Al-Quds Al-Arabi

أهمية سحب التوقيع على اتفاق المبادئ الخاص بسد النهضة!

- ٭ كاتب من مصر

■ فــي تعليق على رســالة وصلتني من عالم وأســتاذ جامعــي؛ صاحب باع طويل في العمل الوطني؛ شــارك في تأسيس «مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات» عام 2003؛ المعروفة باســم «حركة 09 مارس»، ومن مؤسســي الحركة المصرية مــن أجل التغيير «كفاية»، ودورها معروف في الحــراك الوطني، وتحريره من الخــوف، وأول من أخذ بيد المجموعة الُمؤسِّســة لحركة «تمــرد»، ووقف معها حتى اشتد عودها، وتركها لمؤسسيها الشــباب، وأول من نصب خيمة وحيــدة في الميدان، وعندما ســألته؛ هــل يكفي أن تكون وحدك؟ أجاب مبتســما؛ إنها محاولة لـ «خلق حالة ،» واندلعت «ثــورة يناير »، فصارت الخيمة مخيمات، وتحول الفرد إلى موجات بشــرية هادرة لا تحدهــا عين، وجاءت زحفا من كل فج عميق، وهذه الرســالة تســتمد قيمتها من كاتبها، الذي يعي معنى التاريخ، ويستشــرف المســتقبل، ويمشي في ركابه.

حملت الرسالة سؤالا موجه إليَّ تحديدا، ووُصف بسؤال شــخصي، واســتدرك؛ «وهو في نفس الوقت عــام، وإن كان حبيس الصدور»، وأشــار إلــى محاولته الإجابة، ولم يســتطع، وأرجع ذلك لنقص في البعد التاريخي والخبرة، وتصورهما عنصرين توفرا لدي، ولن أناقش مدى ســامة أو خطأ حكمه، فالأهم هو ما تحويه الرســالة، وجاء وصِف الســؤال الوارد فيها «بالمــر والمخيف، ويقــول: لأول مرة استشــعر الخوف في طرح شيء، وإن كان سؤلا»، وخوفي ليس جبنا، وإنمــا خوف من قضاء اللــه؛ «كمن له مريض يحتضر وهو يعلم أن موته قد حان، ويخشى مواجهة نفسه بهذا المصير .»

والســؤال هو؛ ماذا لو تعنتت إثيوبيا وملأت خزان سد النهضة هذا العام؟ كيف تتصرف الحكومة، وكيف يتصرف الشعب؟، ويعرف أن الإجابة طويلة وتحتاج لجهد وخلفية تاريخية، وتَعَرُّض لوضع آنِي واستشراف مستقبل لا يعلمه إلا الله.. واسترسل: «الإجابة أنت أهل لها وهي فرض عين؛ قد لا تكون إجابــة قاطعة، لكن مجرد مناقشــة الوضع في ضوء مستجداته، وعرض المعطيات وطرح البدائل، وكيفية الإدارة؛ أراه مهمــة وواجبة؛ كبصيص ضوء في نفق مظلم؛ يعطي الأمل في الخروج من النفق للفضاء، وإنا لمنظرون»؛

ذلك لب الرســالة وضعتــه بنصه كي لا أحيــد عن الطريق المرسوم فيها.

والحوار حول الرسالة يفتح أبوابا يتحسس منها غالبية أصحاب الــرأي وحملة القلــم؛ تجنبا لتبعــات، قد تكون فــوق طاقة التحمل، ومــن المهم أن يكون حوارا مســتوفٍيا لشــروطه، فالمتاح هو «مونولوج» مــن طرف واحد، ولأبدأ هذا «المونولــو­ج» بســؤال؛ إذا ما اتفقنا نكــون قد دخلنا الباب الصحيح؛ المتعلق بصناع أزمة ســد النهضة؟، وأراح المعنيون أنفســهم بإلصاق المســؤولي­ة على ثــورة يناير 2011، وذلك هروب واضح من أغلب من يشيعون هذا، وهم يعلمون من المسؤول، وثورة يناير بريئة «براءة الذئب من دم ابن يعقــوب»، والثورة المــوءودة انطلقت وهي تحمل على عاتقها وطأة خطرين يتربصــان بها وبالبلاد؛ أولهما: الخطر الصهيوني، واختراقاتـ­ـه لقطاعات المال والاقتصاد والسياســة والأعمــال، ورأس حربته ســفارة تــل أبيب على الضفة الغربيــة للنيل؛ بما يحمــل موقعها من دلالات «توراتية»، وتوجه الثوار صوبها وتمكنوا من طرد طواقمها وإغلاقهــا، ولو قُيِّــض لحكم وطني أن يتولــى زمام الحكم لكانت فرصتــه التاريخية مواتيــة، ولأزاح ذلك الكابوس مــن على الصــدور، ولــكان نموذجا يحتذى فــي مواجهة الاختراقات الصهيونية، ولم تكن الأحوال قد وصلت إلى ما وصلت إليه.

والخطــر الثانــي هو مــا يتهدد مــوارد مصــر المائية، وانكشــاف مخططات أعالي النيــل، وتَعَرُّض حوض النيل الأزرق للمصادرة مــن طرف إثيوبيا، وهــو الرافد المغذي للمجرى الرئيســي فــي دولتي المصب؛ الســودان ومصر، بمــوارد مائية تصــل إلــى 85٪، ونهر النيل نهــر دولي؛ تحكمه اتفاقيات ومعاهــدات دولية تحدد أنصبة وحصص الدول المتشاطئة، وآخرها اتفاقية 1959، مع بدء بناء السد العالي، وتنبهت ثورة يناير مبكرا لذلك الخطر وشكلت وفدا شعبيا؛ ســافر إلى أديس أبابا، ونقل رسالة إلى المسؤولين الإثيوبيين عن الروح التي يجب أن تســود بين دول حوض النيل، وكانت جهودا جادة فأضحت محل تندر وسخرية.

والجهود الصهيونية والإثيوبيـ­ـة؛ المعلنة وغير المعلنة؛ افتعلــت الأزمة، وحين البحث عن الجهــود المصرية نجدها

منقســمة؛ إلى شــق وطني ملاحق ومحاصــر؛ عبرت عنه جماهير ثورة يناير الموءودة، وشــق رسمي من قلة متمكنة ومهيمنة من الثورة المضادة؛ أحيت تراثا باليا ســابقا على عام 2011، واســتمرت بالحبال مُقَطَّعة بالقارة الســمراء، وأضعفــت المجتمع بـ«شــيطنة» الثورة وملاحقــة الثوار، وغطت علــى الأدوار المخفية مع مــا كان يُعــرف بـ«اللهو الخفي»، واختارت داعميها ومؤيديها من بين الصهاينة الجد من عرب وعجم،، ونهج التفــاوض من أجل التفاوض لزوم المراوغة والتسويف وهو أسلوب معروف في الدبلوماسي­ة الغربيــة الاســتعما­رية والدبلوماس­ــية الصهيونيــ­ة الاســتيطا­نية، وتنتهي دائما بالتنازل تلو التنازل، وإنكار الحقوق الثابتة، والتغطية عليها باختزال أزمة سد النهضة على سبيل المثال في الخلاف على عدد سنوات تعبئة خزان السد بين ثلاث أو سبع سنوات!!.

وعام 2015 الذي شهد توقيع «اتفاق المبادئ» في مارس؛ هو نفس عام عودة الســفارة الصهيونية إلى القاهرة، وفي نفــس تاريخ إغلاقهــا، ‪2015(، 09/ )09/‬ وبعــد مرور أربع ســنوات على ذلك الإغــاق، ومن المؤكــد إن اتفاق المبادئ كان وما زال ورطة أقرت بالأحقية المطلقة وغير المشــروعة لإثيوبيا في مصادرة مياه النيل الأزرق؛ دون مراعاة حقوق الســودان ومصر، وهو رافد رئيســي لنهر النيل، واتخذت إثيوبيا مــن اتفــاق المبادئ تكئــة في تجــاوز المعاهدات والاتفاقيـ­ـات الدولية؛ ذات العلاقة بالنيــل وروافده كنهر دولي. واللافــت في صحيفــة «الوفد» المصريــة عدد 07/ 07/ 2020؛ أنهــا ألقت بقنبلة عن المجهود الرســمي المصري في صناعة «أزمة ســد النهضة» بحذر، وبــدت قنبلة كاتمة للصوت، جاءت في نص لم يراجــع؛ ملئ بالأخطاء تركناه كما هو للمعلومات التي ذكرها المحرر رزق الطرابيشــ­ي عن مبرر التوقيع على الاتفاق، والســماح لإثيوبيا ببناء ســد النهضة ونصه كالتالي: «إن مصر تنتهج سياســة الأشقاء وسياســة الحضن الإفريقي الدافئ، بــدون الإضرار بأحد، وتطرق )السيســي( بكل ثقة في بداية المشــكلة إلى إنشاء السد بهدف تنمية إثيوبيا بدون الإضرار بمصر، وذلك يعنى أن نوايــاه كانت ســليمة، بدون الحجر علــى حقوق دولة افريقية مهما كان اسمها، ولكن إذا فهمت إثيوبيا تلك الموافقة المبدئية باعتبارها استســاما لأمر واقع، فهي خاطئة، وعليها تحمــل النتائج لمــا تحمله من نوايا قد تســبب لهم الكثير من المشــاكل.. وللعلم مصر تعلم جيداً نوايــا الدول التي تقف خلف بناء الســد وتســانده بكل قوة، خاصة )إسرائيل(، وتعلــم جيداً أيضاً نوايا الدول التي مولت الســد الإثيوبي وأغراضها، ومصر قادرة على تحطيم هذا الحلم الصهيوني بالمفاوضات)!!( واتخاذ المسالك الشرعية في مجلس الأمن وغيره)!!(، حتى تستنفد جميع القنوات الدولية الشرعية، ولا يلومُن بعد ذلك إلا أنفســهم لأنهم اســتمدوا قوتهم من الدول المساندة خلف الســتار)!!(. ولا يعلمون أن الصقور المصرية ترصد كل صغيرة وكبيرة فــي هذا الملف، الذي لن يعــوق الرئيس عن الســير قدماً في تنمية مصــر وافتتاح المشــروعا­ت الواحد تلو الآخر»، وأرجو من القارئ المعذرة لكثرة علامات التعجب بين الأقواس لضرورتها كمصدر يقر بالورطة فــي صحيفة؛ أقرب إلى الموالاة منها إلى المعارضة. وأثبتــت أن الرئاســة بتوقيعهــا أكملــت الضلــع الثالث )الناقص( في مثلث صناعة أزمة سد النهضة.

وإلى الجزء الأخير من الحوار عــن المعطيات والبدائل، وكيفيــة الإدارة؛ يمكن القول هل يمكن تناول ذلك مع وجود ورطة بهــذا الحجم، ولن نتطرق لكل ذلــك قبل البحث عن مخرج يخفف من عبئها، والمخــرج نراه على النحو التالي: 1( الاعتــراف بالورطة. 2( إلغاء الوثيقــة )اتفاق المبادئ( واعتبارها هي والعدم ســواء. 3( إسقاط مشروعية البيان كوثيقة معتمدة وســحب التوقيع الرئاسي منها، ويا حبذا لو ســحب الســودان توقيعه. 4( الاعتذار عن هذه الورطة التي وقع فيها الشعب والدولة. 5( إخطار الاتحاد الأفريقي والأمم المتحــدة بمذكرة شــارحة لكل الملابســا­ت، ويعدها فريق متمكن من علماء السياســة وفقهاء القانون وخبراء العلاقات الدوليــة. وهل من الممكن اتخاذ هذه الإجراءات؟، والرد أن ذلــك مرهون بالتحلــي بفضيلــة الانتصار على النفس، ومعها يصبح هذا ممكن!

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom