Al-Quds Al-Arabi

عندما يتحكم «طبيب» في القرار السياسي والاقتصادي الأردن: قطاعات «تئن» وتبلغ الحكومة بقرب «الإفلاس»

عودة «شرسة» للفيروس ومنزلقات بيروقراطية بالجملة في البلاد

- عمان - «القدس العربي» بسام البدارين:

عدد الذين يســاهمون في إشــعال "حريق سياســي" أو "بيروقراطي" يزيد في الأردن، على أمل إظهار القدرة على المشاركة في الاحتواء والإطفاء. وحصرياً عندما يتعلق الأمر بالفيروس كورونا وعودته القوية والشرســة على منسوب الانتشار المجتمعي، خرجت الاســترات­يجية القديمة لحكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز عن ســكة الخدمة وبصيغة توحي ضمنياً بأن الحكومة نفسها وإجرائياً تتخبط اليوم وتشعل حرائق هنا وهناك على أمل "إطفاء" الحريق الرئيسي.

كل الملفــات في الإجــراء الحكومي تبدأ وتنزلق بدون نهايــات محددة. وفي الاجتماع الأخير لخلية الأزمة الوزارية، كان وزير الصحة ســعد جابر يصر على التشــدد برأيه بخصوص إغلاق قطاع المطاعم والمقاهي، فيما تولى زميله وزير الأوقاف الشيخ محمد الخلايلة التشدد في مسألة إغلاق المساجد.

9 وزراء على الأقل حاولوا التصويت لصيغة ما تضمن للمطاعم الكبيرة على الأقل العمل ضمن شروط ومواصفات رقابية تعويضاً لخسائر بعشرات الملايين. قطاع الطعام "يئن" ووصل إلى شــفير الإفلاس.. هذا ما قاله مستثمرون لوزير الصناعــة والتجارة الدكتور طارق حموري، فيما يــزداد معدل "إغلاق مصانع" بسبب ظهور مكثف للفيروس وسط خطوط الإنتاج.

يحاجج كثيــرون في القطاع الســياحي بأن اللجان الصحيــة لم تعلن عن حصــول إصابات كورونا جراء فتــح المطاعم ولا جراء فتح المســاجد للصلاة. لكن الوزيريــن جابر والخلايلة مصران على منظومة إجراءات متشــددة تمنع الاحتمالات، فيما تصمت لجنة الوباء الوطني.

وعد وزراء، خلال سلسلة اجتماعات بالمراجعة، لكن مساء الخميس، اعتذروا عن الفتح الجزئي أو المشــروط وسط تنامي الشــعور بأن قرارات الإغلاق يتم "تسييســها" في الوقت الذي تقول فيه الحكومة بأن الغلق الجزئي لمنع التخالط "أقل كلفة" من العودة لسياســات الحظر والإغلاق الشــامل. ويســأل الجميع: ما الذي يعنيه الإصرار على إغلاق المســاجد والمطاعم والمرافق الســياحية فيما تسمح السلطات باجتماعات "الإجماع العشائري" المعنية بالتحضير لانتخابات 2020؟

يصر رئيس غرفة تجارة عمان، خليل الحاج توفيق، على تذكير الحكومة بأن خسائر القطاع الخاص بعشــرات الملايين، فيما يرى مسؤولون في غرفة القرار تهامساً بأن الجميع استفاد واستثمر من أزمة كورونا. وعملياً، أصبحت مفارقات "الإغلاق" تحتاج إلى تفســير في الحالة الوبائيــة الأردنية، مع أن الوزير جابر أعلن بأن "الحظر الشامل" لم يناقش. ويسأل أمام "القدس العربي" رئيس إدارة الغذاء والدواء، الخبير والأســبق الدكتور هايل عبيدات، عن مسوغات البحث عن إستراتيجية اشتباك جديدة مع تطورات الحالة الوبائية. فيما يصر -خلف الكواليس- وزير المالية الدكتور محمد العســعس، على عدم ولو مجرد الإشارة

من زملائه الوزراء إلى سيناريوهات الإغلاق و"لو ليوم واحد".

الأهــم أن الحكومة عموماً تخفق في "إقناع" الــرأي العام بمبررات حقيقة لها علاقة بإغلاق المســاجد والمطاعم، حيث القطاعات السياحية -حسب الأرقام"تعيل" نحو 50 ألف عائلة، وتحرك القطاع التجاري وقطاعي النقل والتموين في سلسلة التزويد، خلافاً لعشرات الآلاف من المطاعم الصغيرة التي سمح بها، مع الكبيرة، بـ"خدمات التوصيل" فقط، وأغلقت صالاتها. وحتى عندما يتعلق الأمر بالضرر الكبير في قطاعــات النقل البحري والبري، يراجع المعنيون وزير النقل الشاب خالد سيف، فيطالبهم بالعودة لزميله الوزير العسعس، لأن رسوم النقل مسألة تخص وزارة المالية.

لا تبدو حكومة الرزاز، وهي تتعرض لعاصفة من أقاويل وشائعات وتسريبات الرحيل المحتمل، مســتعدة لتنفيذ أي التزام علني لها، حتى أنها أصبحت تعمل "بالقطعة والتقسيط" كما يلاحظ الناشط السياسي محمد الحديد، وهو يتحدث لـ"القدس العربي" عن تلمسه المباشر والشخصي لمستوى الارتباك في الأسواق والمحلات والقطاعات التجارية جراء "تقلب" مزاج القرارات الحكومية.

يســتمع الحديد، بحكم عمله، للعشــرات من أصحاب الشــركات التجارية التي تســتأجر محلات ومخازن في شرق العاصمة وهم يتحدثون عن "تسريح" مئات الموظفين لديهم قريباً بعد انســحابهم من السوق، ليس لأسباب "مهنية أو وبائية"، بل لأسباب لها علاقة بالإجراء المتقلب وقرب الإفلاس. وزيرة السياحة التزمــت مع قطاع الفنادق والمرافق الســياحية ببروتوكول "مرن"، لكن الالتزام بقي لفظياً وتم التراجع عن بعض ما اتفق عليه.

والانطبــا­ع يتزايد بأن "طبيبــاً" من أبرع أطباء القلب فــي البلاد، وهو وزير الصحة الحالي، لا يزال وبدعم من رئيس الوزراء على الأرجح "يقود السياســة والاقتصاد" في مستويات القرار.

أحــد مخضرمي مجلس الأعيان قال أمــام "القدس العربــي": تلك مفارقة لم تحصل ســابقاً في الدولة الأردنية، فالطبيب يوصي، وتســتمع له دوائر القرار وتحترم تقديره، لكن القرار السياســي والاقتصادي ينبغي أن لا يقوده الأطباء لأنهم "حذرون جداً" بطبيعتهم ويحســبون أســوأ الاحتمــال­ات. وزير الصحة الأسبق سعد الخرابشة، تحدث علناً عن الحاجة الملحة إلى استراتيجية جديدة. والناطق باســم لجنة الأوبئة الطبيــب نذير عبيدات، يدعم أيضــاً ذلك في كل تصريحاته، مؤكداً أن استراتيجية الاشــتباك القديمة مع مستجدات الفيروس لم تعد صالحة، وعبيــدات أيضاً يتحدث عن "تطوير عملــي وعلمي" في آليات الاشتباك.

ســمعت "القدس العربي" جنــرالات أطباء وخبراء يحــذرون أيضاً من كلفة "تحييد" الرأي الطبي، وكلفة الاعتماد عليه فقط. ويعمل الوزير جابر بصعوبة، وأحياناً بغموض، وسط هذه المعطيات والألغام التي تتفاعل.

والمشــهد بدأ فعلاً يثير ســؤالاً وطنياً بامتياز: الأطباء أساسيون في صناعة قرار أي دولة.. لكن هل يجوز لطبيب واحد برتبة وزير أن تتاح له فرصة احتكار صناعة القرار علــى النحو المحلي؟ ويبدو أن هذا الســؤال بدأت تطرحه بعض الأطراف في "خلية الأزمة" العابرة للحكومة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom