Al-Quds Al-Arabi

معايير الاختيار

-

يومئذ تنبــأت بما هو قادم، وكتبت أنه سيســرح الإعلاميين الحاليين فعلا، وإن توقعت بأن أحمد موســى هو من سيستمر معه لفترة طويلة. فاختياره لمحاوره من خــارج «الطاقم» الموجود، يؤكد تصوره عن ضــرورة أن يكون له إعلاميون هو من يصنعهم، على أن يكونوا بدون مرجعية سياســية، وهــذا نمط اختياره في كل من يحيط بحكمه، فهو يريد شــخصيات باهتة، ثم إن الامتعــاض الذي أبداه من فكرة برامج «التوك شو» القائمة، يكشــف أن ما يستهويه هو ثقافة المعسكر، حيث النوم مبكراً والاستيقاظ مبكراً، وحيث السكون الكاشف عن عملية الضبط والربط، وربما كان النمــوذج المريح له، هو عندما كانــت في مصر قناتــان تليفزيونيت­ان، ينتهي ارسالها منتصف الليل، لمعاودة البث في فترة الظهيرة!

السيســي لا يشــبه أحداً من الرؤســاء العســكريي­ن الســابقين، فعبد الناصر والســادات، كانت تجربتهما العســكرية قصيرة، وكانت لهما احتكاكات قبل تولي الحكم فــي الحياة السياســية، ومبــارك وإن كان قد ظل لفترة أطــول في الحياة العســكرية فإنه من جيل يرى في التلفزيون وســيلة ترفيه، ولأنه أخذ من الحياة العســكرية الاســتيقا­ظ مبكراً، فقد صنعوا برنامجاً خصيصاً من أجله وهو «صباح الخير يا مصر» وكما نُسب لأحد قيادة ماسبيرو في بداية البرنامج «لا يهمني سوى مشــاهد واحد» فإنه وإن كان مؤكداً، أن السيســي لا يتسلى بالقراءة، كما كان عبد الناصر مثلاً، فإنه ليس ثابتاً عنه أنه ممن يجدون تسليتهم في مشاهدة التلفزيون أو الراديو، ولو بالاستماع لإذاعة القرآن الكريم، التي قرأت لمتابعين لها يشكون من تغير هويتها، ودخولها مجال التأييد السياســي الفج. ولا بأس فلا شيء على حاله في المحروسة، فكل المؤسسات أصابتها الخفة، التي هي لزوم المرحلة!

وفضلاً عن رغبته في شيوع ثقافة المعسكر في الحياة المصرية، فإنه لا يثق كثيراً في «الأبواق الإعلاميــ­ة» وإن تقربت اليه بالنوافل، لأنهم ليســوا رجاله، فتمامهم بالمفهوم العســكري عنــد دول وجهات وأجهــزة، وهو وإن صــار المهيمن على كل الأجهزة بحكم منصبــه، فإنه لا يثق إلا في من كان ولاؤهم بالكامل لجهاز المخابرات الحربية، ولأن هذا الجهاز كان بعيداً عن الحياة العامة في عهد «أبو علاء» حســني مبارك، فلم يكن لهم رجال في الأوســاط السياســية والإعلامية، وغالبية إعلاميي «الأجهزة الأمنية» هم رجــال مباحث أمن الدولة، وعدد أقل مــع المخابرات العامة. ومنهم من تبعيتهم لرجال أعمال لديهم طموح سياسي، والسيسي يبحث عن الولاء الخالص له.

ثم إنه شــاهد كثيراً منهم وهم يمارســون الخيانة لمبارك وزمانه وقد تقربوا إلى الثورة بالنوافل، حتى بــدت لميس الحديدي وعمرو أديب وغيرهما كما لو كانوا هم شهداء الثورة ومصابوها، فكيف يجد أمانه معهم؟!

لقد سعى عبد الفتاح لصناعة كوادر جديدة لعهده والتخلص من كل ما هو قديم، متعدد الولاء وصاحب ســوابق في الخيانة، شــريطة أن يكون المختار بلا مرجعية سياســية أو ثقافية، إن شئت فهو يريد شــخصية باهتة و »عساكر مراسلة ».. انظر إلى الاختيارات في الحكومة، وفي مجلس النواب، وفي كل قطاعات الدولة، تستقم لك الأمور!

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom