Al-Quds Al-Arabi

حرب اغتيالات إيرانية ضد أصدقاء أمريكا في العراق بعد لبنان

- *كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

يوما بعد يوم تتكشف محدودية قــدرات حكومة مصطفــى الكاظمي وتيــاره، فــي مواجهــة دولــة الميليشــي­ات الشــيعية العميقــة، المرتكــزة علــى الأحــزاب والقوى الشــيعية التقليديــ­ة وزعمائهــا، وأبرزهــم المالكــي والعامــري والخزعلي، والمرتبطة أيضا بتحالف عضوي مع إيران.

آخر التسريبات التي نشرت عن الضغوط التي تعرض لهــا الكاظمي، إبــان اعتقاله لعناصر حــزب الله، ذكرها النائب الســابق والقيادي الســابق في الحشد الشعبي مشــعان الجبوري، المعروف بعلاقاتــه الوطيدة مع أبو مهدي المهندس وقادة الحشــد، إذ أكــد الجبوري في لقاء تلفزيونــي، ما كنا قد أشــرنا له ســابقا، مــن أن حكومة الكاظمي ضعيفة، ولا تســتطيع الخــروج على الخطوط العريضة، التــي وضعها مــن اختارها من قــادة القوى الشيعية التقليدية، وأن «عملية الدورة» لاعتقال عناصر حزب اللــه، كانت مجرد «شــو إعلامــي» لتلميع صورة الكاظمي أمــام الدوائر الغربية، وبعــد أن توقع الكاظمي الاســتفرا­د بـ»حزب الله» العراقــي، فوجئ بتضامن كل فصائل الحشــد مع عناصر حزب الله، واقتحامهم المنطقة الخضراء، ليطلــب الكاظمي من مســؤول حماية المنطقة الخضراء إخراج عناصر الحشــد مــن المنطقة الخضراء، ومــن مقر قديم فيــه لمكافحــة الإرهاب، ولكــن الضابط العســكري )الــذي أقالــه الكاظمي لاحقا( رفــض تنفيذ أوامر الكاظمي، ولم يصطدم بـ»قوات أبو فدك» ما اضطر الكاظمــي للاتصال بالمالكي، الذي تدخل لإجراء تســوية تمثلت بإطلاق ســراح المعتقلين من حزب الله، لنشــاهد لاحقا المشــهد المفاجئ لعناصر حزب الله وهم يدوســون صور قائدهم العام، رسميا على الأقل.

الراحل هشام الهاشمي، كان من أشد المتحمسين لهجوم «الدورة» حينها، ورغم أنه اشتهر بتأييده الشديد والمعلن ســابقا للحشد الشــعبي، وبعلاقته الجيدة مع أبو مهدي المهندس، إلا أنه بــات في الفترة الأخيــرة مهتما بانتقاد ومهاجمــة الفصائــل الأكثر قربــا من إيران في الحشــد الشــعبي، ممن يطلق عليهم إعلاميا «الفصائل الولائية» وكان يبلغ أصدقاءه باستمرار، أنه دائم التنسيق والعمل مع الجانب الأمريكــي ضد هذه الفصائــل، وظهرت عدة رسائل له يتحدث فيها صراحة عن تنسيقه المستمر معهم، وحصوله على معلومات من أصدقائه في داخل الحشــد، فهو يقول مثلا في إحدى رسائله المكتوبة عن حشد تلعفر شــمال العراق إن «الا مٔريكيين طلبــوا منه عدم فتح هذا الملف في الوقت الحالي، وا نٔ يولي اهتمامه بالعمل على ا عٕادة النازحين». فيبدو أن سبب اغتياله لم يكن يتعلق فقط بانتقاداته الحادة للحشد وإيران، فالحالة السياسية العراقية أصلا منقســمة لتيارين، أحدهما يرفض الحشد، ويصرح بذلك علنا من خلال أعضاء البرلمان والسياسيين، ولم يتعرضوا للاغتيال، وما حصلنــا عليه من معلومات بعد مقتله، تشــير إلى أن ســبب اغتياله يعود لاتهامات بحقه من قبل قياديين في الحشد، بأنه يتعاون مع الجانب الأمريكي ضد الحشــد، بتسريب معلومات ذات حساسية أمنيــة عالية لهم، ومحاولــة اختراق الحشــد أمنيا، من خلال علاقاته ببعــض القيادات والعناصــر فيه، الذين كان يصفهم بأصدقائــه وثقاته، ولكن ما حصل حســب التسريبات هو أن مصادره في الحشد، هم من أبلغوا عنه قيادة الحشــد، وهكذا فإنه إن صحت هذه الرواية، التي جاءت من مصادر مطلعة للغاية، فإن سياســة الهاشــمي بالتفريق بين حشــد ولائي وحشد آخر موال للمرجعيات الأخــرى، جعلتــه يتعامل بثقــة مفرطة مع قيــادات في الحشد، كانوا في الواقع على علاقة وطيدة أيضا بقيادات مرتبطة بإيران، وشــت به، حسبما يتردد، وبعد مقتل أبو مهدي المهندس، فقد الهاشمي الحماية التي كان يوفرها له المهندس، فرفع الغطاء عنه.

وفي رســالة أخرى مســربة للهاشــمي، تظهــر عينة من المعلومــا­ت التي كانــت تصله من عناصر بالحشــد، يرتبطون بعلاقــة طيبة معه، وهذه المعلومات عن مصادر التمويل أزعجت بلا شك قيادة الحشد، يقول في المحادثة ما نصه «مصادر تمويلهم هي منفذ الشــامجة الحدودي، وســيطرة الصفرة وميناء ا مٔ قصر وسيطرة كاملة على حقــل نفط خانة» وهم المســيطرو­ن حصريــا على ثلاثة معامل لصناعة المخــدرات، نوع كريســتال في البصرة/ التنومة، ولديهم مزارع واسعة في اللطيفية والزعفراني­ة لزراعة الحشيشة «القنب الهندي » ولديهم مصرف وشركة تحويل مالي لغسيل الا مٔوال، مسجلة باسم الدكتور علي المو مٔن، القيادي في حزب الدعوة جناح المالكي، ولديهم مركز إعلامي ومعهد أبحاث بالشــراكة مــع مركز البيان التابع لجناح المالكي، ولديهم شراكة مع فرحان الياسري المليونير العراقي المسيطر على الا عٔمال الفندقية، ولديهم سيطرة على سوق النهران للســاح بالشراكة مع ياسين مجيد، ســكرتير المالكــي، وأيضا لديهم مــول «الواحة» ومول «زيونة» و»مــول النخيل» بالشــراكة مع الدكتور خليل مخيــف الربيعي» وكل ما ورد من أســماء هو على ذمة الهاشــمي، ولم يتســن بعد التحقق وأخذ ردود من الشخصيات الواردة أسماؤها.

هي حــرب إذن بــن تيار شــيعي عراقــي مقرب من واشــنطن، كحليف مفضــل على طهران، يمثــل الكاظمي أحد وجوهه، والهاشــمي أحد أنصاره، وتيار شيعي اخر يرتبــط بطهران أكثر، يمثــل الدولة العميقــة والأحزاب الشــيعية التقليديــ­ة، ويهيمــن على الحشــد ومفاصل الأجهزة الأمنية. ومن الواضح أن اغتيال الهاشمي تضمن أيضا رســالة للكاظمي، وكما يقول بعض المقربين من قادة الحشــد، إنهم أرادوا إظهار أن «الأمريكيــ­ن لن ينجحوا بحمايــة أنصارهم في العــراق». لكن اللافــت حقا، هو تقاعس الأمريكيين عن مناصرة أصدقائهم في العراق من هجمات إيران وحلفائها، فقبل اغتيال هشــام الهاشــمي، تعرض نائبا رئيس الجمهوريــ­ة والحكومة بعهد المالكي، طارق الهاشــمي ورافع العيســاوي، للطرد والإبعاد من العراق، رغم أنهما من أبرز أصدقاء واشــنطن في حكومة بغداد ســابقا، مع لائحة اتهامات طويلة بقضايا إرهاب. وقبــل العراق، تعرض لبنان لموجــة تصفيات واغتيالات بدأت عــام 2005 باغتيال الزعيم الســني البــارز رفيق الحريري، تبعها اغتيال العديد من الشــخصيات المعادية للوجود الســوري والنفــوذ الإيراني في لبنــان، ورغم مطالبة الأمريكيين والفرنســي­ين والســعودي­ين بالتدخل لحمايــة حلفائهم في لبنــان من الغــزو الإيراني، ورغم تشكيل محكمة دولية بخصوص اغتيال الحريري، واتهام اعضاء من حزب الله بالجريمة، لم يحدث شــيء ذو قيمة فعلية لتغيير المســار الإيراني في لبنان، بل على العكس ازداد نفــوذ حزب الله واعتذر جنبلاط لدمشــق واعتذر ســعد الحريري لقاتل والــده وصافحه في دمشــق! قد يتكرر هذا المســار في العراق، وستواصل إيران وحلفائها تعميق نفوذها في بغداد، ما دام خصوم إيران في العراق كما لبنان، لم يتقنوا للآن إدارة النزاع ولغة الحرب للجم جموح طهران.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom