شعر المرأة: ذلك البوح الجميل الحبيس الذي قيدته التقاليد
لمن تكتب وكيف تكتب؟ وهل أنقذها الرمز وبرقع الأسماء المستعارة؟
لا يمكن لأدب المـرأة سـواء كان منثورا أو شعرا إلا أن يكون جميلا: ذلك أن عاطفتها ورقتها ودفء مشاعرها تفرضان أن يكون بوحها كذلك، وبخاصة إذا كـان بوحها بركان حب قيدته التقاليد طويلا ليفجره الكبت قوافي منثورة في عقود فريدة.
ليس لدى الشاعرات المتحررات اللائي تخلصن من قيود وكهنوت المجتمع أية مشكلة؛ فبوحهن منشور ودواويـنـهـن متداولة معروضة، لكن الشاعرات المحافظات أو «المسلمات» كما يقول البعض، يعانين ويعانين؛ فهن مقيدات بأسورة التقاليد، وجبروت الــديــن، وغالبا مـا لجــأن للأسماء المستعارة أو تبرقعن خلف أساليب الرمز الموغلة في الكنايات والاستعارات.
وقد اضطرت أديبات شهيرات لإخفاء اسمائهن الحقيقية فكتبن بألقاب مستعارة؛ واضطرت الأديبة عائشة عبد الرحمن لتوقيع كتاباتها باسم «بنت الشاطئ» الذي صار علما عليها فيما بعد.
وميز أدباء نقاد بين أدب المرأة المسلمة وأدب المرأة المسلمة غير الملتزمة.
تقول الباحثة الموريتانية الشاعرة باته بنت البراء «دخلت المرأة حقل الأدب مسلحة برسالة الكتابة، فهي لا ترى الكتابة لهوا ولا عبثا، بل ترى الحرف احترافا والكلمة محرابا قدسيا، وقد عبرت المرأة الأديبة عن ذلك نثرا وشعرا».
وتضيف في مقدمة ديوانها «أحلام أميرة الفقراء» وهو ديوان شعري جميل «هناك سؤالان جوهريان لا بد من طرحهما عند كل فعل كتابي جـاد لماذا أكتب؟ وكيف أكتب؟» وتضيف «إنهما السؤالان الـلـذان يمسان كينونة الكتابة إذ الـسـؤال الأول متعلق بالرسالة وبالغاية والهدف، والسؤال الثاني متعلق بالكيف أي بالبناء الفني؛ فكأن هناك تلازما بين الأمرين، ولا يغني أحدهما عن الآخـر: فشرف الملتزمة الغاية لا يشفع للأدب إن كان ضعيف الفن، واهن القوى، والجمال الظاهري لا يغني شيئا إذا انعدمت الرسالة».
وزادت «فانعدام الرسالة ينقل القول من دائرة الجمال إلى دائرة الزخرف بالتعبير القرآني، وآنذاك يصبح القول باطلا مهما تفنن الصانع في تنميقه وزخرفته».
وأضافت «مزاولتي للكتابة حب وجنون، فليكن القارئ وسطا بين الاثنين». حلم بنت البراء أن يتحول الكون إلى قصيدة: حلمي الأكبر أني : أعبر البحر وحيده حلمي الأكبر أني: أنظم الكون قصيده فإذا ما حان يومي: مت في الحرف شهيده يسيطر على الساحة الثقافية في موريتانيا نوعان من الأدب النسائي: الأول ينتمي إلى الشعر الفصيح، والثاني يسمى بالغناء، وهو يعادل الأزجال، التي تتسع لكل الأغــراض الشعرية، التي ميزت الشعر العربي على مر العصور من مدح وغزل ورثاء وحماس.
ولـــــم يـــكـــن المجــتــمــع الموريتاني يسمح للمرأة إلا بــدراســة الــقــرآن والفقه، فظل الشعر حـكـراً على الرجال ومـــحـــظـــوراً على النساء لفترة طويلة من الـوقـت، والنوع الــــوحــــيــــد الــــذي سـمـح بــه المجتمع الموريتاني للمرأة هو ما يسمى )التبراع( وهو فن جميل نشأ في البيئة الموريتانية المسلمة المحافظة، حيث لم يكن مسموحاً للمرأة بالتعبير عن شجونها أو ملاقاة الرجال والحديث إليهم، فأصبح لدى النساء قول جميل، فضاؤه مختصر، لكن النص مكتنز ومكثف في ثلاث كلمات فقط، تمثل قصيدة غزلية كاملة، وعادة ما تكون الشاعرة مبهمة، لا تصرح، حتى لا يشار إليها. وتقول بنت البراء «أنا شخصياً أعتقد أن تصريح المـــرأة بحب الــرجــل، يجافي أخـاقـيـات المجتمع الإسلامي، لأنني أطلعت على بعض الروايات، التي تكتبها بعض مبدعات عربيات، وكانت الكارثة أني وجدت ألفاظاً يندى لها الجبين، وهذا يتنافى مع العرف الاجتماعي والأخلاقيات العامة، فنحن لدينا أخلاقيات نقية، تميزنا ونريد أن تكون لدينا ثوابت نلتزم بها، وهذه الأنماط الشعبية التي تمارسها المرأة الموريتانية، تعوض الكثير من هذا البوح، لأنه بوح جميل وراق، فيه تلميح لا تصريح.» وعـن اختلاف صـورة المــرأة قديماً عن صورتها اليوم في الأدب، تقول الشاعرة اباته البراء «الشاعر الجاهلي كرس صـورة نمطية كاريكاتورية للمرأة، فهي مثل غصن الــبــان، وعيونها تشبه عيون المها، فهو يركز على الوصف الخــارجــي، أمــا المـــرأة في أدب اليوم فقد غابت عنها مــامــحــهــا الجــســديــة، وأصبح التركيز منصبا على أشيائها الخاصة، كــمــا أن الـتـلـصـص على كتابات المـــرأة، يــــفــــرض عــلــيــهــا نـوعـاً مـن الرقابة الاجتماعية .»
بنت الشاطئ