Al-Quds Al-Arabi

العراق: منع «محتجزي رفحاء» من التظاهر في بغداد وقوى شيعية تندد بازدواجية تعامل الحكومة

اتهامات للمخابرات ومكافحة الإرهاب بقمعهم… ومطالبة حقوقية بتحقيق عاجل

- بغداد ـ «القدس العربي»:

ســقط أكثر من 20 شــخصا بــن قتيــلٍ وجريح من «الرفحاويــ­ن»، أمس الأحد، على يد قــوات الأمن، عند الحــدود الجنوبية للعاصمة العراقية بغــداد، في أثناء محاولتهــم دخــول العاصمــة للتظاهر قــرب المنطقة الخضراء، شــديدة التحصين، للمطالبــة بإيقاف قطع معاشاتهم الشهرية.

وفــي 22 يونيو/حزيــران الماضــي، قــررت حكومة مصطفى الكاظمي، تقليــص الرواتب التي يحصل عليها المستفيدون من «قانون رفحاء».

و«قانون مخيم رفحاء» نســبة إلــى «مخيم رفحاء» الواقــع داخل الأراضــي العراقية، على بعــد 20 كم من مدينة رفحاء الســعودية، التي استقبلت فيه المعارضين لنظام صدام حسين بعد عام 1991.

وبموجب القانــون الذي أقر عــام 2006، يحصل كل من أقام في المخيم ولو لمدة أســبوع واحد هم وعائلاتهم، على مرتبات شهرية ثابتة، كما يحصل هؤلاء، على مزايا أخرى منها علاج وسفر ودراسة مجاناً على نفقة الدولة.

ووفقاً لمصــادر متطابقة )صحافيــة ومقاطع فيديو(، فــإن الآلاف مما يعرفــون محليّاً «محتجــزي رفحاء»، قدمــوا بباصاتٍ مكيُفة مــن مناطق الجنــوب العراقي، باتجــاه العاصمة بغــداد، للالتحاق مــع نظرائهم في داخل العاصمة، وتنظيم تظاهرة احتجاجية أمام مدخل المنطقة الخضراء، تنديداً بقطع معاشــاتهم، وفقاً لقرار حكومي يقضي بإيقاف ازدواج الرواتب.

وفي منطقــة الحصوة التابعة لقضاء المســيّب الذي يتبع إداريــاً محافظة بابل المحاذيــة للعاصمة من جهة الجنوب، منعت قوات الأمن المتظاهرين من دخول بغداد، الأمر الذي أدى إلى اشتباكٍ بين المتظاهرين وتلك القوات التي شــرعت إلى اســتخدام الرصاص الحيّ في تفريق الجمــوع المحتجة، مما أدى إلى مقتل شــخصين وإصابة نحو 20 آخرين، حسب المصادر.

وظهر فــي مقطع فيديو أحــد المتظاهرين وهو يقول: «تفاجأنا بنزول قــوات خاصة )اعتقد( أنها تابعة لجهاز المخابــرا­ت ومكافحة الإرهاب»، مبينــاً أن «بعد الحديث معهم بشكلٍ هادئ وسلّمي، واجهونا بالضرب والشتائم وإطلاق الرصاص الحيّ».

وأضاف المتحــدث في الفيديــو، وهو مرتديــاً بدلة رسمية، وقفازات يظهر عليها آثار دماء: «جرح عدد كبير

من أخواننا».

وفــي الفيديو ذاته، يظهر شــخص آخــر تبدو عليه علامات الإصابة متحدثاً لهاتف شخصٍ يقوم بالتصوير، ويقول: «ضربونا بشكل عنيف»، قبل أن يجبرهم قوات الأمن على العودة وإطلاق الرصاص في الهواء.

وبالتزامن مع ذلك التوتر، أغلقت قوات الأمن العراقية مدخل العاصمــة الجنوبي أمام حركــة العجلات، الأمر الذي تسبب بزحام مروريٍ خانق.

وفي داخــل العاصمة، وتحديداً أمام مبنى مؤسســة الســجناء السياســيي­ن في منطقة الكرادة، القريبة من «الخضراء»، احتشد العشرات من «الرفحاويين» للتنديد بقطع معاشــاتهم، مرددين شــعارات: «كلا كلا بعثية... كلا كلا أمريكا... كلا كلا صدام حســن»، حســب مقاطع مصوّرة.

وتأتي التظاهرة تلبية لدعوة وجهها محمد الهنداوي، وهو خطيــب ورجل دين، وعضو ســابق فــي مجلس النــواب العراقي، ورئيــس لجنة الشــهداء والضحايا والسجناء السياسيين الأســبق، على صفحته الرسمية في «فيسبوك».

ويعدّ الهنداوي «عــراب الرفحاويين» الذين يعدّونه «أبــاً روحيــاً» وصاحــب الفضــل في حصولهــم على «حقوقهم» وعائلاتهم.

إثبات الوجود

ووجــه الهنداوي دعــوة إلى «الســجناء والمعتقلين السياســيي­ن وذوي الشــهداء ومجاهــدي الانتفاضة الشعبانية وسائر ضحايا النظام البائد» لـ«المشاركة في التظاهرات التي ستنطلق يوم الأحد )أمس( في بغداد»، معتبراً أنها «مظاهرات لإثبات الوجود».

وحثّ الهنداوي المشــاركي­ن في التظاهرة على «إرغام الخصوم على الاعتراف بتضحياتكم والإذعان لمطالبكم المشــروعة»، معتبراً أن الحضور يشكّل «لطمة للبعثيين إعلامهــم الكاذب، ونصرة لدماء الشــهداء وتخفيفا من أنّات الأمهات الثكالى ولوعــات اليتامى الذين لم تجف دموعهم حتى اليوم».

وأضاف: «العــراق بحاجة إلى وقفتكــم، فإن بلدكم يصارع من أجل حمايــة تاريخه المجيد المتمثل ببطولاته فــي الســبعيني­ات والثمانيني­ات والواحد والتســعين وبطولات الحشد الشــعبي المبارك. فالعراق بحاجة إلى

أبنائــه اليوم أكثــر من أي زمان مضى، فــإن الحق بات متهما فأعلوا راية الحق ونكسوا راية الباطل )إن الباطل كان زهوقا)».

وأثــار «قمّــع» المتظاهريـ­ـن عنــد مدخــل العاصمة الجنوبي، موجة مــن ردود الفعل المدينة والمســتنك­رة، إذ دعــا تحالف «الفتح» بزعامة هــادي العامري، أمس، رئيس الوزراء إلى «تبني» ملف الاحتجاجات الشــعبية بالتعاون مع البرلمان والقوى السياســية وسرعة وضع المعالجات، وانصاف المظلومين.

وقال التحالــف في بيان صحافي، «يؤســفنا جدا ما تعرض له المتظاهرون القادمون من المحافظات الوسطى والجنوبية للمطالبــة بحقوقهم من أعمــال عنف وقمع بالهراوات والرصاص الحي، من قبل القوات الأمنية، ما أسفر عن ذلك من ســفك دماء وسقوط ضحايا، وانتهاك صارخ للدســتور العراقي وما يكفله من حق لكل مواطن بالاحتجاج والتعبير عن الرأي».

وأضــاف: «في الوقت الذي نســتنكر إغــاق أبواب العاصمة بوجه هذه الشــريحة المضحية ومنع دخولهم وإيصال رسالتهم للحكومة وقمعهم بقوة السلاح، فإننا نســتغرب حدوث ذلك في بلد ديمقراطي، وفي ظل نظام سياسي تعددي، وبعد كل التضحيات التي قدمها شبابنا من أجل التصحيح والتغيير، وما رافقها من موقف شجاع للمرجعية والقوى الوطنية مع المطالب المشروعة وثقافة الاحتجاج السلمي».

وحمّــل التحالف، الحكومة «مســؤولية التحقيق في أحــداث )أمس( ومحاســبة المعتديــن»، داعيا، رئيس الوزراء الى «تبني ملف الاحتجاجات الشعبية بالتعاون مع البرلمان والقوى السياسية وسرعة وضع المعالجات، وانصاف المظلومين».

وحذر التحالف «من مغبــة التجاهل أو الالتفاف على صوت الشــعب»، ملمحا الى أن «ذلك يفاقم الأزمات وقد ينزلق بالبلد الى الفوضى».

كذلــك، أبــدى رئيــس لجنة الشــهداء والســجناء السياسيين النيابية عبد الإله النائلي، استغرابه من منع وصول حشود من المحافظات للمشاركة في التظاهرة.

وذكر، في بيان صحافي، «وردتنا معلومات تؤكد منع المتظاهرين القادمين في محافظات الوسط والجنوب إلى العاصمة بغداد لغرض المشــاركة في التظاهرة الكبيرة، ولكــن مع الأســف أغلقــت بوجههم الطــرق ووضعت المعرقلات من أجل عدم الوصول إلى بغداد».

وأضــاف: «نســتغرب من الإجــراءا­ت التــي قامت بها الحكومة تجاه هذه الشــرائح التــي جاءت تطالب بحقوقها الدســتوري­ة والقانونيـ­ـة، فضلا عن كون حق التظاهر والتعبير عن الرأي مكفولا دســتوريا وقانونيا ولا يجوز تقييده أو التصدي له.»

تعامل بمكيالين

وتابــع، أن «إجــراءات التضييق علــى المتظاهرين وســلبهم هذا الحق الجوهري بشــكل أو بآخر ما هو إلا اســتهداف آخر لهذه الشــرائح لمنعهم مــن مزاولة حق مــن حقوقهم التي أعطيت لشــرائح أخرى من الشــعب العراقــي ومــازال البعض منهــم يتمتعــون بالحماية لاعتصاماته­ــم وتظاهراتهم، وهذا ما يثير اســتغرابن­ا، إن الحكومــة تتعامــل بمكيالين تارة تســمح لشــرائح بالتظاهر وأخــرى تمنعهم بالرغم من أن الجميع خرجوا وفق الحق الدســتوري». وشــدد بالقول: «ما يحصل اليوم من منع الدخول إلى بغــداد للمتظاهرين القادمين من المحافظات ماهي إلا عمليات اســتهداف للمتظاهرين والتعــدي على حقوقهــم القانونيــ­ة ومخالفة صريحة للدستور، ويســتدعي من الدولة تدخلا عاجلا لمنع تلك الأعمال ولمحاســبة مــن منع المتظاهرين والســماح لهم بالدخول إلى بغداد لإكمال تظاهراتهم الســلمية للتعبير عن مطالبهم والاســتما­ع إليها لكون الحكومة هي الجهة المعنية بتحقيق المطالب وحل المشــاكل والمعرقلات التي تواجه أبناء شعبنا من مختلف الشرائح».

ودعا النائلي، حسب البيان، الحكومة إلى «الاستماع لأبنائها وخصوصا الشــرائح التي قدمت تضحيات من أجل هــذا الوطن ومازالت تقدم التضحيات في ســواتر الجهــاد وأن لا تضــع الحواجــز بينهما وتصــل الأمور لعواقــب لا يحمد عقباهــا ولا يتحملهــا وضعنا الراهن تحت الظروف الصعبة التي نواجهها من تحديات صحية واقتصادية وأمنية».

كذلك، نــددت كتلة حزب «الدعوة الإســامية» بمنع الحكومة العراقية وصول محتجين متضررين من إيقاف الرواتب المزدوجة إلى العاصمة بغداد.

وقال رئيس الكتلة، خلف عبد الصمد في بيان، «ندين بشدة ما تعرض له المتظاهرون من ضحايا البعث المجرم على يد بعض المحسوبين على القوات الامنية من اعتداء وقطع للطرق وتجاوز ممــا ينذر بخطر حقيقي ومؤامرة كبرى تحاك ضد هذه الشرائح المضحية».

وأضاف أن «الدســتور العراقي قد كفل حرية التظاهر الســلمي، وإن ما جرى مــع المتظاهرين من المشــمولي­ن بقانوني مؤسســة الســجناء السياســيي­ن والشهداء، شكل سابقة خطيرة بانتهاك الدســتور من قبل حكومة الكاظمي».

ونوه إلى أن «لا يمكن أن يكــون التعامل بازدواجية والكيل بمكيالين مع المظاهرات، ففي الوقت الذي يتم فيه توفير التسهيلات والسماح لشرائح وأطراف بالتظاهر وغض النظر عن الســلبيات التي ترافقها، فإن التعامل مع ضحايا البعث الســائرين نحو بغداد يكون من خلال العنف والقسوة والتضييق».

وزاد: «المشــمولو­ن بقوانــن العدالــة الانتقالية لا يمكن أن يكونــوا ضحية لســلوكيات خاطئة أو مواقف سياسية أو أجندات، ونطالب رئيس الوزراء بإيقاف ما يحصل بحقهم من انتهاكات وإحالة المسيئين والمتسببين بالتضييــق والاعتداء علــى المتظاهرين الــى التحقيق لينالوا جزاءهم العادل».

واختتم قائــا: «نغتنم الفرصة لنســاند المظاهرات الســلمية، ونؤكد على ضرورة المحافظة على ســلميتها وضبط النفس وعدم الانجرار وراء الفتنة».

إلى ذلك، أعلنت «المفوضية العليا لحقوق الإنسان» في العراق، فتح تحقيق بشــأن أحداث تظاهرات السجناء السياسيين ومنع دخولهم الى العاصمة بغداد.

وذكر بيان للمفوضية بأنها «تابعت، وبأســف شديد الأحــداث التــي رافقت تظاهــرات عدد من الســجناء السياســيي­ن ومنعهم من قبل القوات الأمنية من الدخول إلى محافظــة بغداد وممارســة حقهم الدســتوري في التظاهر السلمي».

وأضاف، أن «المفوضية تدين كافة أشكال منع وتقييد حرية التظاهــر والتعبير عن الرأي وتعــد ذلك انتهاكا صارخا لحقوق الإنســان والمعايير الدولية، وتؤكد بأن تحقيقاتها لازالت جارية وســوف تقــوم بتقديم تقرير مفصل إلى الجهات المعنية بعد إكمالها».

وطالبت الحكومة بـ«الســماح للمتظاهرين بممارسة حقهم في حريــة الرأي والتعبير وفقــا للأطر القانونية ومنع أي انتهاكات توجه ضدهم والاســتجا­بة لمطالبهم المشــروعة». كما طالبــت القــوات الأمنيــة بـ«تمكين المتظاهرين الســلميين مــن المطالبــة بحقوقهم بالطرق السلمية وحمايتهم».

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom