ماكينزي بعد بومبيو في الأردن... الإرهاب قد يحلق مجدداً على جناحي كورونا
اختراق بسيط للاستعصاء في التواصل مع إدارة ترامب
مــا الذي يدفع دولة مثــل الأردن لتكثيف جرعــة الحديث مجدداً عن الإرهاب بشــكله المألــوف في الجــوار والمنطقة خــال عمق الاشتباك مع تفاصيل الفيروس كورونا؟
لا تبدو مجرد مفارقة أمنية أو عســكرية أو حتى سياســية فقط، فقائد القيادة الوسطى الأمريكية الجنرال كينيــث ماكينزي، التقى العاهــل الملــك عبد اللــه الثانــي. وحضور ماكينــزي مع الواجهــة الملكيــة الأردنية له دلالات سياســية علــى الأرجــح، وإن كان حلقــة مــن مقاطع التنســيق في المســتوى الاستراتيجي العسكري دوماً.
مستجدات القضية الفلسطينية
لكن الأهم هو أن البيان الرســمي المتعلق بالحوار مــع ماكينزي تطرق إلى مســألتين نوقشــتا مع المستوى العســكري الأمريكي هــذه المــرة، بعنــوان مســتجدات القضية الفلسطينية، وهي عبارة تفترض بأن الأردن أبلــغ البنتاغــون وجنــرالات وزارة الدفاع الأمريكيــة بمخاوفه وتحفظاته الشــديدة تجاه تداعيات مشــروع الضم الإسرائيلي. والأهــم أيضــاً هــو التطــرق لبحــث ملف مســتجدات الإرهاب... هنا حصرياً، يتوقف الأردن بعمــق، كما يفعل بالعــادة، عند تلك الاحتمــالات والســيناريوهات التــي تعبر عن الخشــية من أن تســتفيد بعض القوى الأصولية المتشــددة في المنطقــة، وتحديداً في الجوارين العراقي والسوري، وحتي في العمق الليبي، من الفراغــات التي تنتج عن خلط الأوراق بسبب الفيروس كورونا.
ليس ســراً أن لدى عمان هنا وجهة نظر، وليــس ســراً أن لــدى العاصمــة الأردنية معطيــات تؤكــد صلابة الاشــتباك الأردني طوال الوقت مع التشــدد والإرهــاب العابر للحدود، حيث -في مستوى العمق الأردني السيادي- أجريت دراسات وخضعت حركة بقايا تنظيم داعش، وكذلك جبهة النصرة في العراق وســورية، إلى عين تتفحص مجدداً الاعتبارات والمستجدات.
في التقييم، درس القرار الأردني خريطة محتملــة تتحدث عن ســيناريو لاســتثمار أزمة كورونا، ســواء في بعض المناطق داخل العــراق أو علــى الجبهة الشــمالية جنوبي ســورية، حيث شــفافية مفقودة في دمشق ووضع معقد جــداً في الميــدان، وصراعات إقليميــة ودوليــة بالجملــة تؤثــر علــى الانقســامات التي انتقلت من السيكولوجيا المجتمعية أو بدأت تنتقــل منها إلى الخارطة الجيوسياسية.
وفي العراق، وبالتقدير الأردني، الوضع الوبائــي مقلــق جــداً وللغايــة، والجانب الشــيعي في المعادلــة العراقيــة يفتقد إلى
أدوات الاشــتباك مــع الفيــروس، والوضع الصحي مربــك، والأمني كذلــك، بالرغم من تشكيل الحكومة الجديدة في بغداد بالتوازي مع مؤشــرات حيوية علــى أن تنظيم داعش يحاول العــودة إلى المســرح، حصوصاً في محيــط الموصل وبعض المناطق الســنية في محافظة الأنبار أو في بعض مناطق شــمالي سوريا.
تلك تقديرات ومعلومات أردنية نوقشــت خلــف الســتارة، لا بل وصــل الاهتمام إلى مســتوى تقييم تصــور على شــكل خارطة يحاول تتبع بعــض المناطق التي لايزال فيها الكثير من النفوذ لمســلحين، والتي يقدر في الوقت نفســه وجــود فائض مــن إصابات كورونا فيها.
تحذير بأكثر من لهجة
لذلك، علــى الأرجــح، قررت المؤسســة العســكرية الأمريكيــة وتحديــداً في الجزء المختص فيهــا بالمنطقة والإقليم، الاســتماع لبلــد مثل الأردن يخشــى أن تتطــور آليات اســتثمار فصائل ومجموعــات إرهابية في المناخات المقلقة الناتجة عن أزمة كورونا.
مبكراً، أطلــق الأردن هذا التحذير وبأكثر من لهجة، وحصل على اســتجابة كســولة من واشــنطن بســبب ضعف تنسيق أدوات الخارجيــة الأمريكيــة مــع إدارة الرئيــس الأمريكي دونالد ترامب.
لكن عندمــا تفاعلت المعطيات والمعلومات يبــدو أن عمــان تتحدث مــع البنتاغون في هذا الســياق الآن، خصوصاً أن المســألة لا تتعلق فقــط باحتمالية الاســتثمار من جهة المجموعات المتشــددة في العراق وســوريا بأزمة كورونا، لا بل تتعلــق أيضاً بتداعيات الأزمــة نفســها، الاقتصاديــة والمالية، على الشرائح الاجتماعية في الإقليم.
يحــذر الأردنيــون هنا من ظهــور قوى متشــددة في عمق المعادلــة اللبنانية مثلاً، ويؤشرون على حركة تسليح واستقطاب في العمق العراقي والســوري لا بد من الانتباه
إليهــا، ويتحدثون أيضاً عــن تداعيات نمو الفقر والبطالة في عدة مواقع وبلدان بسبب أزمة كورونا، ســواء في لبنــان أو في قطاع غزة أو حتى في مصر والأردن نفسه.
البيئة هنا، وفي حال عدم تنسيق الجهود، قد تصبــح حاضنة للمتشــددين والمتطرفين مجدداً، سواء في جنوب سورية حيث جبهة النصرة تنشط مجدداً، أو في مخيمات لبنان، أو حتى في بعض البــؤر المقلدة على طريقة الذئاب المنفردة في ســيناء أو غزة، وبمسار أقل في بعض المناطق الأردنية.
تريد عمان يقظة أكثر، ويبدو أن مؤسسات في الإدارة الأمريكية، سواء في البنتاغون أو الاســتخبارات، بدأت تلتفــت وتتنبه، لا بل خصصــت بعض الأموال لمواجهــة أي عودة محتملة للإرهابيين المتشددين، وبدأت عملية البحث عن شركاء هنا أو هناك للاتفاق معهم وإنفاق هذه الأموال.
وفي الأثناء طبعاً يمكن للجنرال ماكينزي، وقبله وزيــر خارجية بلاده مايــك بومبيو، الاســتماع أكثــر للتحذيــر الأردني الأشــد لهجة. وهــو ذلك المتعلق بانكفــاء وانطفاء خيار الســام وعمليته إذا مــا تمكن اليمين الإســرائيلي من المضي قدماً بمشروع الضم، وبالتالي تصبح البيئة حاضنة وجاذبة أكبر للتشدد والإرهاب.
فهل تعني الاتصالات الأخيرة، أردنياً، مع بومبيــو والجنرال ماكينــزي وغيرهما، بأن عملية مواجهة الاســتعصاء في التواصل مع الإدارة الأمريكية بدأت تتحسن؟
الســؤال الأخيــر إجابته صعبــة قليلاً؛ لأن إدارة الرئيــس ترامب بــدأت تحتاج في الأسابيع الأخيرة، قبل انتخابات الرئاسية، إلــى أي إنجاز مــن أي نوع، ذلــك طبعاً في التقدير السياســي الأردني العميق تموضع ليس مــن المصلحة تجاهل التعاطي معه، لأن الاســتجابات تتســارع قليلاً على الأقل من جهة الخارجية الأمريكية والبنتاغون. ولأن الظروف الاجتماعيــة والاقتصادية في دول الإقليم معقدة للغاية بعــد معركة الفيروس كورونا.