Al-Quds Al-Arabi

حنين أردني لـ«السيادي والعسكري» في إدارة «أزمة كورونا» بعد تزاحم «النصوص» والميكروفو­نات

- عمان- «القدس العربي» من بسام البدارين:

يؤســس مســؤول خليــة «الأزمــة» وممثل المؤسســة العســكرية فــي الاشــتباك الأردني المســتجد مع الفيــروس كورونا لتلــك المفارقة الوطنية والسياسية بامتياز.

فعلهــا العميد مــازن الفراية، رجل مؤسســة الجيــش فــي مركــز الأزمــات، وعلى أســاس «خيرالــكلا­م ما قــل ودل» و«الجيــش لا يتحدث إلا كلمتــن وبلغة حاســمة وواضحــة». ويغيب الضابط المعني عن المشهد الإعلامي لأيام طويلة، وأحيانــاً لأســابيع، ويتجنــب أي مزاحمة على «ميكروفــون الحكومة» وبالنتيجــ­ة لا تلعثم ولا تردد ولا مســاحات غامضة، وجملة استراتيجية تكتـيكية لا تقـبل الالتـباس ومباشـرة للغاية، ثم ترك الكاميرات لأصحابها من الـوزراء ولغيـرهم.

تقرر الحكومة حظــر التجول التام في منطقين في الأغوار ولأســبوعي­ن، فيتحدث العميد فراية عن القرار فــي جملة مختصرة في مؤتمر صحافي وعلى طريقة.. «أهلنا الكرام.. سنغلق المنطقتين.. نحن معكم ولكم، وسنزودكم بكل الاحتياجات». لاحقــاً، يبتعــد العميــد عــن المســرح ويتركه للآخـرين.

وزير الصحة ســعد جابر مجدداً يطيل جملته ويفتي في السياسة والاقتصاد.

ولاحقاً، وزير النقل خالد سيف يطلق تصريحاً عصياً علــى الفهم بخصوص آليــات جديدة في قطاعات النقل والمطارات ووقف الحجر المؤسسي دون أن يبلغ الناس بالإجابة عن السؤال التالي: متى ســتدخل القرارات الجديدة حيــز التنفيذ؟ حتى بيروقراطي أردني كان للتو قد غادر موقعه ســأل أمام «القدس العربي»: عن مــاذا يتحدث وزيرنا الشاب للنقل؟

فــي خلف المشــهد، وزيــر الأوقاف الشــيخ محمد خلايلة فجأة يحــاول «تبرير» قرار إغلاق المســاجد، فيســأل برلمانياً كبيراً هو خليل عطية مجدداً أمام «القدس العربي»: لم تسجل إصابات كورونــا فــي المســاجد، والمصلــون ملتزمون -باعتراف الوزارة- بالتباعــد والوقاية.. لماذا تحرمون الوطــن من «دور المســجد» في الوعظ والإرشاد الوبائي؟

الخلايلــة، ودون ســابق إنــذار، تحدث عن «إصابة إمامين لمســجدين» بالفيروس، لكنه لم يقــل متى وأين ومن هما، ثم تغــرد لجنة الأوبئة بعبــارة واضحة مقتضاها.. «قــرارات الحكومة الأخيرة بخصــوص إغلاق المســاجد والمطاعم والمقاهي والمدارس ليست بتوصية من الأوبئة.»

«أمر الدفاع 16»

فجــأة أيضــاً، وبعــد الإعلان عن تســجيل أعلــى معدل إصابــات بعدد 271 حالــة في يوم واحــد، يصــدر رئيس الــوزراء تعميمــاً وأمراً جديداً للدفاع. ومضمــون تعميم الرزاز يخاطب الوزراء والموظفين.. «البسوا الكمامات وامتثلوا كالمواطنــ­ن.. وســيفتش عليـــكم المتســـوق الخـفي».

أمر الدفــاع الجديد للرزاز يحمــل الرقم «16» وفيه عقوبات مغلظة على الجميع، تبدأ بســجن لثلاثة أشهر وأحياناً لعام، ثم غرامات مالية تبدأ من «1000» دينار في مجتمع فقد غالبية مدخراته المالية ووصلت البطالة فيه -كما يؤكد المستشار الاقتصادي محمد رواشــده لـ«القدس العربي» أيضاً- لنحو 30 وأكثر.

وهو المجتمع نفســه الذي تقول حكومته علناً بأن عدد تلامذته الذين نقلوا أولادهم من مدارس خاصة لمدارس حكومية وخلال شــهر واحد على الأقل بلغ أكثر من 61 ألف تلميذ.

هؤلاء الفقراء والبسطاء، وبعد ذوبان الطبقة الوســطى، ســيفرض عليهم أمر الدفاع الجديد عقوبــات ماليــة ضخمة فــي حال عــدم ارتداء الكمامة، وأحياناً في حال «المصافحة».

نصــوص أمر الدفــاع الجديــد غامضة، ولم تُشــرح للناس، وحتى بعض الوزراء همسوا في أذن «القدس العربي»..«لــم نفهمها»؛ لأن النص الجديد بكل بســاطة لم يحــدد علاقته بمضمون أمر الدفاع رقم «11» الذي يتضمن بدوره سلسلة عقوبــات مماثلة على الكمامــة والقفازات وعدم التباعد.

يسأل سياسي عريق من وزن الدكتور ممدوح العبادي: لمــاذا لا نطبق مضمون أمر الدفاع الأول «يقصد 11 »؟

تعــرف الحكومة - لو توفــرت لها فعلاً خبرة المعرفــة - أن الســلطات لن تجد أردنيــاً واحداً اليوم في جيبه «1000» دينار يدفعها غرامة عدم لبــس الكمامة. وتعرف أن «الســجن» أوفر على الأردنيين ويريحهم، لأن تكلفة الســجين الواحد على الخزينة باعتراف الســلطات تزيد عن 1000 دولار شهرياً.

طبعاً، خلافاً لعدم وجود ســجون كافية يمكن أن تكفي فعلاً عدد المخالفين المحتملين لأمر الدفاع رقم «16» الذي بالمناســب­ة لم يشرح أصلاً للناس ولا يفهمه الوزراء، فالسجون اليوم فيها 10 آلاف سجين على الأقل فوق طاقتها الاستيعابي­ة.

ومــن تلتقطهم أجهــزة القانــون المكلفة في الشــوارع كمخالفين لأوامر الدفاع يحشرون معاً على رصيف بانتظار وســيلة نقــل أمنية تنقلهم للمراكز وبدون شــروط تباعد.وفي الأثناء يقرر صاحــب المبادرات المتعددة، وزيــر العمل نضال بطاينة، المشاركة في الحفلة فتصدر عنه تعليمات أيضاً غير مفهومة مــا دام «الزملاء» يكثرون من القــرارات ويغيرونهــ­ا ثم يتراجعــون عنها ثم يعودون لها هكذا وبدون نضج بيروقراطي.

الطريق نحو الحفلة

وفــي الطريق نحــو الحفلة نفســها المترددة والمتقلبة بيروقراطياً، يبلغ مسؤولون في إحدى الــوزارات بعض الشــخصيات بما يلــي: «قرار إغلاق المطاعم ودور العبادة والمدارس استعرناه

من توصيات مؤسسة أمريكية».

ما نريد أن نقولــه، باختصار، إن ذلك الزحام الوزاري ينتج عنه مزيد من الارتجال والنصوص الهائمة والمتعاكسـ­ـة والقرارات غيــر المفهومة. والمفارقــ­ة أنه لم يعد من الممكــن إخفاؤها وتبرر «حنين وشــوق» الأردنيين للاشــتباك الإيجابي مع الأزمة عندما كانت القوات المســلحة شــريكة في إدارة التفاصيل أو تديــر معظمها، خصوصاً أن الحكومة نفسها لا تجد الآن «أي منجز حقيقي» تتحدث عنه إلا «النجــاح في احتواء الفيروس» في بداية أزمتــه.. حيث كان العســكر يديرون، بالشــراكة مع الوزراء، خلايا الأزمة وبانضباط رفيع.

يحصل ذلــك طبعــاً لأن ممثلــي الجيش إما يعملــون بصمــت وبآليــة قــرارت «عمودية» واضحــة ومنتجة وســريعة وفعالــة بعيداً عن زحام الميكروفون والكاميرات، أو يحرصون على «المهنية» وبلا أخطاء تذكر خلافاً للحكومة.

ويحصل لأن رئيس الوزراء «اشــتكى» يوماً من «زحام مفتــرض» يعيق حكومتــه «المبدعة» فــي غرفــة عمليــات الأزمــة، فترك لــه الخيار والدور والصلاحيات وابتعد العسكر عن طريق الحكومــة، على أمــل أن تقــوم بواجبها فنتجت مشاهد التخبط والعشــوائ­ية وتعدد المرجعيات الوزارية. وحنين بعض وزراء العمق في الحكومة والشــارع والعديد من المؤسسات والشخصيات لآليات المواجهة في بدايــات أزمة كورونا يبرره الشوق مجدداً وشــعبياً لخيارات «السيادة» في الدولة الأردنية الأعمق.

فهل يكــون الثلاثاء المقبل فعــاً هو يوم آخر اجتماع لمجلس وزراء الرزاز بتركيبته الحالية؟.. ننتظر قليلاً قبل الإجابة.

 ??  ?? العميد مازن الفراية
العميد مازن الفراية
 ??  ?? وزير الأوقاف الشيخ محمد خلايلة
وزير الأوقاف الشيخ محمد خلايلة
 ??  ?? وزير النقل خالد سيف
وزير النقل خالد سيف

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom