Al-Quds Al-Arabi

كيف تؤثّر كورونا في مشروع الضم؟

- رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي

أظهــرت نتائج اســتطلاع للرأي العام في إســرائيل، أجرتــه القناة الثانيــة هــذا الأســبوع، أن غالبية الجمهور الإســرائي­لي لا تثق بإدارة الحكومــة للجولة الثانية من جائحة كورونا، التي تعصف بالاقتصاد الإسرائيلي ووصلت إلى ما يقارب 1500 مصاب يوميًا، بعد أن كان عدد المصابين بضع عشــرات في شــهر مايو الماضي.

وأعرب 59عنعدمثقت­همبعملالحك­ومةمقابل 37 يثقون فيها. وانخفضت بشكل دراماتيكي ثقة المستطلعين، بإدارة رئيس الوزراء الإســرائي­لي بنيامين نتنياهو لحملة مكافحة الجائحة لتهبط من 74 في شهر مايو إلى 46 في مطلع شــهر يوليو الحالي، وانهارت كذلك ثقة الجمهور بنتنياهو في كل ما يتعلق بإدارة الأزمة الاقتصادية، لتصل إلى 33 بعد أن كانت 53 في مايو. ودلّت استطلاعات نهاية الأســبوع إلى هبوط قوّة حزب الليكود إلى 36 عضو كنيســت مقابل 41 في الاســتطلا­عات الســابقة. ومع ذلك حافظت كتلة اليمين الإســرائي­لي المتطــرف على أغلبية 64 نائبا في كل الاستطلاعا­ت الأخيرة كما في السابقة، بعد ان حصل حزب يمينا على 11 مقعدًا وشاس على 10 ويهودوت هتوراة على 7 مقاعد.

تعكس هذه النتائج النجاح النسبي لنتنياهو وحكومته فــي مواجهة الموجــة الأولــى لجائحة كورونــا من جهة، والفشــل الذريع في منع وحتى في احتواء الموجة الثانية، التي تعصف بالمجتمع وبالاقتصاد في إسرائيل، بشكل غير مســبوق. وفي حين حرص نتنياهو في الموجة الأولى على عقد المؤتمرات الصحافية عدة مرات أسبوعيًا، متباهيًا بما سماه «إنجازات لا مثيل لها في العالم» في محاربة الوباء، ومفاخرًا بأن رؤســاء دول العامل يتصلون به للاستفادة مــن «النجاح» الإســرائي­لي المتميز فــي محاصرة جائحة كورونا والسيطرة عليها، صار، بعد تفاقم الموجة الثانية، قليل الكلام عــن الجائحــة مبقيًا التصريحــا­ت عن أزمة كورونا للموظفين، ولوزير الصحة الجديد يولي أدلشتاين.

أدّت جائحــة كورونــا، والحملة لمواجهتهــ­ا، إلى أزمة اقتصادية غير مســبوقة في إسرائيل، حيث يمر اقتصادها بحالــة ركود عميــق، ووصل عــدد العاطلين عــن العمل حوالــي مليون شــخص، وانهــارت عشــرات الآلاف من المصالح والمرافق والمصانع والشــركات، وأعلن عدد كبير من الشــركات الإفلاس، من بينها شــركة الملاحة الجوية الإســرائي­لية «العال». لقد تقلّصت كثيرًا القوة الشــرائية والحركة الاقتصادية عمومًا، ومن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنســبة 5 بعد سنوات طويلة من النمو بمعدل ما بين 3 إلى 5. ووفق المعطيات شبه الرسمية، يعمل الاقتصاد الإسرائيلي بالمجمل بما يقارب ثلثي طاقته، مقارنــة بحالته العادية قبل كورونا. وهناك شــبه إجماع على أنّ الأزمة الاقتصادية ســتزداد تفاقمًا، وسوف تستمر سنة كاملة على الأقل، وليس هذا تقييمًا نظريًا فقط، بل هو

أساس خطة الإنقاذ الاقتصادية، التي أعدتها وزارة المالية الإســرائي­لية والتي تشــمل منح مخصصات بطالة ودعم للقطاع الخاص المتضرر لمدة ســنة إضافية. ورغم أنّ مدة «سنة أزمة» هي إطار الخطة الاقتصادية في إسرائيل، فإنّ مواجهة المجهول هو ما يخيّم على الاقتصاد الإســرائي­لي، وهناك توقعات بأن تستمر الأزمة سنوات طويلة، قد تصل إلى حالة «العقد المفقود»، أي عشر سنوات بلا نمو، كما كان الحال بعد حرب أكتوبــر. ولعلّ الركود الاقتصادي الحالي والمنظور هــو الأكثر حدّة والأكثر صعوبة في تاريخ الدولة العبرية.

تزداد الأحوال الاقتصادية في إســرائيل ســوءًا يومًا بعد يوم، ويــزداد تبعًا لذلك الغضب علــى الحكومة، لأنّ الضمانات والمســاعد­ات الاقتصادية الحكومية غير كافية لانتشال جماهير واســعة من مهاوي الفقر وحتى الجوع، بعد انهيــار شــبكات الأمــان الاقتصادي ليــس للفئات الفقيرة فحســب، بل للطبقات الوســطى الواسعة. لقد هزّ الزلزال الاقتصــاد­ي القاعدة الاجتماعية لنتنياهو واليمين الإســرائي­لي، وصار نتيناهو يخاف انتخابات وشيكة بعد ان كان يهــدد بها شــريكه بيني غانتس «كلمــا دقّ الكوز بالجــرّة ». هو يخشــى المجهول، إذ ان أوضــاع اقتصادية واجتماعية صعبة قد تؤدّي إلى خســارته للسلطة، خاصة أن بقاءه في الســلطة كل هذه المدة الطويلة اســتند، فيما اســتند اليه، إلى انتعــاش اقتصادي ثابــت وارتفاع في مستوى المعيشة لفئات واسعة. وتفاديًا للانهيار التام قام نتنياهو بالإعلان عن ضخ حوالي 30 مليار دولار مباشــرة لجيوب المتضررين، وليس عبر خطّــة اقتصادية متكاملة، وهذا بحد ذاته دليل على انه يســعى الى انتخابات مبكّرة في أقرب فرصة مفيدة له.

في ظل كورونا وتبعاتها الاقتصادية والنفســية، أصبح اتخاذ القرار السياسي في إسرائيل أكثر تعقيدًا. من جهة، يــرى نتنياهو أنه بحاجــة إلى خطوة أو خطــوات تبعد الأنظار عن الانشغال الدائم بالفشل الصحي والاقتصادي، ومن جهة أخرى هو لا يريد أن تؤدّي مثل هذه الخطوات إلى تعميق الأزمة الاقتصادية، وإلى انتخابات سريعة مجهولة النتائج، فهو يخشــى أن تتشكّل اصطفافات جديدة، أو أن يظهر منافســون جدد لم يأخذهم في الحســبان. لا يواجه نتنياهو، في هذه المرحلة، أي منافسة جدّية، خاصة بعد أن نجح في تفكيك أحزاب المعارضة، وما يخشاه هو أن تؤدّي تداعيات جائحــة كورونا والأزمــة الاقتصادية إلى تطوّر ديناميكيات تشــوّش مخططاته وقد تطيــح به. ما يريده نتنياهو في هــذه المرحلة أن يحضّــر الأرضية لانتخابات يفوز فيهــا بأغلبية مطلقة، تمكنّه من ســن قوانين جديدة تجمّد محاكمته، وتســمح له بالقيام بخطوات ومشــاريع وازنة تســجّل باســمه وتمجّد تاريخه وتراثه «القومي»، تداعيات كورونــا الصحية والاقتصادي­ــة تعرقل برامجه وتضطره الى إعادة الحسابات.

لم تؤدّ جائحــة كورونا المنفلتة، والأزمــة الاقتصادية المتفاقمة، إلى انعطاف في النوايا والمشــاري­ع السياســية والأمنيــة لنتنياهو وحكومتــه، لكنّها بالتأكيــد تؤثّر في صياغاتها وجدولة تنفيذها. المبــدأ الناظم لنتنياهو )بعد البقاء على الكرســي والإفلات مــن المحاكمة( هو المحافظة على تفوّق صهيوني ـ إســرائيلي على الفلسطينيي­ن وعلى العرب وعلى المسلمين جميعًا في المنطقة، ويعني ذلك هيمنة أمنية كاملــة ودائمة على كل أراضي فلســطين التاريخية، بحيــث تكــون 85 منها تحت الســيادة الإســرائي­لية المباشرة، والباقي تحت الســيطرة غير المباشرة. بموازاة ذلك يعمل نتنياهو على إدامة التفوّق العسكري في المنطقة، والحفاظ على شرق أوسط بلا أسلحة دمار شامل سوى في إســرائيل. كيف تؤثر جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية المرافقة في اتخاذ القرار في إســرائيل هذه الأيام؟ لا بد من الإشــارة هنا إلى أنّ التأثير المباشــر الأوّل هو في تجميد خطّة إجــراء انتخابات جديــدة، وظهر ذلــك حين، وفي اللحظة الأخيرة، اضطر نتنياهــو وعدد من قيادة الليكود إلــى الغياب عن التصويــت، وترك مشــروع إقامة «لجنة تحقيق في تضــارب المصالح لــدى القضاة» يســقط في الكنيست. جاء ذلك بعد ان هدّد غانتس بإسقاط الحكومة، والذهــاب إلى انتخابات فــي حال تمرير مثل هــذ القرار. قبل أن تســتفحل كورونــا مجــدّدًا كان نتنياهو هو الذي يهــدّد بالانتخابا­ت. من الواضــح أن الظرف الحالي جعل توازن القوى في الحكومة الإســرائي­لية يتحرك باتجاه في غير صالــح نتنياهو، ويزيد من وزن بينــي غانتس وزير الأمن، وجابي أشــكنازي وزير الخارجية، وحزبهما «أزرق أبيض»، اللذين صار من مصلحتهما اتخاذ مواقف مستقلة ومعارضة لنتنياهو لكسب الشعبية مجددًا، بدون الخوف من انتخابات وشيكة.

فــي ظل كورونــا، ليس بمقــدور نتنياهو هــذه الأيام اتخــاذ قرارات تغضب شــريكه بيني غانتــس، فهو الآن، والتشديد على «الآن»، يخشى انتخابات محفوفة بالمخاطر وبالمجهول. وإذ صرّح قبل أسبوعين بأنّ قرار الضم يجري بالتشاور مع الإدارة الأمريكية، ولا يتعلّق بموقف غانتس، فهو اليوم لا يستطيع ان يفرض مشروع ضم يرفضه حزب «أزرق أبيض»، خاصــة أن الإدارة الأمريكية، وبعد زيارة بومبيو الأخيرة إلى إســرائيل، تضغط وبشــدّة أن يكون هناك اتفاق وإجماع إسرائيلي على مكان وزمان الضم.

لم يعد مشروع الضم يحتل العناوين، لكنّه مازال خطرًا قائمًا، والاتصالات الإسرائيلي­ة الأمريكية بشأنه مستمرة. صحيح لم يعد من المؤكّد أن يكون ضم في الأسابيع القريبة، لكن الأمر ممكــن ويتعلّق أولًا وأخيرًا بقرار ترامب، الغارق حتى أذنيــه بالانتخابـ­ـات وبكورونــا وبالاقتصاد، ولن يســارع لاتخاذ قرار بشــأن الضم، إلّا إذا اقتنع أنه يفيده انتخابيًا. القرار الأمريكي في هــذه المرحلة يتأثّر بالموقف السياسي الإســرائي­لي المنقسم على نفســه، بين نتنياهو الذي يستعجل الأمر وغانتس الذي يدعو إلى التأجيل.

ينحصــر الحمــاس للضم في إســرائيل فــي جزء من المجتمع السياسي، وتحديدًا اليمين المتطرف والمستوطني­ن، وتدل اســتطلاعا­ت الرأي بالمعدّل على أنّ 33 الجمهور الإسرائيلي­يؤيّدالضمويعار­ضه 44،وفقط 4يرون ان يجــب ان يكــون أولوية في عمل الحكومــة، والغالبية الســاحقة ترى ان عليهــا الاهتمام بالاقتصــا­د والصحة أولًا. تعارض المؤسسة الأمنية الإسرائيلي­ة مشروع الضم، وتعتبــره يضــر بالأمن، لأنّه يضــر بالعلاقة مــع الأردن وبالتنسيق الأمني مع الســلطة، وقد يخلق حالة من عدم الاســتقرا­ر. ويبدو ان هذه المؤسسة مقتنعة بان موقفها لا يقنع نتنياهو، وشرعت بتجهيز الخطط لمواجهة التحديات الأمنية الناجمة عن تنفيذ الضــم، مطالبة بتمويل إضافي لهــذا الغرض. لا ترى الأجهــزة الأمنية الإســرائي­لية بأن الضم هو حدث عابر، بــل مرحلة جديدة والدليل على ذلك هو، رســالة رئيــس أركان الجيش الإســرائي­لي الجنرال أبيب كوخابي، إلى ضبّاطه بشأن إقامة فرقة عسكرية )10 إلى 20 ألــف جندي( جديدة مختصــة بالقتال في المناطق الســكنية. وبغض النظر عن موقفها، فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلي­ة تعلن على الدوام أنها مستعدّة لتنفيذ أي قرار تتخذه الحكومة ولملائمة نفسها معه.

أمــا النخبــة الاقتصادية فهــي واضحة فــي معارضة الضم وترى فيه خطرًا على الاقتصاد الإســرائي­لي المصاب بالركــود في ظل جائحــة كورونا. وأكثر ما تخشــاه هذه النخبة هو عقوبات أوروبية، وانتفاضة في الضفة، وزيادة التجاوب مع حملات المقاطعة. وأطلق البروفيسور يوسف زعيرا دعوة اســتغاثة لعــدم تنفيذ الضم، لأنّه ســيؤدّي إلى مواجهات تؤثر ســلبًا في إمكانيات الخروج من الأزمة الاقتصاديـ­ـة، ويزيد من حدّتها ركودًا فوق ركود، مشــيرًا إلى أن «التصعيد مع الفلســطين­يين يزيد من إمكانية نشوء أزمات ركــود اقتصادي، كما كان خــال الانتفاضة الأولى وعمليات منتصف التسعينيات والانتفاضة الثانية.»

إذا إخذنا بعين الاعتبار كل العوامل الأمنية والاقتصادي­ة والسياسية المؤثرة في اتخاذ القرار بشأن الضم، فقد بات واضحًا أن نتنياهو لن يســتطيع تحقيق حلمه بضم 30 من أراضي الضفة الغربية في المســتقبل القريب. الإمكانية المطروحة هي ضم حوالــي 3 في منطقتي القدس وجبل الخليل. هــذا أمر وارد، لكنّه ليس مؤكّــدًا والقرار النهائي في واشــنطن وليس في تــل أبيب. العمل لإفشــال الضم يجــب ان يســتمر ويتصاعد وبقوّة أكبــر، ويمكن تحويل هذه المصيبة إلى فرصة لإعادة الاعتبار للمشــروع الوطني الفلسطيني وللقضية الفلســطين­ية، كقضية تحرر وطني. ويمكــن تحويلها إلى فرصة لإنهاء الانقســام وبناء آليات الإرادة العامة الموحــدة، والانطلاق بحراك وطني نضالي يســتقطب الدعم العربي والتضامن الدولي ويســاهم في تغيير موازين القوى.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom