Al-Quds Al-Arabi

موريتانيا: جدل قانوني حول الجهة المختصة بمحاكمة الرئيس السابق

- نواكشوط – «القدس العربي» من عبد الله مولود:

تواصل أمس فــي موريتانيا جدل حامي الوطيس بــن فقهاء القانون ورجال السياسة حول الجهة المختصة في محاكمة الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز، وذلك بعد أن أنهت لجنة التحقيق البرلمانية تقريراً ضخماً يســلط الضوء على جوانب كثيرة من تســييره المالي وتسيير معاونيه بأوامره، خلال العشرية الماضية.

واحتدم هذا الجــدل بعد أن فوجئ الرأي العام الــذي كان يترقب بدء محاكمة الرئيس الســابق، بتأجيل لجنة العدل والدفــاع والداخلية في الجمعية الوطنية للمرة الثانية نقاشها لمشــروع تعديل القانون النظامي المنشئ لمحكمة العدل السامية، المختصة في محاكمة الرئيس والوزير الأول والوزراء.

وانقســم فقهاء القانون في نقاشــهم لهذه النازلة في اتجاهات ثلاثة: أولهــا يضم الدكتور محمد الأمــن داهي أكبر فقهاء القانون الدســتوري ومحرر الدستور الموريتاني، وســيدي محمد ولد محم، أول رئيس لمحكمة العدل الســامية؛ ويرى فقهاء هذا الاتجــاه أن محاكمة الرئيس لا مختص فيها ســوى محكمة العدل الســامية، ويــرى الاتجاه الثانــي أن محاكمة الرئيس السابق في «جرائم فساد» ممكنة أمام القضاء العادي.

وذهب اتجــاه ثالث إلى إمكانية الجمع بين المســارين، حيث «إن المادة 93 مــن الدســتور الموريتاني تنص علــى أن رئيــس الجمهورية لا يكون مســؤولاً عن أفعاله أثناء ممارســته لمهامه إلا في حالة الخيانة العظمى، وفي حالة ارتكابــه لأفعال موصوفة بأنها خيانــة عظمى تحاكمه محكمة العدل الســامية المنشأة بموجب المادة 92 من الدســتور، وبناء على اتهام

من الجمعية الوطنية، أثناء المأمورية أو بعد انتهائها، وهذا المســار واضح يتمخض الاختصاص فيــه للبرلمان، لكن، يضيف الاتجــاه الثالث عندما يرتكب الرئيس الســابق أفعالاً توصــف بأنها جرائــم بموجب القانون 2016/14 المتعلــق بمحاربة الفســاد، وخصوصاً تلك المحــددة في المواد 3،4،5،6،7،8،9،10،11،12،13،14،15 على سبيل المثال فإن الوكلاء المكلفين بالرقابة والتفتيش يقومون بإبلاغ النيابة العامة، وتتولى شرطة مكافحة الجرائــم الاقتصادية والماليــة مهمة الضبطية القضائية، ويباشــر قطب التحقيق فــي الجرائم الاقتصادية والمالية مهمة التحقيق، وتتولى المحكمة المختصة في جرائم الفساد محاكمة المتهمين.»

وعلى هذا، يكون من المتاح قانوناً، حسب الرأي الثالث، أن يأخذ الاتهام الموجه للرئيس السابق وبعض أركان حكمه مسار محكمة العدل السامية جنباً إلى جنب مع مسار القضاء العادي.

وأكد الوزير الســابق ســيدي محمد ولد محم، وهو أول رئيس لمحكمة العدل الســامية، أنه «في ظل المنظومة الدســتوري­ة الحالية والنصوص القانونية المطابقة، لا تمكن محاكمة رئيس الجمهورية أو أعضاء الحكومة عن الجرائم المقترفة أثناء ممارســتهم لوظائفهم إلا من خلال وبواســطة محكمة العدل الســامية ومحكمة العدل الســامية فقط، ولا يمكن للقضاء العــادي وفق نصوصنا مواجهة الحصانة الرئاســية بأية طريقة والنص الدستوري لا يترك في ذلك مجالاً لأي تأويل.»

«كمــا أن العقوبــات أمام محكمة العدل الســامية، يضيــف ولد محم، مفتوحة والعزل ليس إلا أحدها، مما يعني شــمولها لرؤســاء الجمهورية الســابقين بقيد التقادم طبعــاً، ويتم التصويت على هــذه العقوبات في حالات الإدانة بشكل سري، وتعتمد العقوبة الأخف من بينها وفق مسطرة يحددها قانون المحكمة .»

وذهب الدكتور عمار ولد حمادي، وهو مستشار دستوري لمبعوث الأمم المتحدة في سوريا وأستاذ جامعي في القانون في عدة جامعات أوروبية، إلى «أنه لا يحق للجنة البرلمانية اســتدعاء الرئيس السابق، لأن اللجنة شــكل من أشــكال الرقابة البرلمانية على الجهاز التنفيذي» مضيفاً قوله: «وفي دســتورنا تنحصر هذه الرقابة في الحكومة، فالحصانة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية تجاه المســاءلة السياســية من طــرف البرلمان هي فعلاً مطلقة، تشــمل كل أعماله أثناء ولايته، وهي أبديــة، أي أنها تحميه من المســاءلة السياسية حتى بعد مغادرة الســلطة، وتبرر هذه الحصانة مبادئ دستورية أساســية هي الفصل بين السلطات واستمرارية الدولة، والاستثناء الوحيد لذلك هو حالة الخيانة العظمى.»

واحتج حزب التجمع من أجل الإصلاح )محســوب على الإخوان( على تأجيــل لجنة العدل والدفاع والداخلية بالجمعيــة الوطنية للمرة الثانية نقاشها لمشروع تعديل القانون النظامي المنشئ لمحكمة العدل السامية.

وأكد، في بيان وزعه أمس، أن «تعديل هذا القانون يأتي تطبيقاً لمضمون الباب الثامن من الدســتور، الذى تنص فيه المادة 92 على إنشــاء محكمة العدل السامية بعد كل تجديد عام للجمعية الوطنية.»

وأضــاف البيان: «إن الدســتور هو أبــو القوانين، ومن لــم يحترمه لــن يحترم غيره، كما أن للســلطة التشــريعي­ة الحق في ممارســة كامل صلاحياتهــ­ا، ومن غير المقبــول منعها من ذلــك، إننا أمام هــذه العرقلة الدستورية وأمام محاولة القضاء على تطلعات وآمال الشعب الموريتاني، نطالب بترك مسار تعديل القانون النظامي لتشكيل محكمة العدل السامية يأخــذ مجراه الطبيعــي دون تدخل، ولا ضغوط مــن أي جهة، ونؤكد أن احترام الدستور كل الدستور، وخصوصاً المادتين 92 و93 المتعلقتين بهذه المحكمة، إلزام لا اختيار فيه، وقد أناط الدستور المسؤولية الأولى في ذلك بالرئيس حيث وصفته المادة 24 بـ«حامي الدستور.»

ودعا حزب التجمع «النواب إلى التمســك بحقهم في هذا التعديل، وفي المضي في مســار إنشــاء هذه المحكمة تطبيقاً لنص الدستور، واستكمالاً لصلاحيات الجمعية الوطنية».وشــدد حزب التجمع «على أن إنشاء هذه المحكمة المخولة بمحاكمة الرئيس ورئيس الوزراء وأعضاء الحكومة يمثل جانباً مهماً من ثقة الشــعب الممنوحة للسلطة التشــريعي­ة في ضبط أداء الســلطة التنفيذية، بمنعها من التغول ومســاعدته­ا على ضرب المثل في احترام إرادة الشعب تجسيداً للفصل الحقيقي بين السلطات».

وصدر أول قانون أنشأ محكمة العدل السامية في موريتانيا سنة 1959، وظلت هذه المحكمة دون وجود مطلقاً بعد ذلك، ورغم أن دستور 1991 نص على وجودها كهيئة دستورية فإنها ظلت كذلك معطلة ولم يصدر أي قانون ينشئها حتى سنة 2007 في عهد الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، حيث تقدمت حكومته بمشــروع القانون المنشــئ والمنظم لهذه المحكمة، واكتملت مصادقة الجمعية الوطنية عليه في ربيع 2008.

وبعد انقلاب 2008 دخلت المحكمة في ســبات طويل رغم تشكيلها حيث ظلت بلا مقر وبلا ميزانية مما حولها إلى هيئة موجودة في شكل أعضائها فقط، دون أي وجود عملي لغاية انتهاء دورة البرلمان سنة 2013.

وأثناء الحوار الوطني الذي منظم عامي 2016 و2017، قدم حزب الاتحاد من أجل الجمهوريــ­ة )الحاكم( مقترحاً إلــى المتحاورين يقضي من خلال التعديلات الدســتوري­ة التي كانت مرتقبة، بإلغاء هــذه الهيئة وتحويل صلاحياتهــ­ا إلى القضــاء العــادي، أو تحويل المجلس الدســتوري إلى محكمة دستورية بغرفتين، إحداهما غرفة تختص بالمطابقة والانتخابا­ت، والثانية غرفة جزائية تسند إليها مهام محكمة العدل السامية؛ غير أن أي شــيء من تلك المقترحات لم ير النور لتبقى المحكمــة على حالها التي هي عليها اليوم، والتي زادها تعقيداً إلغاء غرفة الشيوخ وتحول البرلمان إلى غرفة واحدة، حيث إن المحكمة مشــكلة من نواب وشيوخ، ويلزم أن يعدل نظامها لتشكل من أعضاء غرفة النواب وحدها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom