Al-Quds Al-Arabi

طوابير للحصول على خبز... أنقاض مدن... والليرة للف السجائر «إيكونوميست»: هكذا يذل نظام الأسد السوريين ويزداد ظلمه ضراوة بعد ما يسمى «انتصاراً له»

- لندن - «القدس العربي» من إبراهيم درويش:

نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريراً بعنوان "طاغية الحرمان: كيــف عنى انتصار بشــار الأســد مزيداً من المعاناة لشعبه" وقالت فيه: "ارتفعت أسعار الطعام إلى مســتويات عالية بدرجة باتت النساء تغلي الحشائش لأكلهــا. وفي مخابز العاصمة دمشــق يقفز الرجال فوق بعضهم البعض للإمســاك بما يمكــن أن تتناوله أيديهم مما تبقى مــن الخبز المدعم. وفــي كل أنحاء البلاد تمتد الطوابير أمام محطات الوقود أميالاً. فيما تحولت أجزاء كبيرة من المدن إلى أنقــاض. ولم يعد للعملة المحلية أية قيمة إلى درجة بات فيها الســكان يســتخدمون­ها للف سجائرهم".

وتعلــق المجلة "كان من المفتــرض أن يكون العام هذا هو عام التعافي لبشــار الأســد. فبعــد حوالي عقد من الحرب الأهلية، اســتطاع ديكتاتور سوريا هزيمة معظم المتمرديــ­ن الذين حاولــوا إزاحته مــن المنصب. وكان يأمل بدفعة أخيــرة تؤكد انتصاره. وبعدها تعيد القوى الغربية التي لن تجد بديلاً عنه العلاقات الدبلوماسـ­ـية والمشاركة في تمويل عمليات إعادة الإعمار. وحتى الآن لــم ينجح هذا الرهــان. فالمعارضة التــي تدعمها تركيا قاومت هجوماً عسكرياً على معقلهم الأخير في محافظة إدلب. ورغــم تعهد الرئيــس الأمريكــي دونالد ترامب بســحب القوات الأمريكيــ­ة من ســوريا إلا أنها لا تزال في منطقة شمال شــرقي البلاد الغنية بالنفط وتساعد الأكراد على تأمين ســيطرتهم عليها. كما أثرت العقوبات الأمريكية على الاقتصاد السوري.

وأضافت الأزمة المالية فــي لبنان من المعاناة. ثم جاء كوفيد-19 والذي ضرب ســوريا بقــوة". وأضافت أن الأوضاع الإنســاني­ة في مناطق النظام أصبحت أســوأ مما كانــت عليه في ذروة الحرب الاهلية، كما تقول الأمم المتحــدة. وأدت الحرب إلى إضعــاف الاقتصاد. وتنتج ســوريا اليوم 60.000 برميل نفط وهو ســدس ما كانت تنتجه قبل الحرب. ولم تنتج سوريا من محاصيل القمح العــام الماضي إلا نصف مــا كانت تنتجــه قبل الحرب. وطالما أودع الســوريون أموالهم في المصارف اللبنانية إلا أن هذه حدت في العام الماضي من المبالغ المســحوبة مما تركهم بــدون عملة صعبــة. ونظــراً لتراجع قيمة الليرة الســورية أمام الدولار، حيث خســرت 70% من قيمتها، زادت أسعار المواد الأساسية. وفي الوقت نفسه خفض النظام من المســاعدا­ت والدعم للمواد الأساسية.

ولحماية مصارفهــا قامت الحكومة الســورية بخفض القروض ومنعــت التعاملات بالدولار وحــددت المبلغ المسموح بسحبه.

خطورة كورونا

وفاقــم فيــروس كورونا مــن الأزمة حيــث تقول الأمم المتحدة أن نسبة 60% من المتاجر السورية اضطرت لإغلاق أبوابها بشكل كامل أو مؤقت. وأعلن النظام عن إغلاق البلاد في آذار/مــارس إلا أن المواطنين المحتاجين تجاهلوا القيود. وأصبح الثمن من ناحية العناية الصحية واضحاً الآن.

وحاول النظام التســتر على حجم انتشار الوباء وأمر الاطباء بتفســير ســبب الوفيات إلى الالتهابــ­ات الرئوية وليــس كوفيد-19. ولــم تعلن الحكومة إلا عــن وفاة 200 شخص بسبب فيروس كورونا، مع أن الأرقام أعلى بالتأكيد. وقال منسق شؤون الإغاثة العاجلة في الأمم المتحدة مارك لوكوك "نعرف أن العدوى منتشــرة داخل المجتمع بشــكل واسع". وبحسب دراســة أجراها فريق في "كلية إمبريال" في لندن فعدد الوفيات في دمشــق قد يكون أعلى بـ 80 مرة من العدد الرســمي. وربما أصيبت نســبة 40% من سكانها بالفيروس إلا مــن لديهم صلات يحصلون على أســرة في المستشــفي­ات. ويحمل الأطباء معهم عبوات الأوكســجي­ن

لإراحة المرضى. وفي الماضي كانت هناك دول تسارع لإغاثة سوريا لكنها لم تعد قادرة أو لا تريد المساعدة.

أما إيران التــي دعمت بقاء الأســد فتعاني من عقوبات ولا تســتطيع تقديم العون الاقتصادي له. كما أن روســيا، الشــريك الثاني للديكتاتور تعاني من عقوبات اقتصادية. ويمكنها المســاعدة، لكن الســوريين يقولــون إن الرئيس فلاديميــر بوتين يســتمتع بالنفــوذ الذي يعطيــه اليأس الســوري له. وفي بداية الشهر الحالي زار وزير الخارجية الروســي ســيرغي لافروف دمشــق علــى رأس وفد كبير للحصول على عقــود في الطاقة والإنشــاء­ات. وقال رجل أعمال سوري موال للنظام "أصبح منقذونا نسوراً جارحة".

وترســل الدول الأوروبية وأمريكا مســاعدات مثل الطعام والدواء لكن ليس من أجل الإعمار، على الأقل لحين التوصل لتسوية ســلمية. وراكم ترامب الضغوط على سوريا لدفع الأسد نحو تسوية سياســية تنهي حكمه في النهاية. وفي حزيران/يونيو فرض عقوبات اســتهدفت العقود بالعملة الأجنبية بما فيها التحويلات من الخارج التي يعتمد عليها الكثير من الســوريين. وانهت آمال النظــام بنقل عملياته المصرفيــة من بيروت إلى دبي. وفرضــت الدول الأوروبية عقوباتها الخاصة على الأسد وعائلته والزمرة الموالية له.

وتحاول بعض الدول محاسبة الأسد على جرائمه، حيث يســتمع القضاة فــي ألمانيا إلى أدلة حول تورط مســؤولين ســوريين بالتعذيب. وهددت هولندا بفتح قضية ضد النظام بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في محكمة الجنايات الدولية. لكن النظام يزداد ضراوة، فبعد أن قام بجزر المعارضة ضده يعمــل الآن على افتراس رجــال الأعمــال والمزارعين الذين دعموه. ويعمل مســؤولو الجمارك وقادة الميليشــي­ات على حجز الشــاحنات ومصادرة البضائع ثم يطالبون برشاوى ضخمة لإعادتها. ولكــي تجمع الضرائب تســتخدم الدولة الجنرالات وأمراء الحرب الذين يقتطعون حصة. «

الأسد لن ينجو

»

وتقوم واجهات وأشخاص يعملون نيابة عن النظام بشراء البيوت والمتاجر بأســعار مخفضة من أبناء الطبقة المتوسطة التي أفقرها النظام. وقال محلل يزور دمشــق بشــكل متكرر "يقوم الأسد بالســيطرة على الاقتصاد لنفســه". ويتساءل الموالون عن المســتقبل حيث يقول رجل أعمال عن الأسد: "لم أعد أؤمن أنه سينجو". وهناك من يحلم بمشاريع بعيدة المنال يمكن أن تخرج ســوريا من مأزقها. فلو دفن الأسد خلافاته مع رجب طيب أردوغان فعندها ستأتي الشركات التركية وتعيد بناء سوريا، حسبما يقول شخص يعرف النظام.

وهناك من يحلمون بإغراء أمريكا عبر التعامل مع إسرائيل التي لم تتوقف غاراتها على أهداف إيرانية داخل البلاد. وفي الوقت نفسه لا يعبر الأســد عن اهتمام بالدبلوماس­ية، حيث يقول صديق لعائلته "لم يتغير موقفه منذ اليوم الأول". وبعد عقدين في السلطة أثبت نظامه تصميماً على البقاء، ولا يعرف الموالون وعمال الخدمة جهة أخرى تدفع لهم الشيكات. وتقوم الشرطة السرية بقمع التظاهرات الشاذة أما الجيش فيواصل ضغطــه على إدلب. وانتهــت فترة ولايتــه الثانية حيث قيل إنه يخطط لانتخابــا­ت عبر مهزلة جديدة. ويقال إن الأســد وزوجته أســماء يحضران ابنهما حافــظ البالغ من العمر 18 عاماً لتسلم السلطة. وبالنسبة لعائلة الأسد فمجرد البقاء في السلطة هو انتصار لها.

 ??  ?? طوابير قد تصل الى اميال في دمشق للحصول على الخبز من الافران
طوابير قد تصل الى اميال في دمشق للحصول على الخبز من الافران

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom