Al-Quds Al-Arabi

عقوبة مشاهدة قنوات تركيا: الجلد أم الرجم حتى الموت؟!

- ٭ صحافي من مصر

وأخيــراً، صدرت الفتوى أن مشــاهدة قنوات المعارضة في تركيا حرام شــرعاً، لتكــون دليلاً مضاعفاً على أن أهل الحكم وأبواقهــم في رعب مقيم من مجرد خروج العشرات في الريف المصري، وإن تحولوا خلال الأيام التالية إلى المئات، مع حرص الأبواق الإعلامية على الإنكار التام لأي خروج!

كل قيمة صاحب الفتوى أنه كان أســتاذا في جامعة الأزهر، ولم نكن نعرف عنه طول تاريخه ســوى أنه زوج لصحافية زميلة، فليس من أهل الخطابة، ولم يضبط متلبســاً بأنه من أهل الدعوة، ولم نره يعتلي منبراً، فلم نشاهده داعية أو مرشداً، ولعل كل طموحه إلى أن أحيل للتقاعد أنه كان يريد أن يكون زوجته، وربما لمس فيه الرائد متقاعد صفوت الشــريف هذه الرغبة الجامحة، ففرضه مسؤولاً عن التحرير على جريدة «اللواء الإسلامي » التي كانت تنسب بالتبني للحزب الحاكم، وبالمخالفة للقانون الذي يشترط في من يشغل مثل هذا الموقع أن يكون عضواً مشتغلاً في نقابة الصحافيين، وقد ظل نفر من الزملاء يقدم الشــكاوى لنقابــة الصحافيين ضد هذا التعيين، وصفوت الشــريف مصر عليه، إلى أن رضخ لهذا بعد فترة من الزمن، وتم إزالة أثار العدوان على المهنة!

ويبدو أنه بعد بلوغه سن الإحالة للمعاش، وجد نفسه كمن وقف على السلالم، فلم ينجح فــي أن يكون زوجته، ولــم يتحقق في مجال عمله، ووجــد أن «عباءة الشيخ» تكســب في ظل حكم العســكر، فاندفع ليعوض ما فاته من شهرة، من باب الإفتاء، وليس من باب انتحال صفة صحافي، وقد التقطه أحمد موسى، وربما رُشح له من جهة ما، فلم أشاهده في برامج أخرى، وآخر عهدنا به في الليلة إياها التي كان ضيفاً فيها على برنامج «موسى» هو وجنرال شــرطة فخيم، عمل في جهاز مباحث الأموال العامة، وعندما تســتمع له تشــاهد طوفانا من الجهل يغرق الاســتودي­و، وتحقق بنفســك من صحة «دراويش الموالــد» إن مصر محمية ببركــة أولياء الله الصالحين!

فكيف يكون أمثال هؤلاء من كبار المســؤولي­ن في أجهزة حساسة مهمتها الحماية والتصدي للفساد ثم يكونوا المادة الخام للبلاهة، وذات مرة استضافه أحمد موسى أيضاً فحلت الســكرة وذهبت الفكرة وأعلن سيادة الجنرال المفدى المهيب الركن، أن الدولار ســيواصل الهزيمة أمام الجنيه ليكون بســبعة جنيهات بعد خلال خمسة شــهور، وكان يعني شهر أكتوبر ســنة 2017 وها نحن على أعتاب أكتوبر/ تشرين الأول 2020 ولــم تتحقق نبوءة الجنرال الركن، ولا يزال يمشــي في مناكبها ويحل ضيفاً في برامج الغيبوبة للأذرع الإعلامية للسيسي!

وصلة فكاهية

وكان الجنرال مــع مفتي الانقلاب ضيفين على أحمد موســى، والذي قدم وصلة تكفي لإغلاق القناة، والقنوات المجاورة، لأنهــا تصلح فقرة في برنامج فكاهي، ولا يمكن قبولها إلا في برنامج «ساعة لقلبك» حيث «الخواجه بيجو» وزميله «أبو لمعة» فعلى ما يبدو أنها رســالة مبتورة جاءت لمقدم البرنامج عبر السماعة، فأخذ يسب ويلعن في شــخص لم يذكر اســمه، فهو خائن، وحرامي، ونصاب، ثم يعود ويكرر الأوصاف بصياغات مختلفة بحماس منقطــع النظير، ويبدو أنه كان في انتظار أن يتحفوه بالاسم، فلم يســعفوه، بينما الجنرال والمفتي يطلبان منه بإلحاح أن يذكر اسمه، لمساعدته في المهمة، فلما لم يذكره وواصل سبه، فشاركوه في السب «غيباً» لشــخص ليس لديهما أي علم به، لكنهما لم ييأســا فبعد كل «كوبليه» يسألان: من هو؟! ليجيب أحمد موسى في النهاية بأنه لا يعرف من هو!

فاذا أردت أن تقف على شــخصية من أفتى بتحريم مشاهدة قنوات المعارضة في تركيا، فســتجد في هذه الفقرة تعريفاً به، إنه يندفع بالهجوم على شخص ونعته بأوصاف قاســية، مع أنه لا يعرفه ولا أحد يعرفه إلى الآن، مجاملة لمن استضافه في حلقة تلفزيونية «يلت فيها ويفت!»

لم يجتهد المفتي إياه في البحث عن ســند شــرعي ليعزز به فتواه، لكنه استغل وظيفته الســابقة، في ادعــاء أهليته للفتوى، فهل كل الأســاتذة في جامعة الأزهر مؤهلين للإفتاء؟!

لقــد تحدث فلم نميز بينه وبين الأبواق الإعلامية، وهــو ليس أكثر من بوق، كما انتحل في الســابق صفة صحافي بقرار من صفوت الشريف، هو الآن ينتحل صفة الفقيه، بقرار من أحمد موسى، فأتحفنا بهذا المقطع في وصف من يعملون في قنوات المعارضة في تركيا فهم «لم يُربوا في بيوتهم وليس لهم دين، ويحاولون التقليل من المشروعات العظيمة، التي يتحدث عنها العالم أجمع ويستفيد بها، وأنا أشعر بالعار أن هؤلاء الخونة مصريون، إنهم عار على الإنسانية»! وعندما تقرأ هذا لا تعرف من يتكلم؟ من جيء به ليقول قال الله وقال الرســول، أم فريدة الشوباشي وقد صبرت ونالت، حيث تم ترشيحها عن حزب السيسي لانتخابات مجلس النواب، فهل يكون ثمن فتوى الإمام الفقيه هي تعيينه عضواً في مجلس الشــيوخ بقرار رئاسي؟! أين الدين في ما قال ولم نشــاهد ســوى «وصلة ردح» و«خناقة أرصفة» فالمفتي يسب ويلعن ويصف من يعملون في قنــوات المعارضة بأنهم لم يُربوا في بيوتهم، وليس لهم دين، وأنهم خونة وعار على الإنسانية.

العالم أجمع

وهو هنا يستعير خطاب الأبواق الإعلامية الجاهلة، ولا ينطلق من قواعد الشرع والدين، وكل ما قاله «كوم» والحديث عن المشــروعا­ت العظيمة التي يتحدث عنها العالم أجمع «عشرة أكوام». فقد استعدى مهارات الخطيب، التي لم تجرب في خطبة أو فــي درس، على منبر أو تحت المنبر، فلم يذكر نماذج للمشــروعا­ت العظيمة التي يتحدث عنها «العالم أجمع» والتي ينكرها هؤلاء المعارضون الذين تعد مشــاهدتهم حرام كحرمة يومكم هذا، وقام بتكفيرهم فهم ليســوا فقط «لــم يربوا في بيوتهم» لكنهــم بالإضافة إلى ذلك «ليس لهم دين» فهل هذا خطاب ينتمي للأزهر الشــريف، الذي يرفض التكفير، وهل هذا أزهري فعلاً أم داعشي من سلالة أبو بكر البغدادي؟!

الخطاب السياســي في مصر يقوم على نظرية نحن الذين أبهرنا العالم، فوزير التعليم يقول إن العالم ينتظر الخطة المصرية في تطوير التعليم لدراستها وتعميمها لديه، والسيســي يعلن أن الناس يأتونه من كل أنحاء «العالم» لاســتلهام الحلول لمشاكل البشرية، ووزيرة الصحة تصرح المرة تلو المرة والكرة تلو الكرة أن التجربة المصرية فــي مواجهة وباء كورونا أبهرت «العالــم» وأن «العالم» ينظر لأداء قطاع الصحة في عهد عبد الفتاح السيسي وهو في دهشة!

وهكذا أرهق القوم «العالم» وجعلوه يقف على أطراف أصابعه منبهراً بالتجربة المصرية في كل القطاعــات، والتي هي عطاء العقلية العلميــة المعملية الفذة لخالد الذكر وطيب الأثر للعالم أجمع!

فعندما يأتي من ألبســوه عباءة المفتي ليتحدث عن «المشــروعا­ت العظيمة التي يتحــدث عنها العالم أجمع» فأعلم أنه يمشــي وفق الخطة المعتمــدة للترويج لهذا النظام الذي فشل في البر والبحر، ولا شك أن اللجوء إلى الفتوى للانتصار له دليل على الفشل، وعلامة على أن «أخوكم مزنوق» بصوت عادل إمام في مسرحية «شاهد ماشفش حاجة» وكما قال الأخ العقيد قائد الثورة الليبية ونحن في ذكر ثورته التي كانت في أول سبتمبر/ أيلول: «دار دار زنقة زنقة»!

أما أنه فشل، فلأن الذين خرجوا على الرئيس محمد مرسي، ومثلوا غطاء مدنيا للانقلاب العسكري، كانوا يتحدثون عن الحكم الديني، في حين أنهم لا يستطيعون أن يقيمــوا الحجة على الحكم المدنــي المنتخب أنه كان كذلك، وقد شــاهدنا الحكم الديني الآن فــي هذه الفتوى بتكفيــر المعارضين، وإعلان حرمة مشــاهدة قنوات المعارضة، فهل اســتخدم الحلال والحرام في التعامل السياسي قبل 3 يوليو/تموز 2013؟ ولا شك أن اللجوء إلى الفتوى لتحريم مشــاهدة قنوات المعارضة في تركيا كاشــف عن النجاح الذي حققته في حصار الانقلاب العســكري، وكشف كذلك في التفاف المشــاهدي­ن حولها، والهجوم عليه من جانــب الأبواق الإعلامية لم يتوقف لكنه اشتد في الأيام الأخيرة وتأتي هذه الفتوى المبهجة ضمن هذا السياق، والذي بدأ بوثيقة مــزورة أذاعها عمرو أديب عــن رواتب العاملين فيهــا، وهو يدرك أنها مزورة، فليــس عمرو أديب في حدود الوعي المنعدم لرانيا هاشــم، التي ينفخ فيها العسكر ليصنعوا منها منى الشاذلي في أيام مبارك بدون جدوى!

من خارج السياسة

والحمــى القلاعية التــي أصابت القوم هــذه الأيــام مردها إلــى الدعوة إلى المظاهــرا­ت، والتي فاجأتنــا قبلهم فخرج الناس في الريف المصــري، رغم التهديد بالإبادة بواسطة الجيش، وكسروا حاجز الخوف، والقوم ربطوا مصيرهم بمصير النظام الحاكم، وربطهم الناس بذلك، وأزمتهــم أنها ثورة الناس، من خارج حدود السياسة والتنظيمات والأحزاب.

وعندما ذكرنا برنامج «جو شو» في التلفزيون العربي بخطاب القوم في مواجهة الدعوة للتظاهر من العام الماضي، اكتشــفنا الاختلاف الواضح بين الخطابين، رغم أن «يوسف حســن» أكد وحدة الخطابين. لقد كان خطاب العام الماضي ناعماً، ربما لأن عيونهم كانت مكســورة وقد تبدت الســوءات للناظرين، حيث كشــف المقاول والفنــان محمد علي عن سلســلة القصور الرئاســية التي بناها السيســي والتي تضاهي سلســلة مطاعم كنتاكي في كثرتها، لكن خطاب هذا العام كان حاداً وعنيفاً، ويكشــف عن غياب الجهة التي تقود الإعلام، فجاء متضارباً، وربما لتعدد الجهات، وربما للارتباك الشــديد. فالخطاب يقوم في جانب منــه على الانكار، فلا مظاهرات هناك، والفيديوها­ت قديمة، فهل كانوا يعترفون إن هناك مظاهرات في السابق؟!

وفي الجانب الآخر يلعنون الإخوان لأنهم يقفون وراء المظاهرات التي يشــهدها الريف المصري، وتقدم هذه البرامج صوراً للمعتقلين من المتظاهرين.

وهذا الارتباك الى جانب الإحســاس بالأزمة الســبب وراء اللجوء إلى الفتوى وإعلان حرمة مشاهدة قنوات تركيا، دون أن يقول الشيخ الفقيه عقوبة من يرتكب هذا الحرام البين، ولا تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر؟

الجلد.. أم الرجم حتى الموت؟!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom