Al-Quds Al-Arabi

تيغران يغافيان في: «أقليات الشرق المنسية تاريخياً»: أكراد سوريا والعراق يضغطون على الأقليات كثمن لحمايتهم

- سمير ناصيف

هل هناك مشروع يتم تنفيذه حالياً لاقــتــاع الأقــلــي­ــات )المـسـيـحـ­يـة وغير المسيحية( من العالم العربي والشرق الأوسط؟

وإذا تواجد فعلياً مثل هذا المشروع، الـــذي ربمــا تنفذه دول أستعمارية أو أقليمية تسعى إلى الهيمنة على المنطقة )أو الجهتان معاً( فماذا على هذه الأقليات أن تفعله لمواجهة هذا المخطط وإفشاله؟

هذا ما تطرّقَ إليه كتاب صـدَرَ مؤخراً بالفرنسية بعنوان أقليات الشرق الأوسط المنسية تاريخياً لمؤلفه تيغران يغافيان، خريج أحد أعرق معاهد فرنسا لدراسات الــشــرق الأوســـط وهــو «معهد العلوم السياسية».

والكاتب يعمل حالياً كصحافي وباحث وينشر دراسـاتـه وأبحاثه في عــددٍ من المجــات المرموقة في فرنسا ويحاضر في بعض جامعات جنوب فرنسا حول موضوع الكتاب ومواضيع أخرى متعلقة بالمنطقة.

في رأي الكاتب، أحدى أهم المجموعات التي تمثل الأقليات في العالم العربي والشرق الأوسـط هي الأقباط في مصر وتليها مجموعتا السريان والآشوريين في العراق وسوريا ثم الموارنة في لبنان.

ويقول عن الأقلية القبطية المصرية في الفصل الرابع من كتابه أنها كانت على علاقة جيدة بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، خصوصاً أن رئيس تلك الطائفة الروحي البابا سيريل )من 1959 إلى 1971( كان صديقاً للرئيس عبد الناصر وأنهما نسقا الأمــور المتعلقة بالتعامل القبطي مع الأكثرية السنيّة المسلمة في مصر لتحقيق الأوضـــاع الطبيعية مع الأقباط المسيحيين الإرثـوذكـ­س بنجاح، وقد نفذا مبتغاهما طوال تلك الفترة.

بيد أن القائد الروحي للطائفة القبطية المصرية، بعد البطريرك سيريل، وهو البابا شنودة )من 1971 إلى 2012( لم يكن على وفاق كبير مع الرئيس المصري أنور السادات الذي خلفَ عبد الناصر، وظل شنودة متحفظاً إزاء أداء الرئيس حسني مبارك الذي قاد مصر بعد اغتيال الرئيس السادات عام 1981.

وبعد 2013 استمر الأقباط المصريون بالتعرض لاعـتـداءا­ت من جانب جهات ترفض استقلاليته­م مذهبياً وحضارياً وثقافياً إلى أن خُففت القيود ضدهم من أواخـر آب )أغسطس( عام 2016 وسُمح لهم بإعادة بناء أضرحتهم الدينية في ظل القيادة الروحية لبطريركهم الحالي تواضروس في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي. وتواجدت )وتتواجد حالياً( عـداوة )حسب المؤلف( بين أقباط مصر و«جماعة الإخـــوان المسلمين» في البلد الذين يتهمونهم بأنهم نشطوا لإطاحة الرئيس المصري )الراحل( المنتخب محمد مرسي في عام 2013 الذي كان عضواً فعالاً في تلك الجماعة. أما الأقباط فيتذرعون بـأن اعـتـداءات كثيرة تمت ضد أتباعهم وكنائسهم ومنشآتهم في الفترة التي تولى خلالها مرسي الرئاسة.

وفي المقابل، شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في قــداس في أحــدى كنائس الأقباط في كانون الثاني )يناير( 2019 لأعادة إفتتاحها بعد تفجير سابق ضد تلك الكنيسة )ص 44.)

ولكن، حتى الساعة، يقول الكاتب، لم يستطع أقباط مصر إعـادة الأوضـاع في مناطقهم إلى طبيعتها مع الأكثرية المسلمة بشكل كامل لكون الرئيس السيسي تعاون ويتعاون مع دول خليجية عربية متشددة دينياً ضـد الأقـلـيـا­ت كالمملكة العربية السعودية وبعض حلفائها من الذين لا يتعاملون بفعالية مع منظمات جهادية «متطرفة إسلامياً» في المنطقة لا تحبذ استقلالية الأقليات عموماً.

ويعتبر الكاتب )في الفصل السادس( أن الأقليات المسيحية وغير المسيحية في الشرق الأوسط قلقت )في البداية( إزاء انتفاضات «الربيع العربي» في الـدول العربية المختلفة ومن أن نجاح مثل هذه الانتفاضات )التي كان بعضها مدعوماً من دول غربية وخليجية( كان سيؤدي إلى تخلي الدول الغربية عن حماية هذه الأقليات. ولكن، قيادات الـدول الغربية لــم تقتنع بــأن سـقـوط بعض الأنظمة الديكتاتور­ية القومية في المنطقة ستنتج عنه أنظمة متشددة دينياً ضد الأقليات، وبـأن الأقليات المسيحية )والأخــرى في الشرق الأوســط( ستضطر إلـى الهجرة إلى أوروبـا وأمريكا والخـارج )ص 90.) وبين هذه الـدول )حسب الكاتب( كانت فرنسا التي كانت تعهدت في الماضي بحماية الأقليات المسيحية وغير المسيحية في المنطقة. ويعتبر المؤلف هذا الموقف الفرنسي )شـأنـه شــأن مـواقـف بعض الدول الأوروبية الأخرى وأمريكا( شكّل ويشكل تـواطـئـاً ضــد الأقـلـيـا­ت سببه أولــويــة مصالح تلك الـــدول التجارية والاقتصادي­ة على حساب التزاماتها الإنسانية. وبالتالي، فأن تغاضيها عن الأدوار السلبية للسعودية والإمـــار­ات وحلفائهما في دول كسوريا والعراق ولبنان يندرج في هذا السياق )ص 92.) كما يــرى أن فرنسا )بـقـيـادة فرنسوا اولاند خصوصاً( تخاذلت عن القيام بدور فاعل لمواجهة الهجوم القاسي لـ«تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش( ضد الأقليات المسيحية وغير المسيحية لـدى غزوها للموصل في صيف عام 2014 وذلك رغم تحـذيـرات سياسيين فرنسيين بارزين كفرنسوا فيون وآلان جوبيه إزاء خطورة هذه الممارسات )ص 92.)

ويـتـنـاول الكاتب نشاطات لوبيات نظمتها مجموعات من الأقليات المسيحية وغير المسيحية من الشرق الأوسط مقيمة في الولايات المتحدة وأوروبا مشيراً إلى أنها في بعض الأحيان تفاعلت مع لوبيات هناك تخاصم القضايا العربية والإسلامية وتركّز على العداء لإيران.

ويــنــتــ­قــد المـــؤلــ­ـف قــطــع عـاقـاتـهـ­ا الدبلوماسي­ة مع سوريا في وقت تضررت بسببه جميع المجموعات السورية من هذا القطع. بما في ذلك المجموعات المعارضة )ص 95(. وهــذا الأمــر ساهم )فـي رأي الكاتب( في إفشال الـدور الفرنسي في التوسط للحوار بين المجموعات السورية المختلفة. ويرى أن هذا القرار ربما شكّل تراجعاً لفرنسا وتخاذلاً عن دورهـا في حماية الأقـلـيـا­ت فـي سـوريـا والـشـرق الأوسط.

وبالنسبة للدور التركي في سوريا إزاء الأقليات الدينية والأثنية، بما في ذلك مواقف أنقرة إزاء المسيحيين السريان والآشوريين والأكــراد واليزيديين، يقدم الكاتب نظرية متوازية نسبياً بالمقارنة مع نظريات كتّاب آخرين.

فمع أنــه يشجب تـخـاذل الاستعمار الفرنسي والبريطاني في دعم الأقليات الإثـنـيـة المسيحية ضــد تركيا بقيادة مصطفى كـمـال أتــاتــور­ك بعد الحــرب العالمية الأولى، فإنه في الوقت عينه يشير إلى أن الأقليات المسيحية )وخصوصاً السريانية( التي لجأت إلى حماية الأحزاب الكردية في شمال سوريا وفـي شمال العراق، استُخدمت بشكل غير إنساني وغير مقبول من جانب القيادات الكردية وتم التنكيل بقياداتها برغم أن الأكـراد قدموا لها حماية من اعتداءات مجموعات «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعــش( في البداية. أي أنها عانت أسوأ الأمرّين من قبل المجموعات الكردية المدعومة من الولايات المـتـحـدة الأمـريـكـ­يـة لتنفيذ مصالحها الاقتصادية في تلك المناطق. فلا أمريكا ولا الأكراد قاموا بكل ما يجب فعله لحماية الأقليات المسيحية وغير المسيحية في تلك المناطق بشكل كامل بل كانوا حريصين على حماية مصالحهم بشكل رئيسي. وبالتالي، فاتهام تركيا )سابقاً وحالياً( بأنها تنكّل بالأكراد )الحماة المفترضين للأقليات المسيحية وغير المسيحية( قد يكون في غير محله من دون التطرق إلى الخلفيات السياسية للموضوع.

ويتناول الكاتب بنقد لاذع التواطؤ الــذي مارسته فرنسا وبريطانيا بعد الحـرب العالمية الأولــى، وخصوصاً في مجال تعديل اتفاقات وقعتها الدولتان بالنسبة إلى الأرمن والآشوريين وتراجعتا عنها على شاكلة التعهد بإنشاء كيانات مستقلة للآشوريين والأكـــرا­د والأرمــن الذين تعاونوا معهما، وتبين لاحقاً أن هـذه الاتفاقيات كانت حبراً على ورق ونــفــذّت الـدولـتـا­ن الاستعماري­تان ما يناسبهما منها على حساب هذه الأقليات وتركت تلك المجموعات لتواجه المذابح والتهجير والتنكيل من قبل السلطات التي تواطئت الدول الاستعماري­ة معها من أجل مصالحها.

وعندما طالبت قــيــادات الآشـوريـن والأقــلــ­يــات الأخـــرى بحقوقها، نُفيت قياداتها أو تمت تصفيتهم. وما زالوا في هذا الوضع المتردي بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، حسب الكاتب.

في الفصول الأخيرة، يتناول المؤلف تعامل القيادات الكردية في كردستان العراق وفي «شبه الكيان الكردي» المتعامل مع الولايات المتحدة في شمال سوريا مع الأقليات المسيحية وغير المسيحية في هذه المناطق.

ويذكرُ تفاصيل قلما ذُكرت في مراجع وكتب أخرى عن أسماء قيادات في تلك المجـمـوعـ­ات المسيحية وغير المسيحية التي نكّلت القيادات الكردية بها واغتالت بعضها، كما يشمل هذا القسم من الكتاب تعامل «الحزب الديمقراطي الكردستاني» مـع هــذه المجـمـوعـ­ات )الـتـي لجــأت إلى كردستان العراق( خلال استفتاء عام 2017 للخروج من سلطة الدولة العراقية وإنشاء كيان كـردي مستقل، ويصف الضغوط القاسية التي مورست عليها للتصويت إلى جانب الاستقلال عن العراق. كما تشمل الفصول الأخيرة تعامل القيادات الكردية التسلطي القمعي مع مجموعات الأقليات التي لم تكن تحبذ تحويل المناطق العراقية في كركوك والموصل وجوارهما إلى النفوذ الكردي على حساب نفوذ السلطة المركزية العراقية العربية.

ومثل هذه الضغوط مارسها الأكـراد عبر «الحـزب الديمقراطي الكردستاني» )حسب المؤلف( على التركمان والشاباك والعرب السنّة بالإضافة إلى المسيحيين. وأدت إلى اغتيال بعض قادة هؤلاء )ص 169(. كما عانت قيادات أقليات مسيحية وغير مسيحية في شمال شرق سوريا من ضغوط مورست عليهم )حسب الكاتب( من أحـزاب كردية من أجل فرض برامج سياسية ولغوية وتعليمية كردية التوجه عليهم على حساب هوياتهم الحضارية المختلفة وبينها العربية والسريانية.

ويصف هؤلاء تعامل الأحزاب الكردية معهم في تلك المناطق بازدواجية المعايير، وهـذا الأمـر أدى إلى المزيد من هجرتهم الداخلية والخارجية إلى مناطق أخرى. كما حاولت جهات كردية )حسب المؤلف( التعدي على مناطق واقعة تحت السلطة المـركـزيـ­ة الـسـوريـة واخـتـراقـ­هـا بحجة الدفاع عن سكانها من هجمات «تنظيم الدولة الإسلامية» (ص 172(. وأصدرت منظمة «أمنستي أنـتـرنـاش­ـونـال» عام 2015 تقريراً يندد باعتداءات المجموعات الكردية على الأقليات في تلك المناطق )ص 176(. وبالتالي يعتبر الكاتب أن الأقليات المسيحية وغير المسيحية في تلك المناطق تخلصت من اعــتــداء­ات «تنظيم الدولة الإسلامية» عليها لتقع فريسة لاعتداءات الميليشيات الكردية وتجاوزاتها ضدها في كثير من الأحيان.

والحــل )فـي رأي الكاتب( الاعتراف بالتنوع الحضاري في الشرق الأوسط وبمــســاو­اة جميع المجموعات والفئات إستناداً إلى تعديل الشرائع والممارسات لتحقيق وتطبيق المواطنة الفعلية للجميع.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom