دولة مثلى في محيط عربي مضطرب أم زيف يتجلى في «كورونا الثاني»؟
إسرائيل ونهاية الساحر
■ بنيامين نتنياهو ساحر، كما هو معروف. فقــد أقام تحكمه بإســرائيل في الـ 11 ســنة الأخيرة على أساس سحر مزدوج: الاستقرار والهوية. مــن جهة، منح مواطني إســرائيل ثلاثة ذخائر غالية: الاستقرار )استراتيجياً(؛ الاستقرار )اقتصادياً(؛ الاستقرار )سياسياً(. من جهة أخرى، حرض بعضهم على بعض من خلال إدارة حرب هويــة قبلية. وهكذا ولدت إســرائيل من طابقين. في الطابق الأول، ثمة إحســاس بأن الحياة رائعة.. فلا حروب ولا إرهــاب ولا قتــل جماعي. الناس يشــترون السيارات، ويأكلون في المطاعم، ويسافرون إلى اليونان في إجــازات الصيف. فخورون بالدولــة التي تنجــح في أن تكــون جزيرة أمن في محيط من الفوضــى، وواحة ازدهار في صحــراء من الضائقة. ولكــن في الطابق الثاني، ثمة إحســاس بأن هناك عدواً داخلياً متعالياً وخطراً )اليســاريون، الصحافيون، القانونيــون(. وهكــذا ولد الإحســاس بأن نتنياهو يحمي الشــعب مــن النخب. يحمي الوطن، وفي الوقت نفســه يعد بحياة طيبة. يدلل، وفي الوقت نفســه يقف حارســاً على الباب.
الموجة الأولــى من كورونا عظمت ســحر الســاحر. وتبين مــرة أخرى بــأن نتنياهو يعــرف كيف يشــخص التهديدات بالشــكل الأفضــل وقبــل كل الآخريــن. مــرة أخرى، تبــن أن إســرائيل دولــة قوية وشــجاعة ورائعة، على نحو فائق. وفي الوقت نفســه يعتبر اليســار تافهاً ومثيراً للامتعاض. هذا الإحســاس المزدوج حقق لنتنياهو 40 مقعداً في الاســتطلاعات. وكانت المشــاعر شديدة تجاهه: لا يوجد أفضل منــه. فريد من نوعه؛ ملك.
ولكن الموجة الثانية من كورونا تهز مكانة الملــك. يوماً بعــد يوم، كورونــا يفكك صيغة الســحر. فعندما يصبح في إسرائيل أكثر من ألف مصاب في اليوم، فلا ثقة بالمملكة. وعندما يكون هنــاك نحو مليون عاطل عن العمل، فلا إحساس بالوفرة. الاستقرار يذوب، وأجواء الروعة تتبدد، الناس يشترون سيارات أقل، ولا يأكلون في المطاعم، لا يسافرون في إجازة صيف إلى اليونان. لم تعــد الدولة اليهودية الطالبة المتميزة في العالم المتطور، بل الطالبة الضعيفــة. لم تعــد مملكة نتنياهــو جزيرة استقرار للأمن أو واحة ازدهار في الصحراء، بل طوافة متهالكة تهزها أمواج العاصفة.
النتيجة السياسية واضحة: تآكل القاعدة. البيبيون هــم لاعبو الــروح.. يصوتون من القلب. ولكــن عندما تفــرغ المحفظة، تختنق الروح. وعندما تكــون البطن فارغة، فقرقعة الجوع تتغلب على دقات القلب. ولأن الضربة الأكثر إيلامــًا من كورونــا وقصوراتها تنزل على محبــي نتنياهو، فإن المحبــن ينزفون. حين لا يكون هناك أمن اقتصادي أو استقرار،
فلا تكون للنــاس مصلحة في حروب الهوية، وبالتالي فإن الساحر لن يعود ساحراً، والملك لن يعود ملكاً. أمام ناظرينا جوليفر السياسة الإســرائيلية يصبح جوليفر مربط بالحبال. وضعه صعب، بل حرج.
ولكن الموضوع ليس سياســياً فحســب. إن ما تفعلــه الموجة الثانية مــن كورونا هو الكشف عن ضعف إسرائيل نتنياهو. استقرار العقد الأخير لم يســتغل كي تبنى دولة مثلى هنــا. إن ازدهار ســنوات نتنياهو أخفت من ورائها فوارق اجتماعية واسعة، وخدمة دولة ضعيفــة، وحكماً غير ســليم. الحرب الأهلية المتواصلة فككــت الرســمية ومزقت المجتمع إرباً. هذا هو ســبب إخفاقنــا العميق بعد أن ضربنــا الفيروس فــي المرة الثانيــة، فقصة النجاح التي سوقها لنا نتنياهو تفككت.
هل يعني هــذا أن نتنياهو قد انتهى؟ ليس مؤكداً. فرئيس الوزراء لاعب شــطرنج فائق، كفيل بأن يفاجــئ بخطوات محطمة للتعادل. هكذا فعل حين نشر الخطة الاقتصادية مساء الخميس، وهكذا سيفعل في الأسابيع القريبة المقبلــة. ولكن هذا لا يكفي. إذ ما تبين في تموز 2020 أن مملكة نتنياهو انتهت، وإذا كان بيبي محباً للحياة ـ فإن عليــه أن يتبنى فكراً آخر وطريق ســلوك آخر. بعد أن انتهى الســحر القديم لهذا الساحر، سيحتاج الآن إلى سحر جديد. فما كان أمس لن يكون بعد اليوم.