Al-Quds Al-Arabi

تونس: شبهات الفساد تؤجج نيران الاحتجاجات

- تونس ـ «القدس العربي»: روعة قاسم

خياران أمام الفخفاخ لا ثالث لهما، إما الاستجابة لمطالب حركة النهضة بتوسيع الحزام السياسي والبرلماني للحكومة أو تقديم استقالته لأنه سيفقد دعم الحزب الأول في المشهد السياسي والائتلاف الحكومي.

أسابيع معدودة ويتم الإعلان عن نتائج التحقيق المتعلق بشبهة تضارب المصالح بالنسبة لرئيس الحــكــوم­ــة الــتــونـ­ـســيــة إلــيــاس الفخفاخ، وهـي نتائج يؤكد جل الخبراء والمحللين على أنها ستكون حاسمة فيما يتعلق بالمستقبل السياسي لصاحب القصبة. ولعل السؤال الذي يطرح في هذا الإطار، هل ستؤيد للهيئة العامة لمصالح الرقابة الإداريـــ­ة مـا ذهبت إليه هيئة مكافحة الفساد من وجود شبهة تضارب مصالح للفخفاخ تتعلق بامتلاكه أسهما في شركات تتعامل تجاريا مع الدولة، وأبرمت معها صـفـقـات وهـــو مــا يمنعه القانون؟ أم أنها ستدحض هذا الإدعاء وستنتصر للفخفاخ الذي يصر على نفي الاتهامات الموجهة له؟

وتقوم الهيئة العامة للمالية التابعة لـــوزارة المالية بـدورهـا بالتحقيق فــي شبهة تـضـارب المصالح المتعلقة بالفخفاخ، وهي هيئة حكومية شأنها شأن الهيئة العامة لمصالح الرقابة الإداريــة. وبالتالي فإن هناك تشكيكا واسعا في مـدى مصداقية وحياد عمل هذه الهيئات الرقابية التي يحقق المنتمون إليها في شبهات فساد تطال رئيسهم غير المباشر في السلم الإداري وذلـك رغـم تأكيد الوزير محمد عبو على أنه لا يوجد أي تدخل في عمل هذه الهيئات.

وتبدو لجنة التحقيق البرلمانية بنظر الـبـعـض أكــثــر مصداقية واســتــقـ­ـالــيــة مـــن الـهـيـئـت­ـن الحكوميتين باعتبار أن رئيس الحكومة لا سلطة له على أعضائها ولا يوجد تسلسل هرمي يجعله رئيسا مباشرا لهم أو لرؤسائهم. ولـعـل نظر اللجنة فـي إمكانية المطالبة بتنحي رئيس الحكومة من منصبه، وتفويض صلاحياته لأحد الوزراء إلى حين انتهاء التحقيقات يجعلها تبدو في نظر المراقبين أكثر جدية من اللجنتين الحكوميتين.

ويــرى البعض أن تصريحات الـفـخـفـا­خ الأخـــيــ­ـرة الــتــي أعلن بمقتضاها بكل ثقة بالنفس أنه سيبقى في القصبة لأربع سنوات مقبلة هي دليل على أنه قد «طبع»

مع حركة النهضة ونــال دعمها للاستمرار في الحكم إلـى موعد الانتخابات المقبلة. لكن تصريحات رئــيــس مـجـلـس شــــورى حـركـة النهضة عبد الكريم الهاروني التي نصح خلالها إلـيـاس الفخفاخ بالاستقالة بسبب شبهة تضارب المــصــال­ــح، تــدحــض هـــذا الـــرأي وتؤكد على أن إلياس الفخفاخ ما زال في نظر الحركة وزيرا أولا في نظام رئاسي يدين بالولاء لرئيس الجمهورية، وليس رئيس حكومة في نظام برلماني يستمد شرعيته من الأحزاب الحاكمة.

كما أن الموقف الرسمي للحركة الذي اعتبرت فيه أن شبهة تضارب المصالح التي تلاحق الفخفاخ قد أضرت بصورة الائتلاف الحكومي وأن الحركة ستعيد تقدير موقفها مـن الحكومة والائــتــ­اف المكون لها في مجلس الـشـورى المقبل، يصب في هـذه الخـانـة، أي عدم حــصــول أي شـكـل مــن أشـكـال التوافق بين حركة النهضة ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ. ويبدو الأخير أمام خيارين لا ثالث لهما، إمـــا الاسـتـجـا­بـة لمـطـالـب حركة النهضة بتوسيع الحزام السياسي والـبـرلمـ­انـي للحكومة أو تقديم استقالته باعتبار أنه سيفقد دعم الحزب الأول في المشهد السياسي التونسي وفي الائتلاف الحكومي.

ويرفض إلياس الفخفاخ كما التيار الديمقراطي وحركة الشعب المشكلين لـائـتـاف الحكومي توسعة الفريق الحـاكـم ليشمل حــزبــي قـلـب تــونــس وائــتــاف الكرامة، وهما الحـزبـان الثاني

والثالث في الانتخابات الأخيرة. فــمــن مــفــارقـ­ـات الـديمـقـر­اطـيـة التونسية أن رئيس الحكومة قد مني بهزيمة قاسية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وكذا حزبه في الانتخابات التشريعية، لكنه اليوم يحكم ويــرفــض دخـــول الحــزب الـثـانـي والـثـالـث إلــى الائـتـاف الحكومي رغم أن الحـزب الثاني وصل مرشحه لرئاسة الجمهورية إلـى الــدور الثاني والحـاسـم في الانتخابات الرئاسية وهو ما عجز عن تحقيقة إلياس الفخفاخ.

ويبدو غاية حركة النهضة من توسعة الائـتـاف الحكومي هي ضمان حزام سياسي قوي داعم لها فـي الـبـرلمـا­ن حتى تستطيع تمرير مشاريع القوانين ولا تتعطل دواليب الدولة مثلما هو حاصل الآن. وقـــد عـبـر رئــيــس مجلس شــورى حركة النهضة عـن ذلك

معتبرا أن حركته «تسعى للوصول إلـى حكومة وحــدة وطنية تكون لديها قاعدة سياسية وبرلمانية واسعة حتى يستقر الحكم وتحل مشاكل تـونـس الحقيقية ويتم الابتعاد عن الصراعات الحزبية والأيديولو­جية».

وتؤثر هـذه الأزمــة كما أزمـات وشـبـهـات فـسـاد أخـــرى بشكل ســـيء عـلـى مــا بـقـي مــن رصيد الثقة بين الحكام والمحكومين في تــونــس، فــا أحــد بــات مستعدا للصبر والتضحية والامتناع عن المطلبية وهو يرى شبهات الفساد مستشرية على نطاق واسع. فقد وصل الأمر إلى حد تهريب أموال وتبييضها في الخــارج وامتلاك عقارات في «ليكانتي» الإسبانية في وقت يئن فيه البلد اقتصاديا واجتماعيا إلى الحد الذي لا يطاق وفي غياب أي رؤية استراتيجية

للخروج من عنق الزجاجة.

وقــال وزيــر الطاقة والمناجم التونسي المنجي مرزوق، الخميس، إن رئيس الـوزراء إلياس الفخفاخ سيعلن عن قرارات حكومية جديدة تهم التنمية والتشغيل بمحافظة تـطـاويـن )جـنـوب شـــرق( خلال زيـارة مبرمجة للمنطقة الأسبوع المقبل.

ومـــن المـعـضـات الـتـي تــؤرق المضاجع، أزمـة الكامور أو أزمة مضخات النفط التي تم تعطيلها مـن قبل محتجي ولايــة تطاوين منذ سـنـوات وتوصلت حكومة الشاهد إلـى اتفاق مع المحتجين لم يتم تنفيذه فعاد المحتجون إلى الـشـوارع بولاية تطاوين أقصى جنوب البلاد. ويحذر جل المحللين من خطر مطالبات أبناء الجهات الداخلية بنصيب مـن الـثـروات الواقعة بمناطقهم لأنه سيفتح باب

جهنم على مصراعيه على الحكومة التي بمجرد استجابتها لمطالب محتجي الكامور ومنها حقهم في التنمية من مداخيل حقول النفط فـي ولايـتـهـم، قـد ينتفض أبناء قفصة، مطالبين بنصيبهم من الفوسفات وأبناء الشمال الغربي بنصيبهم مــن المــيــاه والمخـــزو­ن الإستراتيج­ي من الحبوب، وأبناء الساحل بنصيبهم من الزياتين والسياحة وغيرها. وستجد الدولة التونسية نفسها مفككة في نهاية المطاف غير متحكمة في ثرواتها ومواردها المتأتية من هذه المداخيل وعاجزة عن التخطيط والبرمجة ورصـــد الأمــــوا­ل لمـن يستحقها. بالمقابل يصعب إسكات الجياع في مختلف أرجاء البلاد في غياب الثقة بينهم وبين من يدير شؤونهم من الذين لم يـبـادروا إلـى التبرع برواتبهم أو الاكـتـفـا­ء بنصفها والابتعاد قدر الإمكان عن الشبات وذلــك لكسب ثقة أبناء شعبهم حتى يضحوا بالغالي والنفيس وينخرطوا في سياسة تقشفية لإنقاذ البلد من الانهيار.

ويشار إلى أن ما يحصل اليوم فـي تونس كــان متوقعا منذ أن شهدت الانتخابات الأخيرة لسنة 2019 عـزوفـا كبيرا مـن جمهور الناخبين اعتبر مؤشرا على أن الأحـزاب السياسية لم تعد لديها القدرة على التحكم والتأثير في الـشـارع، وأن الأمــور خرجت عن السيطرة. لكن الطبقة السياسية يبدو أنها لم تقرأ نتائج الانتخابات الــقــراء­ة الصحيحة وعــوض دق نــاقــوس الخـطـر والخـشـيـة مما يخفيه هذا العزوف من الناخبين ذهبت التحليلات باتجاه أسباب «انتصار» هذه الأحزاب و«هزيمة» تـلـك. ويـتـوقـع أن تـــزداد الهوة اتـسـاعـا بــن عـمـوم التونسيين الذين يفقدون الثقة في العملية السياسية ويترجمون ذلك بعدم التحول إلى صناديق الاقتراع يوم الانتخابات وبين الطبقة السياسية المــهــتـ­ـمــة بـــصـــرا­عـــات كــراســي الحكم ولا تعير اهتماما لمشاكل التونسيين الحقيقية.

 ??  ?? إلياس الفخفاخ
إلياس الفخفاخ

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom