Al-Quds Al-Arabi

السودان: مراجعة أداء أجهزة الفترة الانتقالية

- ٭ كاتب سوداني

■ كتبنا من قبل أن كل أجهزة الفترة الانتقالية، مجلس الســيادة ومجلس الــوزراء والحاضنة السياســية ممثلة في تحالف الحريــة والتغيير، تحتاج إلــى وقفة مراجعة وتقييم وتقويم، تشــخص فيها أوجه القصور في الأداء وحيال ما تم الاتفاق على إنجازه، وهل هذه الأجهزة تسير في الاتجاه الصحيح. وحسب تصريحات لقادة تحالف الحرية والتغيير، فإن التحالف شرع في إجراء هذه المراجعة والتقييم، وأنه بصدد عقد مؤتمر لهذا الأمر، وإن كان المدى الزمني الذي حدد لقيام المؤتمر، جاء ولم يحضر المؤتمر!

والهدف الرئيســي من وقفة المراجعة والتقييم هــذه، ليس مجرد إبراء الذمة، ولا لصك تبريرات للإخفاقات المصاحبة للأداء، ولا لشخصنة القضايا وتحميل الوزر أو المســؤولي­ة لهذا المســؤول أو ذاك، وإنما بهدف تفريق أي شــحنات ســالبة، ســاكنة في أجهزة الفترة الانتقالية، والتزود بمحفزات وطاقة إيجابية تقوي من شأن أداء هذه الأجهزة، لتتبدى في مكاشفة شفافة مــع الناس حول ما تم وما لــم يتم ولماذا وأين أوجه الخلــل والضعف، وفي اتخاذ قرارات مدروســة لصالح المزيد من الكفاءة والفعالية، ولصالح إزالة المعوقات، ممارسة كانت أم أشــخاصا ثبت تدني كفاءتهم. بالطبع، فإن وقفة المراجعة دائما ما ترتبط بثلاث محطات رئيســة، هي: المــدى الزمني لتنفيذ برنامج العمل المتفق عليه ومن ثم المراجعة في نهاية الفترة الزمنية المحددة، عــام مثلا. أو في حال حــدوث ظرف معين يتطلب إجــراء تغيير وتعديل في تركيبة أجهزة الحكم، كما هو الحال الآن على ضوء اتفاق الســام المتوقع أن يتم التوقيع عليه خلال أيــام. والمحطة الثالثة تتعلق بتدني الأداء وضرورة تصحيح المســار الخاطئ كما طالبت مظاهرات ومواكــب 30 يونيو/حزيران الأخيرة. وفي كل الأحوال، وكل المحطات المشار إليها هذه، فإن وقفة المراجعة والتقييــم والتقويم المطلوبــة تتطلب أقصى درجات الشــفافية والوضوح، وضرورة المكاشفة الصريحة مع الجماهير. فالشفافية والمشاورة والوضوح والمكاشــف­ة الصريحة مع النــاس، تمثل حزمة متكاملــة، وتعتبر من المعايير الهامة والرئيســي­ة لقياس مدى ودرجة تخلل وانسياب روح ثورة ديسمبر/ كانون الأول المجيدة في جســد الحكومــة الانتقالية. أعتقــد، لو أن حكومة الثورة خاطبت الناس شــارحة، بكل وضوح وبكل بساطة، أن اتفاق السلام المزمع توقيعه، يعطي الحركات المسلحة ستة مقاعد وزارية، وأن لقاء للتقييم والمراجعة عُقد بمشــاركة كل مجلس الوزراء وقيادة قوى الحرية والتغيير، باعتبارهــ­ا الجهة التي شــكّلت الحكومة، قرر، بعد تقييــم الأداء، وبحضور الوزراء ومشــاركته­م في النقاش، إعفاء العدد المعني من الوزراء، إضافة إلى أي عدد آخر، لما أثار الأمر الضجة التي نشــهدها الآن، ولما طرحت تســاؤلات حول لماذا هذا الوزير وليس ذاك، ولما ظهرت استنتاجات، أو ربما تسريبات، خاطئة أم صحيحة، بأن الأمر كله هندسته مجموعة محددة، بدون علم كامل مجلس الوزراء وكامل قيادة الحرية والتغيير.

من زاويــة أخرى، أنه لأمر مؤســف حقا أن ينظر النــاس إلى مفاوضات الســام المتوقع التوافق حول وثائقها والتوقيع عليهــا قريبا، وكأن ناتجها الرئيســي هو المحاصصة وتسكين حركات الكفاح المســلح في أجهزة الحكم الانتقالــ­ي، في حــن أن الأمر ليس كذلك. شــخصيا، قناعتــي التامة هي أن ما ســيتم التوقيــع عليه أكبر بكثير من مجرد مســألة التســكين في مجلس الســيادة ومجلس الوزراء والمجلس التشــريعي، ولكن هذا المحتوى الكبير غير بارز للناس بقدر ما أن البارز هو مســألة التســكين في المناصب، وأعتقد أن المســؤولي­ة في ذلك تقع بالكامل على قادة الحركات المسلحة، خاصة وأن الناس يلاحظون ما يحدث من اعتصامــات واحتجاجات في مناطق نيرتتي وكبكابية وشرق الســودان....الخ، وهي مناطق يفترض أن تكون الحركات المسلحة هي المتحدث الرئيسي باسمها في المفاوضات، ولكن، وكأن أهل هذه المناطق لا يأملون كثيرا في نتائج مفاوضات السلام الجارية.

أعتقــد، لو أن قادة الحركات المســلحة أفردوا حيزا رئيســيا في خطابهم لما ســتحققه المفاوضات وتدابير الســام المتوقع حيــال مناطق الهامش في مجــالات التنمية وتوفير الخدمات والأمن، إلى غيــر ذلك من المتطلبات التي تنادي بهــا الجماهير المحتجة والمعتصمة في هذه المناطق، لما ســاد الانطباع المؤســف حول المحاصصات والتسكين في المناصب. أقترح أن تكون الأولوية الآن، وقبل أي تســمية لوزراء أو أعضاء مجلس ســيادة جدد، هي تشــكيل المجلس التشــريعي الانتقالي الذي من أهم وأخطر واجباته ومهامه، مراقبة أداء الحكومة ومســاءلته­ا، وتغيير تركيبتها إذا اقتضــى الأمر، تحقيقا لمبدأ منع إســاءة اســتخدام الســلطة وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم، على أن تحرص القوى السياســية وقوى الكفاح المســلح على تقــديم الكفاءات والقــدرات الحقيقية لعضوية المجلــس، وبعيدا عن قصر الأمــر على مجرد الترضيات والمحاصصات. كذلك ضرورة الحرص الشــديد على تمثيل المرأة والشــباب ولجان المقاومة والمجتمع المدني والمجتمع الأهلي، تمثيلا حقيقيا، وليس شكليا أو صوريا، مع التقيد بشــرط الكفاءة والقدرة. وكما أشرنا من قبل، فإن نجاح الفترة الانتقالية، ولمنع أي اهتزازات واضطرابات خلال هذه الفترة الحرجة والهشة، خاصة وأن فترتنا هذه، بل والبلد كلها، محاطة بكل إمكانيات التصدع والانهيــا­رات، الاعتصامات والاحتجاجـ­ـات والنزاعات القبلية الراهنة حد الاقتتال الدمــوي مثالا، من الضروري جدا، ومن الأهمية القصوى بمكان، أن تخول للمجلس التشريعي الانتقالي صلاحيات تشريعية محدودة، تنحصر في ســن التشــريعا­ت والقوانين الضروريــة لتجاوز ما أحدثته الإنقاذ من تخريب وويلات، ولاستعادة الدولة المخطوفة، وأن يقوم المجلس بتعديــل وإلغاء أي قانون يتعارض مع حقوق الإنســان والحريات العامة، وأن يســن التشــريعا­ت المتعلقة بقضايا ومســار الفترة الانتقالية، كإجــازة الموازنة العامــة، المصادقة علــى الاتفاقيات والمعاهــد­ات الثنائية والإقليمية والدولية.....الخ، وكل ما من شــأنه العبــور بالمرحلة الانتقالية إلى الأمام. أما التشــريعا­ت الأخرى المتعلقة بالقضايــا المصيرية التي تدخل ضمن قضايا إعادة بناء وهيكلة الدولة، فأعتقــد أن المنطق يقول إنها خارج صلاحيات المجلس التشــريعي الانتقالي، ولا يمكنه البــت فيها، وإنما تترك للمؤتمر القومي الدستوري.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom