Al-Quds Al-Arabi

«القدس العربي» تواكب آخر موسم لحصاد القمح في غزة... «الدلعونا» وحكايات الأجداد والمناجل في أيادي الشبان

- غزة ـ«القدس العربي» من أشرف الهور:

عند نقطة تقع أقصى الحدود الشرقية لمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، يقف المزارع جلال أبو طعيمة، يراقب جمعا من الشبان اســتقدمهم لحصاد محصول القمح، الذي زرعه قبل أشــهر، وقد أصفر عوده الآن ، وبات يشابه لون الذهب.

لكن الرجل الســتيني يشــتكي من أن أرضه التــي تمتد على مساحة عشــرين دونما، لم تأت بما كان يتوقعه وأسرته، بسبب عدة عوامل أهمها الاحتلال.

وعلى أمــل إطعام أهــل بيته مــن القمح بعــد ذره وطحنه، وبيع مــا يفيض عن حاجة الأســرة، وإطعام ماشــيته من بقايا الســنابل، يترقب هــذا المزارع انتهــاء رحلة الحصــاد من ألفها إلى يائهــا، ويقول إنه قد يضطر في خضــم العمل وفي أي لحظة لأن يتــرك الأرض هو وعمالــه، ويفروا إلى منطقــة أكثر أمنا في بلدته "خزاعة"، وهــي إحدى قرى محافظــة خانيونس القريبة من الحــدود، إذا ما تعرضت المنطقة كالعــادة لتوغل بري لقوات الاحتلال، يطلق فيهــا الجنود النار على نحو عشــوائي ليرعب الفلاحين، مما يهدد حياتهم بالخطر.

هواجس الخوف تتحكم بالمزارع

ويقول أبو طعيمة الذي التقته "القدس العربي"، في أواخر أيام الحصاد، إنه أجل الحصاد ليومين بسبب عمليات عسكرية لجيش الاحتلال قرب أراضيهم الزراعية، ويشير أيضا إلى تأخير حصاد أرضه حتى يجف أكثر عود القمح، مشــيرا إلى أن السنابل ضعف حملها هذا العام، بسبب برودة الشتاء القاسية.

والمزارع ابو طعيمة هو خريج إحــدى الجامعات المصرية عام 1980، وعمل سابقا في إحدى دول الخليج، قبل أن يقرر منذ عقدين من الزمن العودة إلى أرضه لفلاحتها والكسب من خيراتها.

ويشــير إلى أن المــزارع تحديدا في غزة، لا يعــرف ما تخبئ لــه الأيام، كما يشــير الــى أرض قريبة من أرضه وقــد ارتفعت أشــتال الزينون فيها لنحو المترين، ويقول "هذه الأرض ملك لي ولأخوتي، كانت مزروعة بأشــجار زيتون معمــرة، لكنها جرفت خلال عملية عسكرية لجيش الاحتلال".

وبات ذلك الحقل بحاجة لعدة ســنوات لينتح زيتونا وزيتا، يدر دخلا على أسرة أبو طعيمة، لكنهم جميعا يخشون من هجوم إسرائيلي جديد، يعيدهم إلى نقطة الصفر، حيث تبعد تلك الأرض أقل من كيلو متر عن السلك الحدودي الفاصل عن إسرائيل، حيث تظهر الإحصائيات الرسمية تدني عدد العاملين في مهنة الزراعة خلال السنوات الأخيرة بسبب اعتداءات الاحتلال.

وفــي أرضه الصفراء بلون ســنابل القمــح، اصطف جمع من الشبان الذين استقدمهم لإنجاز عملية الحصاد، اثنين اثنين يحمل كل منهما بيده منجلا، يقصون به أســفل السنبلة، ويضعون تلك السنابل بشكل عكسي، في طريقة تضمن تشابك السنابل، وتمنع تطايرها لو هبت رياح، قبل نقلها إلى التذرية والطحن.

الأغاني الشعبية تبدد التعب

وجوه أولئك الشــبان وأكبرهم في مطلــع الثلاثينات تروى قصصا كثيــرة، يدلل عليها ذلك العرق الذي يتصبب من جباههم، ويتساقط على تلك الأرض.

ويقول جميل أبو طعيمة، بعد أن جلس ورفاقه لدقائق معدودة أراحوا فيهــا أيديهم وأقدامهم، حيث يضطرون للتحرك بالمشــي على ركابهم خلال حصاد السنابل، إنه يتعلق بموسم الحصاد منذ نحو عشــرين عاما، حين كان يذهب وهو طفل برفقة والده وجده إلى تلك الأرض، ويشير بلغته العامية "هذا الموسم بيلم العيلة".

ويقــول أبو طعيمــة إن القمح يزرع في شــهر ينايــر/ كانون الثاني، ويحصد في شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز، عندما يكون القمح قد جف ويسهل طحنه.

وعن التعب يقول أنه يزول بالقصص وبالأغاني الشعبية التي يرددوها نقلا عن الآباء.

ويســمع خلال العمل شــابا يــردد أغاني تراثية مــن أغاني الدلعونا، فيما يردد بقية الشــبان خلفة الكلمات بصوت مرتفع، وتتعالي بين الحين والأخر ضحكات تخــرج بعفوية، وصيحات أخرى فرحا حين ينجز جمع الشبان كمية من الحصاد.

وتتشابه قصة هذا الشــاب مع حكايا رئيسهم في العمل، وهو شــاب في بداية الثلاثينيا­ت، واسمه عمر، الذي بانت على وجهه قســوة الحياة، ويقول إنه اضطر بعد إكمال الدراســة الثانوية، للتوجه للعمل في الزراعة لتوفير المال لأسرته.

ويوضــح ان حاله كحال بقية العمــال الذين يجمعهم برفقته

فترة الحصاد، ويتنقلون من حقل لآخر، طلبا لكسب الرزق.

ويضيــف لـ "القــدس العربــي" "الوضع مش مســاعدنا، يا الدراســة يا العمل، والظروف المعيشــية صعبة"، ويشير إلى أنه بالكاد يوفر قوت يومه وأسرته.

في دقائق الراحة التي يترك فيها الشــبان مناجلهم، يهرعون إلى زجاجات الماء والعصير التي جلبها صاحب الأرض، يشربون منها بنهم، ويصبون كميات من المياه الباردة على وجوههم، علها تخفف عنهم شيئا من حر الصيف، لكن جميعهم يقولون إن التعب يذهب عندما يصلون منازلهم في ســاعات المساء، وقد حملوا في جيوبهم أجرة يومهم.

وحســب أرقام وزارة الزراعة، فإن المساحة الإجمالية للأرض التي زرعت بالقمح الموســم الحالــي 12850 دونما، وأعطت 4062 طنا من الإنتاج.

وفي مــكان قريب من حقــل القمــح، اصطحبنا المــزارع أبو طعيمة إلى مزرعة تقتــرب أكثر من منطقة الحــدود، فهناك يرى الســياج الفاصل بالعين المجردة، ويمكن رؤية الآليات العسكرية الإسرائيلي­ة التي اعتادت على تنفيذ الهجمات وعمليات التوغل.

مبيدات إسرائيلية تفسد المحصول

زرعت هناك على مســاحة واســعة فاكهة الشمام، التي تلاقي قبولا مــن غالبية المواطنين، فــي تلك المزرعة يظهر بشــكل أكثر جمال تلــك المنطقة الزراعيــة، التي تعد الســلة الغذائية الأولى لســكان قطاع غزة الســاحلي المحاصر، لخصوبــة أرضها. هناك اكتســت الأرض بحلة خضراء، هي لون أوراق المحصول الوفير، لكن صاحبها أحمد النجار، يقول إن الموسم هذا العام يوفر بالكاد مصروف أسرته، دون أن يبقى شيء لأيام مقبلة.

ويوضح النجــار أن وفرة المحصول رافقهــا وضع اقتصادي ســيىء في غزة، أجبر المــزارع على خفض ثمن الشــمام، وذلك لصعوبة الوضع الاقتصادي الحالي في غزة، ولعدم وجود عملية تصدير تضمن وصــول المحصول إلى دول عربيــة أو إلى الضفة الغربية. ويقول إن أرضه الزراعية وأرض جيرانه تضررت كثيرا في موسم فلاحة الشتاء، ما كبدهم خسائر مالية، لم يتمكنوا حتى اللحظة من سدادها.

ويشير إلى أن محال بيع السماد والبذور لها ديون كثيرة على المزارعين، الذين كانوا يأملون بســدادها من محصول الشــتاء، الذي دمر بســبب قيام طائــرات رش إســرائيلي­ة بإلقاء كميات كبيرة من المواد الســامة فوق تلك المنطقة، وهو ما أدى إلى إتلاف المحصول بالكامل.

ولا يعــرف هذا المزارع كما يقول، أي مهنــة غير مهنة الزراعة، التــي ورثها عن عائلتــه، وقد نظر بألم إلى أرضــه ليضيف "لمين أتركها، لو بطلت أزرعها".

وقبيل موســم حصاد محاصيل الشــتاء، وتحديدا في شــهر فبراير/ شــباط الماضي، قامت الطائرات الإسرائيلي­ة وعلى مدار عدة أيام، برش المزارع الشــرقية لقطاع غــزة بالمبيدات، فكبدت أصحابها خســائر فاقت المليــون ونصف مليــون دولار، وقبلها فتحت سدودا لتجميع مياه الأمطار، لتغرق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية بالمياه، ما أدى إلى تدميرها بالكامل،

ووقتهــا أكدت تقاريــر حقوقية أن الســلطات الإســرائي­لية تستخدم مبيدات ذات تأثيرات خطيرة في منطقة السياج المحيط

بقطاع غزة، لمنع النباتات من النمو، وإبقاء المنطقة فارغة، بحجة مراقبة تلك المنطقة بشــكل جيد. وعقب تكرار تلك العملية، أعلنت وزارة الزراعــة تلك المناطق بأنها "مناطــق منكوبة"، ووصفت ما حصل بـ "الجريمة"، حيث تضرر وقتها أكثر من ألفي دونم، وتكبد خلالها المزارعون خسائر فاقت المليون دولار أيضا.

وســنويا يتكبد المزارعون خاصة مالكي المــزارع القريبة من الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، خسائر مالية كبيرة تقدر بملايين الدولارات، بســبب الاعتداءات الإسرائيلي­ة، وإجراءات الحصار المشــدد الممتد منذ 14 عاما، الــذي يحرمهم من التصدير بالشــكل المطلوب، ويحول دون حصولهم على العديد من أنواع السماد التي تنمي محاصيلهم.

وقــد قــدرت وزارة الزراعة فــي غزة الخســائر التي لحقت بالمزارعــ­ن في الحرب الاخيرة التي شــنتها إســرائيل ضد غزة صيف عام 2014، بـ 550 مليون دولار.

 ??  ?? موسم حصاد القمح في غزة
موسم حصاد القمح في غزة

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom