Al-Quds Al-Arabi

«واشنطن بوست»: عامان على اغتيال خاشقجي .. الحقيقة التي حملها تحرق المملكة وتلاحق بن سلمان الخائف

- لندن-«القدس العربي»:

قاتل الصحافي جمال خاشــقجي لكي تصبح السعودية دولة متسامحة، وبعد عامين على ذبحه وتقطيع جثته بطريقة بشــعة، لا تزال الحقيقة التي قالها تحرق المملكة". هكذا كتب المعلق في صحيفة "واشــنطن بوســت" ديفيد إغناطيوس، مع اقتراب الذكرى الثانية على ذبح خاشقجي على يد فرقة موت أرسلت من الرياض لمقابلته في قنصلية الســعودية في إسطنبول في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر .2018

وقال الكاتب إن لقطات الفيديو المغبشــة للحظات الأخيرة لخاشــقجي لا تزال تطاردنا، فقبل عامين تقريباً، دخل رجل أصلع تقريباً يلبس السترة والبنطال إلى فيلا محصنة ويمشي بحذر تحت مظلة بيضاء إلى ما سيكون موته. وأضاف: "في 2 تشرين الأول/ أكتوبر ســنحيي الذكرة المؤلمة لمقتل خاشقجي. وفي وفاته حقق الشــهرة الدولية التي أرادها. وأصبح وجهه المدور اللطيــف معروفاً حول العالم كرمز للحنين إلــى الحرية والإصرار علــى الحديث والتفكير بحريــة مهما كانت التهديدات".

وقال إغناطيوس إن "الشهادة أعطت خاشــقجي قوة غريبة أيضاً، ضد الرجل الذي تعتقد "سي آي إيه" أنه أمر بقتله. ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أو كما يعرف باسم الشهرة )مب س(والذي تعامل مع المساهم في صحيفة واشنطن بوســت كمشكلجي ومثير للشــغب - صوت يجب أن يتم إســكاته. ولكن صوت خاشــقجي المتحدي يتردد صداه أعلى من أي وقت مضــى ويواجه )م ب س(في تعاملاته مع واشنطن والعديد من العواصم الغربية".

ويعلق إغناطيوس: "كانت هذه مواجهة لم يكن خاشــقجي قادراً على تجنبها. وتتذكر صديقته ماغي ميتشــل ســالم، آخر حوار جرى بينهما في آب/ أغسطس 2018 فقد كان خاشقجي قلقاً من توسيع السلطات السعودية أمر حظر السفر على ابنــه الأكبر صلاح إلى ابنه الأصغر، عبد الله الــذي عاد إلى المملكة لتجديد جواز سفره، فقد كانوا يضغطون عليه وكان يريد الفرار بطريقة ما".

وتقول: "كان يفكــر في العيش في جزيــرة مهجورة وبــدون كهرباء" ولكنها أخبرته أنه لا يســتطيع الاختفاء "فأنت لســت في حرب، فكر بــكل الناس الذين يمثلهــم صوتك". وكان خاشــقجي يعرف أن ما تقوله صحيــح وبقي يتحرك إلى الأمام. وبعد شــهرين كان ميتاً. ومع مرور عامين على الجريمة البشعة التي انتهت بقيام طبيب تشريح بتقطيع جثة الضحية بمنشار عظام يمكننا مقارنة الطموحات التي حملها خاشقجي لبلاده مع واقع الحياة اليوم في المملكة.

فقد طالب خاشــقجي بأن تكون السعودية حديثة ومنفتحة ومتسامحة. ودعم فــي البداية الإصلاحات التي دعا إليها محمد بن ســلمان وتحرير المجتمع. ولكنه ضغط في عامه الأخير علــى ولي العهد قائلاً: "على محمد بن ســلمان التعلم من ديترويت بشأن التنمية الاقتصادية، ومن كوريا الجنوبية لمحاربة الفساد وبدون اللجوء إلى عمليات اعتقال جماعية، ومن ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية بشــأن التعامل باحترام مع بقية الأمراء والعامة". بل وحث محمد بن سلمان على مشاهدة وقراءة فيلم "الفهد الأسود" لتقليد الملك الشاب واكاندا.

ويعلق إغناطيوس أن خاشــقجي كان شــخصية معقدة، وحياته الشخصية كانت في بعــض الأحيان مهلهلة. أما معتقداته فقد كانت خليطاً من الحنين للحرية

والالتزام بدينه الإســام وعلاقاته مع العائلة المالكة التي قتلته. وفي الفترة التي قضاها مع "واشــنطن بوســت" أصبح ملتزماً ومغرماً بالصحافة. وكان آخر مقال نشــر له في 17 تشــرين الأول/ أكتوبر 2018 بعد وفاته عبارة عن مناشــدة لفتح الباب أمام حرية التعبير والإعلام المستقل في العالم العربي.

وتســاءل عما حدث للســعودية الحقيقية منذ مقتله؟ فقــد تحققت بعض الأشــياء التي دعــا إليها خاشــقجي، حيث ســمح للمرأة بقيادة الســيارة والسفر بدون محرم وممارسة الرياضة بســهولة والتعيين في مناصب عامة مثل الدبلوماسـ­ـية. والحياة أصبحت ســهلة ومفتوحة أكثر. ويمكن للشباب الســعوديي­ن الذهاب إلــى دور الســينما أو الحفلات الموســيقي­ة أو مباريات المصارعــة. لكن هناك جانبــاً مظلماً لمملكة محمد بن ســلمان، فقد تعمق عامل الخوف بوفاة خاشــقجي وســجن وعــذب الكثير من المعارضين. وســجنت الناشــطات والنقاد الآخــرون للنظام في شــبكة من الســجون. ومنع أبناء المعارضون من الســفر، وكممت أفواه الأمراء البارزين وســجنوا. و"أخبرني الســعوديو­ن أنهم لا يحملون هواتفهم معهم عندما يذهبون للمجالس العامة المعروفة بالديوانيا­ت، حتى لا يتم التنصت على حواراتهم. ويشــترون "سيم كارد" من أمريكا لهواتفهــم تجنباً لرقابة الدولة. وقال لي ســعودي: "الناس خائفون" و"هنا معارضة كثيرة ولكن صامتة".

وقال إغناطيوس إن تمسك محمد بن سلمان بالسلطة قوي بسبب مناخ الخوف الذي خلقه، فقد ســحق المعارضة من داخل العائلة واستفز وأخاف بقية الأثرياء الســعوديي­ن واســتولى على أرصدتهم. ويصف ســعودي ولي العهد بأنه "قوي ويعاني من الرهاب" و"ليس قوياً وواثقاً" من نفســه. وقال إن شــعبية ولي العهد التي كانت لامعة مرة قد تشوهت بدون أي مجال للإصلاح.

وتحالف بن ســلمان مــع الرئيس دونالــد ترامب الذي تباهى فــي حديثه مع الصحافي بوب وودورد: "لقد حميت مؤخرته". إلا أن تحالف بن سلمان مع ترامب يعني أنه دعم طرفاً في الحرب الحزبية الُمرة بواشــنطن وأن المملكة خسرت الدعم من الحزبين الذي كانت تتمتع به.

سخرية « العدالة »

ويرى إغناطيوس أن أكثر شــيء يثير الحزن في جريمة قتل خاشــقجي هو غياب المحاســبة لمن ارتكبوا وســاهموا في الجريمة. فالمحاكمة الســرية التي عقدت العام الماضي أعلنت هذا الشــهر عن ســجن ثمانية أشخاص، وهي التي أصدرت أحكاماً بإعدام خمســة تم استبدالها بالســجن، بناء على عفو من ابن جمال الأكبر. ووصفت المقررة الخاصة للقتل الفوري والإعدام خارج القانون، أغنيس كالامار الأحكام الأخيرة بأنها "سخرية من العدالة". ولم يكن مستشار محمد بن ســلمان، ســعود القحطاني الذي يعتقد أنه هــو الذي خطط ووجه الجريمــة على قائمة المتهمــن. وقال أحد الناشــطين الســعوديي­ن: "لقد أفلت مــن العقاب" و"الدرس له، فــي المرة الثانية حاول ألا تخطئ وتكتشــف". آمن جمال خاشــقجي بعقيدة الصحافي وهي أن "الحقيقة ستنتصر على الأكاذيب والوحشية وضحى بحياته لهذا المثال، وبعد عامين لا تزال الحقيقة التي حملها تحرق المملكة".

 ??  ?? محمد بن سلمان وجمال خاشقجي
محمد بن سلمان وجمال خاشقجي

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom