه الجلسة الخاصة بين الســنوات 2017-2019 : قتلت فــي البلاد 67 امرأة، أكثر مــن نصفهن عربيات، 23 منهــن قتلن على يد أزواجهن )34 منهــن عربيات(. كما يتضــح أيضا أنه بين الســنوات 2013-2016 قتلــت 42 امرأة، ثلثهــن عربيات، وثلثهن من اليهوديات المهاجرات الجديدات.

وحول محاولات قتل النســاء، يتضح أيضا من المعطيات أن حوالى نصف عدد النساء اللاتي تعرضن لمحاولة قتل بين الأعوام 2007-2016 كنّ نساءً عربيات.

وأشارت المعطيات إلى أن نصف الحالات التي قتلت فيها نســاء على أيدي أزواجهن بين الأعــوام 2004-2017 كانت معروفة لسلطات الرفاه، وأن ثلث حالات القتل التي حدثت بين الأعوام 2015-2016 كان معروفة للشرطة.

ويتضح أيضــا أن الشــرطة الإســرائي­لية لا تعتمد في معطياتهــا علــى تقســيم النســاء اللاتي يقتلن بحســب قومياتهن، بادعاء أن ذلك من شــأنه أن "يضع وصمة إجرام على مجتمعات محددة والمس بمشاعر مجتمعات كاملة".

نواب المشتركة: عدم التهاون

وشــارك في الجلســة عدد من نواب القائمة المشــتركة، من بينهم: أيمن عودة رئيس القائمة، وامطانس شــحادة، وعايدة توما ســليمان، ووليد طه، ويوسف جبارين، وهبة يزبك، وأســامة السعدي، وســندس صالح، وإيمان خطيب ياســن. وأكد النــواب على خطورة ما يحــدث في المجتمع العربي الفلســطين­ي مــن حالات عنف وقتــل، ومن ضمنها حالات القتل ضد النســاء، وضرورة مكافحة هذه الظاهرة وقيام السلطات المختلفة بواجبها، خاصة الشرطة والرفاه، وعدم التهاون مع مرتكبي جرائم القتل ضد النساء.

وكشــفت ممثلــة وزارة الأمــن الداخلي، لــي بيرل، في مداخلتها أنه في اللحظة الراهنة هنــاك حوالى 1000 امرأة

في البلاد مهددات وبحالة خطر مرتفع، وذلك وفق معطيات الشرطة للحالات التي تعالجها في مختلف محطاتها.

وأكدت بيــرل على أن هذه الحالات تُعرض كل شــهر في محطة الشــرطة التي تعالج القضية، ومرة كل ثلاثة أشــهر على مستوى قائد المحطة، ومرة كل نصف سنة على مستوى قائد المنطقة، ومرة كل سنة على مستوى قائد اللواء.

وقالت ممثلة وزارة الرفاه أيلاه مئير خلال الجلســة، إن الوزيــر ومدير عام الوزارة أعطيــا الضوء الأخضر لافتتاح ملجأين للنســاء المهددات، واحد منهما مخصص للنســاء العربيات، وهما الآن في حالــة متقدمة لتفعيلهما عن طريق جمعيات وأجسام تتعامل مع الوزارة في هذا الجانب.

لا جديد منذ عام 2000

وتحدثت في الجلســة النائبــة عايدة ســليمان توما، رئيســة لجنة مكانة المــرأة البرلمانية ســابقًا، بغضب تجاه الشرطة الإســرائي­لية وتجاه المجتمع العربي أيضا، فقالت "يجــب إقامة لجنة تحقيق برلمانية في حالات قتل النســاء. يجب إغلاق الدولة لهذا الســبب. هناك نساء عربيات قتلن مؤخرًا على أيدي تجار أســلحة! وللعلم، الملجأ الأخير الذي افتتح لرعاية النساء المهددات بالقتل في المجتمع العربي كان في عام 2000 ."

من جهتها أكدت النائبة إيمان خطيب ياسين على ضرورة تنفيذ خطط عمل عملية وبشــكل سريع بما يتعلق بدحر آفة العنــف وتوظيف الموارد اللازمة لذلــك. كما عرضت كواحد من الحلــول العملية للتغلب على هذه الآفة توفير وســائط إلكترونية للإبلاغ للنساء الموجودات في دوائر الخطر.

وشــاركت في الاجتماع الناشــطة حنان مرجية باسم الجمعيات النســوية الفلسطينية، فسّــلطت الضوء على معطى خطير مفاده أن 40 فقط من حالات قتل النســاء تم تقديم لوائح اتهام، متسائلة: "ماذا مع البقية؟"، مؤكدة أن هذا يشير إلى فشــل ذريع في الجهاز القضائي، داعية لفحص كل ملف قتل لكل امرأة على حدة وفحص أســباب إغــاق ملفــات القتل وإقامــة لجنة تحقيــق حكومية أو برلمانية لفحص الموضــوع. وتوضح الباحثة والمحاضرة في علم الاجتماع الدكتورة مهــا صباح كركبي لـ "القدس العربي"، "أن نسبة العربيات العاملات ما زالت منخفضة وتراوح عند 33 فقط رغم ارتفاع نسب التعليم العالي"، مشــيرة لكون المرأة هنا ضحية تمييــز عنصري مزدوج، مرة لأنها فلســطينية ومرة لأنها امــرأة. ونوهت أن تعلم النســاء العربيات لم يؤثر على مدى نجاحهن في تقسيم الأدوار بين الرجل والمرأة داخل البيت، وتقول "إن السيدة الفلســطين­ية صارت متعلمة ومثقفة وعاملــة في أحيان كثيرة، لكنها ما زالت ربة بيــت وزوجها "أفندي" كما كان في الماضي".

كما نوهت أنه رغم اتســاع الطبقة الوسطى وتعلم المرأة العربية ما زالت في هوامش الحيز العام خاصة في السياسة والحكم المحلي، ومع ذلك تشــدد على ضــرورة رؤية التقدم الكبيــر الذي تحــرزه المرأة العربيــة في العمــل والتعليم والاستقلال­ية، مشــيرة لكون ذلك بنفس الوقت أحد أسباب ارتفاع ظاهرة الطلاق.

وتحمل مها صباح كركبي مسؤولية استمرار قتل النساء الفلسطينيا­ت للشرطة الإســرائي­لية المتواطئة مع الجريمة ولمجتمعها. من جهته قال الناطق بلسان الشرطة الفلسطينية العميد لــؤي ارزيقات لـ "القدس العربــي" أمس إن "الضفة الغربية التي يقيم فيها نحو ثلاثة ملايين فلســطيني شهدت خلال العام الفائت 26 جريمة قتل".

وفي المقابل تؤكــد لجنة مكافحة العنف برئاســة عضو الكنيست منصور عباس أن أراضي 48 التي يقيم فيها اليوم مليون ونصف مليون فلســطيني قد شهدت في العام نفسه ‪99 2019()‬ جريمــة قتل، وهكذا في العام الحالي، فحتى الآن شــهدت الضفة الغربية 16 جريمة قتل مقابل 50 جريمة قتل في أراضي 48، وســط توقعــات بتفاقمهــا وازديادها لعدة أسباب منها إهمال الشرطة والأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا.

ويكشف العميد ارزيقات أن جرائم القتل كانت في الضفة الغربيــة عاليــة جدا كما هو الحــال في أراضــي 48 اليوم، حتى بدأت الشرطة الفلســطين­ية قبل عشر سنوات بإحكام قبضتها على الجريمة والمجرمين، وبالتزامن تســاهم في حل إشكاليات وخلافات في مرحلة مبكرة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom