Al-Quds Al-Arabi

أطفال «الدولة» يخلّفون انقساماً بين الإيزيديين: رفضٌ مجتمعي وأمهات يتمسكن بصغارهن

- بغداد ـ «القدس العربي»:

تجري مجموعة من النساء الإيزيديات اللواتــي هربــن مــن قبضــة «الدولــة الإســامية» منــذ عــدّة أيــام جولة في العاصمة العراقية بغداد، للقاء الرئاسات الثــاث والمســؤول­ين العراقيــن، بهدف تشــريع قانون يضمن حقوقهن، جراء ما تعرضن له من ممارسات إجرامية على يد التنظيم.

وأعلن النائــب عن المكــون الإيزيدي صائب خــدر، تفاصيــل اللقــاءات التي أجرتها الناجيات مع الرئاسات العراقية، مشــيرا إلى أن الناجيــات يحثن البرلمان العراقي على تشريع قانونهن.

وقــال في مؤتمــر صحافــي عقده في مبنــى البرلمان بحضور عدد من النســاء الإيزيديات، إن «سلســلة مــن اللقاءات أجريت من قبــل الناجيات حول جملة من القضايا التي تخــص الناجيات وضحايا الإيزيديين».

ولفــت إلــى أن «الناجيــات أجريــن مجموعة من اللقاءات لحث الكتل لتشريع قانون الناجيات الإيزيديات» موضحا أن «هناك أكثر مــن ثلاثة ألف ناج وناجية لم يستلموا أي حقوق».

القصاص والتعويض

وشــدد على «ضــرورة أن تكون هناك محاســبة لمرتكبي الجريمــة والقصاص منهم وتعويض عوائــل الضحايا» داعيا مجلس النواب إلى «حســم تشريع قانون الناجيات بشــكل ســريع وتنفيذ الوعود التي قطعها السياسيون للناجيات».

وكان عــدد من الناجيــات الإيزيديات أجرين لقــاءات مــع الرئيــس العراقي برهم صالح ورئيســي الوزراء مصطفى الكاظمــي، والبرلمان محمد الحلبوســي، وتركزت اللقــاءات على تشــريع قانون الناجيات الإيزيديات المرســل من رئاسة الجمهورية إلى البرلمان.

ونفذ تنظيم «الدولة الإسلامية» جرائم قتل جماعية طالت كبار الســن والشباب من أبناء المكون الإيزيــدي، عندما اجتاح قضاء سنجار غربي الموصل، مركز نينوى شــمالي العراق في الثالث من أغسطس/ آب عــام 2014 واختطف أكثــر من 5 آلاف شــخص أغلبهم مــن الأطفال والنســاء والفتيات اللواتي اقتدن سبايا وجاريات للاستعباد الجنسي والتجارة في أسواق للنخاســة افتتح بعضهــا داخل الأراضي السورية.

وأكد مكتب إنقاذ المختطفات والمختطفين الإيزيديين في إقليم كردســتان، أن العدد الكلي للمختطفين والمختطفــ­ات الذين لم يتم تحريرهــم حتى الآن بلــغ 2887 من بينهم 1308 أنثى، و1579 من الذكور.

«تخلصت منه»

«تخلصــت منه، لأنه مــن أب مغتصب ينتمــي لتنظيــم الدولة الإســامية وأم إيزيديــة تعرضت للاغتصــاب من قبل 5 أشــخاص على مدار ست سنوات متتالية دون أن يعــرف من هو والــده الحقيقي» هكذا تســرد الناجية الإيزيدية ســوزان ســمو )19 عاما( قصتها بعد تحريرها من إحدى العائلات التابعة لأحد أمراء تنظيم «الدولــة» فــي مخيم الهول الــذي يأوي عشرات الآلاف من الإيزيديين والنازحين وأفراد عائلات مقاتلي «الدولة» في سوريا بعد دفــع مبلغ قدره 20 ألــف دولار لأحد المهربين من قبل عمها.

وكانت سوزان قد اختطفت مع ثلاث من شقيقاتها ووالديها واثنين من إخوانها في أغسطس/آب 2014 من قبل عناصر تنظيم «الدولة» ولا تعرف مصيرهم حتى الآن.

وتقول ســوزان لموقــع «الجزيرة نت» إنها اضطرت لترك رضيعها قبل اجتيازها الحدود العراقية السورية خوفا من رفضه من أهلهــا ومجتمعهــا بعــد أن كانت قد أنجبت طفلا آخر عام 2015 وأخذ منها بعد شهر من ولادته.

ويعاني عشرات الأطفال المولودين من آباء ينتمــون لتنظيم «الدولــة» وأمهات إيزيديات ناجيات أصبحن ضحية أعراف المجتمع الإيزيدي الرافض لهؤلاء الأطفال، ليكون المجهول هو مصيرهم.

وتقف عــدة أســباب أمــام الإيزيدي لرفض أطفال الناجيات، أبرزها ما يتعلق بالعادات والتقاليــ­د الدينية والمجتمعية، كما ينظر إلى هؤلاء الأطفال أنهم يشكلون خطرا ونقطة سلبية على المجتمع الإيزيدي في المستقبل.

ويبقــى الطفل من هــؤلاء منبوذا في المجتمــع الإيزيــدي لكونه لــم يولد من أبوين إيزيديــن، إضافة إلــى صعوبة زواجــه أو ارتباطــه في المســتقبل مع شخص إيزيدي.

وهنــاك ناجيــات إيزيديــات يرغبن بالاســتمر­ار في تربية أطفالهن والعيش معهم بغض النظر عن العوائق القانونية والاجتماعي­ــة والدينيــة، ويؤكد مدير فرع سنجار للمنظمة الإيزيدية للتوثيق خيري علي إبراهيم، أن «هؤلاء النســاء تعرضن لعمليات غسل الدماغ ولا يعلمن بما يقلن».

وأبدى اســتغرابه من «قيــام ناجية بتربية طفل أباه اشــترك بتنفيذ جرائم ترتقــي للإبادة الجماعية بحق شــعبها وأهلهــا، إضافــة إلــى أنه ولــد نتيجة الاغتصاب والعنف الجنسي».

وقال: «مع هــذا نحن متعاطفون جداً مع هــؤلاء الأطفال من مبدأ الإنســاني­ة وبراءة هؤلاء الأطفال».

وفي حين قبلت بعض الناجيات تربية أطفالهن في المناطق الخاضعة لســيطرة التنظيم في ســوريا، رفض قســم آخر منهــن أطفالهــن المولودين مــن العنف الجنسي، ويتم وضع الأطفال المولودين بهــذه الطريقة فــي ريــاض مخصص للأطفال تحت اشــراف قوات «ســوريا الديمقراطي­ة» شرقي سوريا، ودار خاص بشــؤون الأيتام فــي محافظــة نينوى شمالي العراق.

واتهــم إبراهيم، الحكومــة العراقية بـ«التقصيــر فــي دعــم الناجيــات الإيزيديــ­ات وإعــادة تأهيلهن نفســيا ومعنويا» داعيا المجتمع الدولي للوقوف

إلى جانب الإيزيديين لتجاوز هذه المحنة «كون مســألة الأطفال المولودين نتيجة العنف الجنسي معقدةً للغاية.»

وتؤكد إحصاءات أجريت من قبل عدة منظمات محليــة أن خــال عامي 2018 و2019 وجد نحو 8 آلاف طفل يعانون من مشكلة إثبات النسب والهوية في المناطق التي ســيطر عليها تنظيم «الدولة» مثل الأنبــار ونينــوى ومناطق أخــرى في كركوك وصلاح الدين، مع اختطاف نحو 6414 من النســاء والأطفال الإيزيديين، ولا يزال مصير أكثر من 2900 مجهولا.

وواجه المجتمع الإيزيــدي «التحدي الأكبــر» بقبــول الناجيات من ســطوة التنظيــم عــام 2014 بعــد قــرار أمير الإيزيدية والمرجــع الروحي لهم، إضافة للمرجع بابا شــيخ، باستقبال الناجيات من قبضة التنظيم ومســاعدته­ن كون ما وقع عليهن لم يكن بإرادتهن.

وحســب شــهادات ناجين وناشطين متابعين لهذا الملف، قام التنظيم بعمليات غســل الدمــاغ للإيزيديــ­ات اللائي ما زلن تحت قبضتــه في ســوريا بأنه لم يعــد لديهن أحد من عائلاتهن، وســيتم قتلهن من قبل المجتمع الإيزيدي في حال عودتهن. ووفقــا لمتابعــة مهتمين، كان هناك تخطيط مســبق بالتطهير العرقي للإيزيديــ­ن لتغيير النســب على ضوء عمليات الإبــادة التي تعرضــوا لها في أغسطس/آب 2014. كما يرى ذلك خضر دوملي المختص بحل النزاعات والباحث المهتم بقضايــا الناجيــات الإيزيديات، الــذي أكــد أنــه «يصعــب علــى المرأة الإيزيديــ­ة أن تقوم بتربيــة طفل داخل عائلتها، والكل يعرف أن والده اشــترك بعمليات القتل والإبادة بحق الإيزيديين والخطف والســبي والاغتصــا­ب التي تعرضوا لها وخاصة في سنجار.»

وحسب دوملي فإن الحكومة العراقية «غيــر مســتعدة حتــى الآن لإصــدار تشــريعات لمعالجة هــذه الظاهرة، مع غيــاب الحلول لآلاف الأطفــال مجهولي النسب والأصل .»

 ??  ?? رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي خلال استقبال الناجيات الإيزيديات
رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي خلال استقبال الناجيات الإيزيديات

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom