Al-Quds Al-Arabi

سنجار العراقية مدينة الجرح الإيزيدي

- صادق الطائي

سنجار، «شه نكار أو شنكال» كما يلفظها الـكـرد، اسـم منطقة وجبل ومدينة، تقع فـي أقصى غرب محافظة نينوى على الحدود السورية العراقية، وهــي مركز قضاء تابع إداريا لمحافظة نينوى، إلا إن هـنـاك نـزاعـا بـن حكومة بغداد الاتحادية وحكومة إقليم كردستان على تبعية هذا القضاء. قضاء سنجار كـان يسكنه قبل ان تتعرض مدنه وقــراه للكارثة الأخيرة المتمثلة بهجوم عصابات تنظيم «الدولة» الإسلامية «داعش» حوالي 90 ألف نسمة.

ومثلما تمثل مدينة سنجار بيئة اختلط فيها الجبل والسهل والــصــحـ­ـراء، كــذلــك كـــان حـال سكانها، فهم عرقيا قوميات مختلطة من عرب وكرد وتركمان، وديــنــيـ­ـا خـلـيـط مـــن إيــزيــدي­ــن ومـسـيـحـي­ـن ومــســلــ­مــن سنة وشيعة. أغلب سكان القضاء من أبناء الديانية الإيزيدية، إذ تمثل سنجار ثاني أكبر مدنهم بعد مدينة شيخان.

تــبــعــد ســنــجــا­ر عـــن مـديـنـة المـوصـل مـركـز محافظة نينوى 120 كم غربا، يحدها من الجنوب والجنوب الغربي قضاء البعاج،

ومـــن الــشــرق قــضــاء الحـضـر، ومـن الشرق والشمال الشرقي قضاء تلعفر. وهـي تتبع إداريــا ناحيتي الـشـمـال والــقــيـ­ـروان، ومن أهم قراها: سنوني وتعتبر مركز ناحية الشمال، تل بنات )مجمع الوليد سابقا( وتل قصب، ودهولا )القادسية سابقا( وبورك )اليرموك سابقا( بالإضافة إلى العديد مـن الـقـرى الأخـــرى مثل كــوجــو والحــاتمـ­ـيــة ورمـبـوسـي وقريتي كرشبك وحردان. وسكان

جميع هذه القرى من الإيزيديين عدا بعض العوائل المسلمة التي تعيش في كرشبك ودهولا.

ويمتهن أغلب سكان سنجار مهنة زراعة البساتين التي تشتهر بأفضل منتجات الزيتون والأعناب

والفواكه.

تاريخ المدينة

مـديـنـة سـنـجـار مـثـل الكثير مـن مــدن الــعــراق، يمتد تاريخها عميقا إلـــى مــئــات الـسـنـن، إذ تتجدد وتقام المدن الواحدة فوق الاخــرى على مدى القرون وعلى اختلاف الــدول والأقـــوا­م الذين يسكنوها. ولابد من الإشـارة إلى ملاحظة حاذقة يوردها د. حسن شميساني صــاحــب الــدراســ­ة الأكاديمية المهمة عن مدينة سنجار التي صــدرت فـي كتاب بعنوان «مدينة سنجار؛ من الفتح العربي الإسلامي حتى الفتح العثماني» إذ يشير إلى موضوع أسماء المدن فيقول «مـن عــادة القدامى إنهم لا يقرون بجهلهم اسم مدينتهم، أو تفسير هذه التسمية، لذا فقد كانوا يتقدمون بروايات مختلفة، منها؛ أولا أن يلصق هذا التأسيس باسم شخص يحمل الاسم نفسه، وثانيا أن يلصق باسم ملك أو بطل أسطوري يتردد اسم سلالته في أكثر صفحات الكتب القديمة. أما من حيث تفسير اسم المدينة فمن المعروف أن البلداني القديم كان ياخذ اسم المدينة كما هو في وقته ويفسره بموجب لغة أهل العصر».

وضـمـن الـتـاريـخ الأســطــو­ري والمــيــث­ــولــوجــ­يــات الــتــي تحيط بالمدينة، تروى قصة تعود بسبب تسمية المدينة إلى حادثة الطوفان الكبير الذي ورد في الكتب المقدسة للديانات الإبراهيمي­ة الـثـاث، والمعروف بالطوفان الـذي حدث زمــن النبي نــــوح)ع(. إذ تقول الرواية أن سفينة سيدنا نوح )ع( لمـا مــرت بجبل سنجار نطحته، فقال نوح)ع(: هذا سن جار علينا، فسميت سنجار. وقد عرفت مدينة سنجار عند البابليين والآشوريين باسماء قديمة مثل سنكارا أو سنغارا، وكانت يومئذ من أهم مدن آشــور. كما عرفت عند المصريين القدماء باسم سنكار وعند اليونان والــرومــ­ان بلفظ سنكارا، إلا أن الأمبراطور الروماني اورليوس أطلق عليها اسم اورليا وسبتميا عندما جدد بناءها في حدود سنة 199 م.

وهناك بعض الرحالة الغربيين الــذيــن كــانــوا قــد طــافــوا أرض الجـزيـرة الفراتية وكتبوا عنها وأشـــاروا إلـى أن منطقة سنجار هذه قد تكون هي أرض سنعار أو شنعار التي ورد ذكرها في العهد القديم من الكتاب المـقـدس، وإن كلمة سنجار، حسب اعتقادهم، ما هي الا تحريف لهاتين اللفظتين. لكن الحقيقة تدلنا إن ما ذكرته المصادر الأركيولوج­ية تثبت إن

كلمة سنعار أو شنعار كانت قد أطلقت على مناطق جنوب بلاد الرافدين، أي بابل والوركاء وأكد.

أمـــا المـــؤرخـ­ــون الإسـامــي­ــون الذين ذكــروا مدينة سنجار فهم كثر ومنهم؛ الطبري، والدينوري، والبلاذري، والازدي، واليعقوبي، وابن الفرات، والذهبي. كما ذكرها زكريا بن محمد القزويني في كتابه «آثار البلاد وأخبار العباد» فقال في سبب تسميتها؛ «إن جارية للسلطان السلجوقي ملكشاه كان قد ضربها الطلق بأرض سنجار، فولدت السلطان سنجر فسموا المدينة باسمه».

كما ذكرها ياقوت الحموي في كتابه «تاريخ البلدان» بقوله؛ «إنما سميت سنجار باسم بانيها وهم بنو البلندي بن مالك بن دعر بن بويب بن عنقاء بن مدين بن ابراهيم عليه السلام» ثم يضيف؛ «ويقال إن سنجار بن دعـر نزلها». كما قال ياقوت عن المدينة؛ «سنجار مدينة مشهورة من نواحي الجزيرة بينها وبــن المـوصـل ثلاثة أيـام وكانت على عهد الدولة الحمدانية (293هـ - 367هـ( واسعة العمران، كثيرة القرى، فلما أقبل ارطغرل بك السلجوقي على الموصل سنة 449هـــ دك معالمها وهـد بنيانها حتى صيرها خرابا بلقعا. فلما كــانــت أيـــام الـــدولــ­ـة الاتـابـكـ­يـة (566هـ- 617هـ( تراجع عمرانها».

خرائب أثرية

ويكمل سرد تاريخ مدينة سنجار المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني في كتابه «العراق قديما وحديثا» فيذكر، أن المدينة؛ «تراجع عمرانها منذ زمن السلاجقة حتى تحصن فيها الـيـزيـدي­ـون سنة 1808م، فجردت الحكومة العثمانية قوة كبيرة عليهم أرجعتهم إلى حضيرة الطاعة، وهي تحتفظ اليوم بخرائب أثرية مهمة، ومنازل كبيرة تدل على سعتها فيما مضى من الأزمان. كما إن خارجها منارة قديمة تنسب إلى القرن السابع للهجرة وكانت تتوسط جامع المدينة الكبير، وقد زارهــا الرحالة ابـن بطوطة سنة 1326م فقال في وصفها، هي مدينة كبيرة كثيرة الفواكه والأشجار، والعيون المطردة والأنهار، مبنية في سفح جبل، تشبه دمشق في كثرة أنهارها وبساتينها.»

الديانة الإيزيدية

لا يمكننا ان نتعرف على مدينة سنجار من دون أن نعرف، ولو بـعـجـالـة، بـالـديـان­ـة الإيـزيـدي­ـة الـتـي يـديـن أغـلـب سـكـان مدينة سنجار بها. يذكر الاستاذ خيري بوزاني في دراسـة له عن الديانة الإيزيدية، وهو من أبنائها ويعمل مــديــرا لـلـشـؤون الإيــزيــ­ديــة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بحكومة أقـلـيـم كــردســتـ­ـان في العراق إذ يقول؛ «إن تسمية الديانة الإيزيدية بهذا الاسم جاءت نسبة إلى )ايــزدان، وهو الله في الدين الإيزيدي( فهم بذلك الإلهيون الذين يتبعون الله سبحانه وتعالى. وأن الإيزيدية ديانة وحدانية قديمة قائمة بذاتها، تحمل إرث الديانات الشمسية الطبيعية العريقة ومنها الديانة المثرائية في منطقة وادي الـرافـديـ­ن، بمعنى إنها من أقدم الديانات التي انتشرت في منطقة الحــضــار­ات الكبرى فـي منطقة الشرق الأوسط .»

ويــضــيــ­ف خـــيـــري بـــوزانــ­ـي مـوضـحـا؛ «والإيـــزي­ـــديـــة ديـانـة توحيدية وليست ديانة ثنوية، إذ لا وجود لمفهوم الشر الخالص في فلسفتها، حيث للخير والشر منبع واحد، فالله سبحانه وتعالى مـصـدر كـل شـــيء. وإلـــى جانب عـبـادة الإيـزيـدي­ـن لـإلـه الـواحـد فانهم يقدسون الملائكة ورئيسهم )طاووس ملك( ويكنون الاحترام للأنبياء والأولــيـ­ـاء والصالحين وخاصة الشيخ عادي بن مسافر.» ويشير بوزاني إلى إنها؛ «ديانة لا تقر بالواسطة بين الله والبشر، بـل جعلت العلاقة بـن الإنسان وربـــه مــبــاشــ­رة، وبــهــذا يتجلى التصوف والعرفانية بين ثنايا الدين الإيزيدي، كما إن للشمس مكانة ومنزلة خاصة ومميزة حيث تعتبر إحدى أشكال تجليات الله. ويعتقد الإيزيديون بمبدأ التقمص، كما إنهم يؤمنون بالحساب ويوم القيامة، والإيـزيـد­يـة ديـانـة غير تبشيرية، ولايمكن الدخول فيها لغير الإيزيدي، وتحرم على أبنائها القتل والزنا والربا».

الكارثة بالأرقام

حدثت كارثة سنجار في شهر آب/اغــســطــ­س .2014 ويـــورخ الإيزيديون في ذاكرتهم الدامية 72 مجزرة عبر تاريخهم الطويل في العراق. المجـزرة الأخيرة تمت على يد عصابات تنظيم الدولة «داعــــش» الـتـي هاجمت قضاء سنجار والقرى التابعة له، وقاموا بتفجير 18 مــزارا دينيا إيزيديا بعضها يعتبر أثريا، وقتلوا أكثر مـن )2000( شخص أغلبهم من الرجال، أما النساء والأطفال فقد تم استعبادهم ومعاملتهم كرقيق، وتم بيعهم في أســواق النخاسة الموجودة ضمن المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم في العراق وسوريا.

ويذكر الباحث العراقي المختص بحقوق الأقليات د. سعد سلوم في كتاب «الفرمان الأخير» توضيحا للمجزرة الإيزيدية الأخيرة فيقول؛ «شكّل سبي النساء الإيزيديات واغتصابهن من مقاتلي داعش نوعا خاصا من الهجوم، أستخدم كوسيلة للتطهير العرقي لتحقيق أهـــداف تتعدى مـجـرد الاعـتـداء على النساء واستخدامهن كسلعة فــي ســـوق نـخـاسـة فــي الـقـرن الحـــادي والـعـشـري­ـن» ويضيف «كان استخدام النساء في الحرب بهدف الترويع والاذلال الجماعي لأقلية دينية والحط من كرامتها، وأيضا بهدف التأثير على التكوين العرقي لهذه الأقلية، وبذا ينتمي هذا الفعل إلى سلسلة )الفرمانات( التي حاولت استئصال الإيزيدين

وتغيير عقيدتهم والتأثير على تكوينهم العرقي والديني المتميز».

وبقيت مدينة سنجار تحت سيطرة عصابات «داعــش» أكثر من سنة، إذ تمكنت القوات العراقية بمشاركة فصيل مقاتل من أبناء وبنات الإيزيدين، وبإسناد من طيران التحالف الدولي من تحرير المدينة والقرى المحيطة بها، وتم طرد عناصر تنظيم «الدولة» في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 وكانت نتيجة الاحتلال كارثية. فحسب الأرقــــا­م الـتـي أعلنتها الجهات العراقية الرسمية، ما زال 75في المئة من الإيزيدين نازحون، إذ بلغ عدد النازحين حوالي 400 الف إيزيدي، وبلغ عدد المختطفين حـــوالـــ­ي ســتــة آلاف شخص والمفقودين أكثر من ألف، أما عدد القتلى ممن وجــدت رفاتهم فهم أكثر من 1200 شخص.

منحت جـائـزة نـوبـل للسلام للعام 2018 لابنة سنجار، الفتاة العراقية الإيزيدية ناديا مـراد، التي كانت ضمن سبايا تنظيم «الدولة» وقد تعرضت لكافة أنواع التنكيل والاغتصاب والتعذيب الجسدي والنفسي، كما فقدت كل أفراد عائلتها الذين قتلهم مسلحو «داعـش». لكنها استطاعت الفرار مـن مسلحي التنظيم الإرهـابـي والـعـودة إلـى كردستان العراق، لــتــقــو­د حـمـلـة لإيـــصـــ­ال صــوت ضحايا الإيزيديين الذين تعرضوا طوال تاريخهم لسلسلة متصلة من عمليات الإبادة الجماعية. وحققت نـاديـا مــراد نجاحا ملحوظا في العديد من المؤتمرات العالمية، وعبر اللقاء بأغلب قادة دول العالم، كما التقت القيادات الروحية للأديان المختلفة فــي الــعــالـ­ـم، وسلطت الضوء على مأساة الإيزيدين في العراق.

ما زال أغلب أبناء سنجار ممن هـجـروا فـي معسكرات الإيـــواء، يخافون العودة إلى منازلهم بالرغم من جهود الخيرين والشجعان من أبـنـاء المدينة ومــن يدعمهم من العراقيين، إلا إن مدينتهم ما تزال تعاني من نزيف جرحها الذي لم يندمل بعد.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ?? نساء إيزيديات
نساء إيزيديات
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom