Al-Quds Al-Arabi

حرب البطيخ»... عنوان معركة الوجود بالنسبة للفلسطينيي­ن في الأغوار

- الناصرة ـ «القدس العربي» من وديع عواودة:

تتطابــق ألــوان البطيــخ: الأحمر والأســود والأخضر والأبيض، مع ألوان العلم الفلســطين­ي، وهو ما يعطي البطيــخ معنى رمزيــاً، لكنه اليوم يتعــرض لحرب إســرائيلي­ة فــي كل مراحله، من الزراعة إلى التســويق، خاصة في منطقة الأغوار المهدّدة بالضمّ، المعروفة ببيدر فلســطين لخصوبة تربتها وازدهار مزروعاتها.

وهذه فــي الواقع تتعدى الحــرب على البطيخ كونها حربا على الوجود.

وتشير دراســة جديدة لـ "مؤسســة الدراسة الفلسطينية" أن تقلص مساحة الأرض الفلسطينية الزراعية وســرقة مياهها يهــددان زراعة البطيخ على وجه الخصوص. ويســتذكر مّعد الدراســة فريد طعمة الله أنه خلال فتــرة الثمانينيا­ت كان الفلســطين­يون في الضفة الغربية بصورة عامة، وفي الأغوار الشــمالية بصورة خاصة، ينتجون نحــو 100.000 طــن مــن البطيخ ســنوياً، وكان موسم ســنة 1983 ذروة الإنتاج الفلسطيني منه. لكن هــذا الرقم أخــذ ينخفض بثبــات منذ مطلع تســعينيات القرن الماضي ولغاية سنة 2014 حين أعاد الفلســطين­يون الاعتبار لزراعــة البطيخ من جديد، وبــدأت كميات إنتاجــه بالتصاعد إلى أن وصل هذا العام إلــى 13.000 طن. وعلى الرغم من أن إنتاج هذا العام قياســي، إلا ان الكمية المنتجة منه لا تتجاوز ربــع الحاجات المنزلية الســنوية لاستهلاك البطيخ، بحسب معطيات وزارة الزراعة الفلسطينية.

وبينمــا تخطط حكومة الاحتــال لضّم منطقة غــور الأردن هــذا الصيــف، يواجــه المزارعون الفلســطين­يون فيها صعوبات كبيرة في تسويق منتوجاتهــ­م بصورة عامــة، والبطيــخ بصورة خاصة، بسبب السياسات الإســرائي­لية المتعمدة وغياب الحماية من جانب الحكومة الفلسطينية.

وتنوه الدراسة لقيام جيش الاحتلال بمصادرة أراضي المزارعين الفلسطينيي­ن وحرمانهم من المياه التي يتم تخصيصها للمستوطنين اليهود مجانا.

وحســب الدراســة قام المــزارع الفلســطين­ي ســليمان صوافطة، هذا العام بزرع نحو 60 دونماً من البطيخ في قرية بردلة الواقعة شــمالي مدينة بيسان في الأغوار، لكنه لم يستطع تسويق معظم المحصول الذي بقي في أرضه.

وعن ســبب امتناعه عن قطف المحصول، قال: "نضجــت ثمار البطيخ في موعدهــا، لكني لم أجد الصناديق اللازمة لتعبئتها، لأن جميع الصناديق كانت محجوزة للبطيخ الإســرائي­لي الذي يغرق السوق المحلية".

وبالمجمل تكبد صوافطة خســائر كبيرة تمثلت في تلــف 150 طناً مــن البطيخ، ويعــود ذلك إلى الانخفــاض المفاجــئ في الســعر بســبب إغراق السوق ببطيخ الاحتلال.

وعادة ينضج البطيخ في الأغوار الشمالية في منتصف شــهر أيار/ مايو، وهــو الوقت الذي تبدأ فيه الأسعار بالانخفاض بســبب اجتياح البطيخ الإسرائيلي من الدرجة الثانية والرخيص السوق الفلســطين­ية، في حين يُباع البطيخ الإســرائي­لي عالي الجودة في السوق الإسرائيلي­ة وبسعرٍ عالٍ.

يتحدث ســليمان بحزن وهو يقف في مزرعته وسط البطيخ التالف، فيقول: "بقي معظم البطيخ في الحقل، بينما تمكنت من بيع كمية قليلة جداً في الســوق، ففي حين كانت تقديراتنا أن يكون سعر الكيلو ثلاثة شــواقل، انخفض فجــأة إلى أقل من شيقل واحد بسبب غزو البطيخ الاسرائيلي".

من جهته، يؤكد مقبل أبو جيــش، مدير دائرة إعادة تأهيل الأراضي في لجان الإغاثة الزراعية، أن هــذه سياســة متعمدة من ســلطات الاحتلال الإسرائيلي.

ويعتقــد أن الإســرائي­ليين يغرقون الســوق بالبطيــخ لأنهــم يريــدون تشــريد المزارعــن، وخصوصــاً عندما يرون أن العديــد من المزارعين الفلســطين­يين قد عادوا لزراعة المناطق الحدودية المستهدفة في وادي الأردن، موضحا أنه تم إحياء زراعــة البطيــخ فــي شــمال وادي الأردن قبل 7 ســنوات، وهي تُزرع الآن على طول الحدود، الأمر الذي يســاهم في الحفاظ على هــذه الأراضي من المصــادرة والضم، وهذا هو ســبب إعلان الحرب على البطيخ الفلسطيني.

تهجير المزارعين

ورغم أن نهر الأردن يوفر لإســرائيل ما يقدر بـ 450 مليون متر مكعب ســنوياً، إلا أن الفلسطينيي­ن في الأغوار محرومون من الوصول إلى مياهه.

ويقول المزارع سليمان إن السلطات الإسرائيلي­ة "أبرمــت اتفاقيــة مــع فلاحــن فلســطينيي­ن في الماضي تنص على عدم اســتخراج المياه من الآبار الارتوازية فــي القرية في مقابل قيام الســلطات الإسرائيلي­ة بمنحهم المياه بسعر مخفض جداً".

ويضيــف: "بعد أن نفــذ الفلاحــون الاتفاقية وتوقفوا عن اســتخدام آبار الميــاه الخاصة بهم، بدأت سلطات الاحتلال بالتدريج بتقليل كمية المياه الممنوحة لهم وتعريض زراعتهم للخطر".

وحسب أبو جيش، فالهدف من هذه الاتفاقيات الموقعة سنة 1976 مع سكان التجمعات الفلسطينية في الأغوار، جعل المزارعين يعتمدون على شــركة المياه الإسرائيلي­ة ليصبحوا تحت رحمة الاحتلال، وهو علــى ثقة تامــة بأنه ســيأتي اليــوم الذي ستتوقف فيه إسرائيل عن تزويد المزارعين بالمياه لإرغامهم على المغادرة.

ويضيف أن أداة أُخرى تســتخدمها السلطات الإســرائي­لية لإبعاد الفلســطين­يين عن أراضيهم الغوريــة، تتمثــل في إعــان الأراضــي مناطق عسكرية ومنع المزارعين الفلسطينيي­ن من زراعتها. ومن الأمثلــة لذلك منطقة "الســاكوت" التي ظلت على هــذه الحال على مــدى 38 عاماً، وقبل ســت سنوات نجح أصحاب الأراضي الفلسطينية - بعد ســنوات عديدة من المحاولة - فــي الحصول على قرار من المحكمة بإلغاء الحظر. ومع ذلك، ســمحت السلطات الإســرائي­لية بزراعة المحاصيل البعلية فقط، وحظــرت المحاصيل المرويــة، وهو ما جعل الزراعة شبه مستحيلة في منطقة شديدة الحرارة والجفاف.

غياب الحماية للمزارعين الفلسطينيي­ن

وطبقا لمؤسسة الدراسات الفلسطينية يشعر المزارعون الفلسطينيو­ن بأنهم متروكون وحدهم في مواجهة سياســات الاحتلال الشرسة، بينما يحظى المزارعون الإسرائيلي­ون بحماية سلطات الاحتلال ودعمهــا، الأمر الذي يجعل المنافســة غير عادلة وغير متكافئة بين المزارع الفلســطين­ي

والإســرائ­يلي، منوهــة الــى أن الســلطات الإســرائي­لية تخصص الأراضي الزراعية مجاناً للمزارعين اليهــود في المســتعمر­ات، وتزودهم بالمياه المجانية والأســمدة والمبيدات الحشرية، وفي الوقت نفســه تعوضهم عن أي خســارة أو ضرر قد يصيب محصولهم.

ويؤكد محمد الفايز، مزارع بطيخ فلســطيني من قرية عــن البيضا في الأغوار الشــمالية، أن "البطيخ الفلســطين­ي أفضل بكثيــر من البطيخ الإســرائي­لي من حيــث الجودة، لكــن لا توجد حماية على الإطلاق من الإغراق المتعمد للســوق الفلســطين­ية بالبطيخ الإســرائي­لي". ويضيف "المزارعــو­ن الإســرائي­ليون فــي المســتعمر­ات المجاورة يتلقون الدعم والحماية بشكل كبير من ســلطات الاحتلال، وهذا يمكّنهم مــن بيع المنتج بسعر منخفض في الســوق الفلسطينية وهو ما يجعلنا كمزارعين فلســطينيي­ن غير قادرين على المنافسة".

من ناحيته، يعتقد أبو جيش أنه "إذا أردنا منع ضم غور الأردن، فيجب أن نعزز صمود المزارعين الفلســطين­يين، وبالتالــي يجــب منــع البطيخ الإسرائيلي من دخول السوق الفلسطينية، على الأقل خلال فترة الموســم مــن 15 أيار/مايو إلى منتصف شــهر حزيران/يونيو، لتمكين المزارعين الفلسطينيي­ن من تسويق منتوجاتهم".

وزارة الزراعة تعترف

تعتــرف وزارة الزراعة الفلســطين­ية ممثلة بالوكيل المســاعد للقطاع الاقتصادي طارق أبو لبن، بأنــه رغم قرارات الحكومات الفلســطين­ية المتتالية بمنع اســتيراد البطيخ من المستعمرات، فإن هذا لا يزال قائماً، لأن بعض التجار والموردين

لديهــم علاقــات تجاريــة مــع الإســرائي­ليين، ويقومون بتهريبــه إلى الســوق المحلية، لكنه يؤكد أن الوزارة لم تصدر أي تصريح باستيراد البطيخ إلى السوق الفلسطينية.

ويرى أن فشــل الــوزارة في ضبط الســوق يرجــع إلى غياب الســيطرة الفلســطين­ية على مداخل المدن والمناطق "ج" بسبب وقف التنسيق الأمني وحالة الطوارئ، إضافة إلى نقص الكوادر البشرية بسبب أزمة فيروس كورونا.

ووصــف أبــو لــن الحملــة الإســرائي­لية بأنهــا "حرب البطيخ"، مشــيراً إلــى أن الخطة الإســرائي­لية لضم وادي الأردن قد بدأت بالفعل على الأرض، وأن الفلاح الفلســطين­ي ســيكون الضحية الأولى.

وبسبب خسارته الكبيرة، فإن المزارع سليمان صوافطة - مثل كثيرين غيره - لن يعود لزراعة البطيــخ مرة أُخرى، وهــو ما يعني أنــه إمّا أن يتحول إلى عامل في إحدى المستعمرات الزراعية الإسرائيلي­ة المجاورة، أو يهجر الريف وينتقل إلى العمل والعيش في إحــدى المدن. وفي الحالتين، فهو ســيترك أرضه لتصبح فريســة سهلة أمام احتمال ضمها إلى إحدى المســتعمر­ات المجاورة، وهو بيت القصيد للسياســات الإسرائيلي­ة على مدار سنوات الاحتلال.

وتنــوه الدراســة أن العديد من المســتهلك­ين الفلســطين­يين يريدون وبشدة شــراء البطيخ الفلسطيني، لكنهم لا يســتطيعون العثور عليه في الأسواق.

إلهام هشــام، ربة بيت فلسطينية تعيش في رام اللــه، تقول: "أبحث باســتمرار عن البطيخ الفلســطين­ي في الســوق، لكن للأســف معظم البطيخ المتوفر في السوق هو إسرائيلي، ولا أريد أن أشتريه. ومن أجل التغلب على هذه المعضلة،

نظم متطوعون محليون حملات شعبية لتسويق بطيخ الأغوار في المدن الفلســطين­ية بهدف دعم صمــود المزارعين في الأغوار مــن جهة، وإتاحة المجال للمواطنين لشراء البطيخ الفلسطيني من جهة أُخرى".

ويوضــح مراد ســرطاوي، أحــد المتطوعين فــي حملة "حكــي القرايا" ومجموعة "شــراكة" التطوعية، إنهــم نجحوا في تســويق نحو 30 طناً من البطيــخ الفلســطين­ي للمواطنين، وهو ما ســاهم في لفت الانتباه إلى معاناة المزارعين الفلســطين­يين في الأغــوار، وتشــجيع جهات تطوعية أُخرى على القيام بهذا العمل، والنتيجة دعم المزارعين الفلســطين­يين وتشــجيعهم على البقاء في أراضيهم وفلاحتها لجعل الزراعة ذات جدوى اقتصادية لهم.

في المقابل تعتبر الدراسة مثل هذه المبادرات الشعبية ذات أهمية رمزية ومعنوية عالية، لكنها طبعاً ليست كافية لتكون بديلاً من الجهد الرسمي الذي يجــب أن تقوم به الجهات المختصة لحماية المزارع، وتشجيعه للبقاء في أرضه بصفته خط الدفاع الأول في مواجهة مخططات الضم.

وفي هذا الإطار، يعتبر المــزارع محمد الفايز، أحد المزارعين المســتفيد­ين من حملة التسويق، أن الحملــة نجحت في تحســن ســعر البطيخ الفلســطين­ي، وكذلــك في لفــت الانتبــاه إلى معاناتهــم كمزارعين، وهــذا أعطــاه بارقة أمل تجعلــه يتحمس لزراعــة أرضــه بالبطيخ مرة أُخرى في السنة المقبلة.

وداخــل أراضــي 48 يواجــه الفلاحــون الفلســطين­يون المشــاكل ذاتها، كما يؤكد المزارع نبيل نحلة لـ "القدس العربي"، منوها لاضطراره لترك بعض مقاثيــه وإبقاء البطيــخ في أرضه لعدم وجود تســويق وصعوبة منافسة البطيخ الإســرائي­لي، موضحا أن البطيخ الفلســطين­ي البلدي يتفوق على البطيخ الإســرائي­لي بمذاقه، لكنه لا يجد فرصة للمنافسة معه بسبب تضييق الخناق وفقدان الرعاية الرسمية.

يشار الى أن هناك عدة أنواع من البطيخ، وفي فلسطين التاريخية اشتهرت عدة مناطق بزراعة البطيخ منها ســهول وادي الحوارث، التي كانت تنتج كميات كبيرة يصــدر معظمها لمصر ولبنان عبــر البحر بعــد تركيزها بعــدة موانئ خاصة مينــاء أبو زابــورة أو ميناء الطنطــورة. كذلك اشتهر سهل البطوف في الجليل بزراعة البطيخ البلدي، عــاوة على زراعته في مــرج بن عامر الممتد من بيسان إلى حيفا.

أحمر على السكين يا بطيخ

وتوضح خبيرة التغذية ســهير ســلمان منير لـ "القدس العربي" أن البطيخ فاكهة حلوة المذاق، بوظة طبيعية في الصيــف، فوائدها جمة وتطفئ العطش، وقيمتها الغذائية عاليــة. منوهة أن كل 100غرام من البطيخ الأحمــر يحتوي على 30 ســعرة حرارية، 1 غرام ألياف غذائية، 10 غم سكر وغرام بروتين، وهو خال من الدهون والكوليستر­ول. كما تشير لاحتوائه على عدة فيتامينات ومعادن مثل الحديد والكالسيوم والمغنيســ­يوم، والبوتاسيو­م، والفســفور، والزنك، والفلورايد، والسلينيوم.

 ??  ?? الفلسطينيو­ن يعيدون الاعتبار لزراعة البطيخ من جديد
الفلسطينيو­ن يعيدون الاعتبار لزراعة البطيخ من جديد

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom