Al-Quds Al-Arabi

ما الذي جناه الإسرائيلي­ون والفلسطيني­ون غير الدمار والضحايا طوال الانتفاضة الثانية؟

بعد 20 سنة من زيارة شارون للحرم القدسي:

- جدعون ليفي هآرتس 2020/9/25

■ يوم الإثنــن المقبل هو موعد انــدلاع الانتفاضة الأكثر عنفاً في تاريخ إســرائيل، التي شــكلت صورتها لســنوات كثيرة: 47 ســنة مرت على حرب يوم الغفران، و20 سنة على الانتفاضة الثانية. وقعتا بصورة مفاجئة على إسرائيل وكان يجب أن لا تفاجئ أحداً.

في 28 أيلــول 2000 صعــد أريئيل شــارون إلى الحرم، واشــتعلت النار المحبوســة. في اليوم التالــي قتل جندي إســرائيلي وســبعة مواطنين فلســطينيي­ن. وبعد يوم قتل الطفل الغزيّ محمد الدرة أمام كاميــرات العالم. وفي الأيام التالية نزف الشــرطي يوســف مدحت حتى الموت في موقع قبر يوســف، وفي رام الله تم تنفيذ القتل الجماعي بجنديي الاحتياط، يوسي إبراهامي وبادين نوروزيتس. مارد العنف وقمع الاحتلال الوحشــي خرج من القمقم. الأمر سيستغرق أكثر من أربع سنوات قاتلة إلى أن يتم قمع هذه المقاومة، ربما بصورة مؤقتة.

كانــت الانتفاضــ­ة الثانيــة بمثابة كابــوس الحافلات المتفجرة والانتحاري­ين. ســنوات من الخوف والذعر الكبير أينما ذهب مواطنوها. وبالنســبة للفلســطين­يين كانت هذه ســنوات القمع الوحشي وســفك الدماء الجماعي والحصار والإغلاق والحواجز والاعتقالا­ت الجماعية، وكانت سنوات القتــال والتضحية التي لم تؤد إلى أي مكان. فبعد عشــرين سنة صار وضعهم أكثر بؤســاً وسوءاً مما كان قبل انتفاضة الأقصى، وأســوأ أكثر مــن أي مضى. وفي كارثــة 1948 كان وضعهم أكثر صعوبة وقسوة.

ولكن ذلك لم يكن لعبة صفرية المجموع: دماؤهم ودماؤنا كانت مباحة، ســفكت هدراً. فقط الثمن الــذي دفعوه، مثلما هــي الحال دائمــاً، كان أعلــى بكثير من الثمــن الذي دفعه الإسرائيلي­ون. وحســب معطيات الشــاباك، سجل في تلك الفترة 1030 قتيلاً إسرائيلياً و138 عملية انتحارية. وحسب معطيات «بتســيلم» بولغ عدد القتلى في الطرف الفلسطيني 3189 شخصاً إضافة إلى 4100 منزل هدمت، وحوالي 6 آلاف شخص تم اعتقالهم.

شي جيفارا وجورج حبش على الجدران

رجعت في هذا الأسبوع إلى البداية، إلى التقارير والمقالات وتســجيلات الأيام الأولى فــي الطرف الفلســطين­ي، الذي ســرعان ما تحول إلى انتفاضة الأقصــى. الضحايا الثلاثة الفلسطينيو­ن الأوائل الذين تحدثنا عنهم أنا والمصور ميكي كريتسمان، كانوا أطفالاً.

بــدأت قمــع الانتفاضة به إســرائيل بإطــاق النار على رؤوس الأطفــال في الحــرم: علاء: بدران ابن 12 ســنة فقد عينه، ومحمد جودة ابن 13 ســنة احتضر في قســم العناية المكثفة في مستشفى المقاصد، ومجدي مسلماني ابن 15 سنة توفي ودفن في مقبــرة بيت حنينا. وبعد عشــرة أيام على اندلاع الانتفاضة كان هناك 14 ولداً فلسطينياً قد قتلوا. وعن

معظمهم بالكاد تمت الكتابة في وســائل الإعلام الإسرائيلي­ة التي انشــغلت كالعــادة بالضحايا اليهود الذيــن كانوا ما يزالون معدودين. مدير مستشــفى المقاصــد، الدكتور خالد قريع، شقيق مهندس اتفاقات أوسلو أبو العلاء قريع، كان قد عرض في غرفته 16 مرطباناً فيها الرصاص الذي تم إخراجه من المصابين في المستشفى الذي يعمل فيه.

كان جودة يرقد في غرفة العناية المكثفة في موت سريري، وكان والداه ينتظران موته النهائي. والده، ســائق خلاطة باطون، عاد بعد صب الباطون في مســتوطنة جبل أبو غنيم في الوقت الذي أطلق فيه النار على رأس ابنه في الحرم. «هو إنســان.. أنت تعرف أن هذا ولد ابن 13 ســنة؟» صرخ علينا الدكتور إيهاب الدجاني الذي سبق وشاهد كل شيء.

على بعد مئات الأمتار من هناك، في حي بيت حنينا، كانوا يجلسون في بيت عزاء الطفل مسلماني. والده الثاكل سمير، وهو صاحب محل للحواســيب باســم «مركز التكنولوجي­ا اليابانية» في شــرقي القدس، قــال إن ابنه ذهب إلى الحرم للاحتجاج على الإغــاق الذي فرض على ســكان المناطق. الرصاصة هشمت رأسه من مسافة قصيرة. وقدر الطفل علاء بدران كان أفضل بقليل. فقد فقــد عينه فقط. الملكة اليزابيث ابتسمت عند دخولها مستشفى العيون سان جون في شرقي القدس، الذي أجريت فيه عمليات لـ 11 طفلاً.

إن زيارة مركز الشــرطة في رام الله في 15 تشرين الأول، بعد ثلاثة أيام علــى فتك جماعي للجنود، كانت مشــحونة أكثــر بكثير. قائد المركــز، العقيد كمال الشــيخ، قال لنا بأنه حاول الدفاع بجســده عن الجنديين اللذيــن كانا يرتديان الزي الرســمي، والجمهور الذي اقتحم مبنى المركز دفعه إلى الحائط واختطــف الجنديين منه. كان هو مــن رآهما حيين على قيد الحياة. وقال لنا بأن هذا هو «الفشل الأكبر للسلطة الفلســطين­ية» و«الإهانــة الأكبر لــي ولشــرطة رام الله.» إسرائيل المصدومة من صور الدماء والجثث لم تكن مستعدة لسماع رواية قائد الشرطة وغضب كبير ثار بسبب نشر هذه الأمور.

سيل من مشاعر الغضب

بعد أسبوع على ذلك، زرنا منزل الخباز جميل مسليط في بيت جالا، الــذي قصف الجيش منزله. وكان مصدوماً، ونجا أولاده التســعة بأعجوبة، لكن كانت صورة الشــاب مؤيد جواريش ابن 14 ســنة، ترفرف على الجدران في الشوارع، وهو الذي هشــمت رصاصة للجيش الإســرائي­لي جمجمته قبل بضعة أيام. كانت بيت جالا في حالة حظر التجول، وكان هناك دمار كبير يظهر في شــوارعها. كان هذا هو رد إسرائيل على إطلاق النار على غيلو.

مخيم الدهيشــة للاجئين على بعد بضعة كيلومترات من بيت جالا. في الوقت الذي كانوا يتحدثون هناك عن الســام كان «الدهيشة» يتحدث عن الحرب. سيل من مشاعر الغضب وشهوة الانتقام أغرق شوارع هذا المخيم، الذي غطينا فيه قبل بضع سنوات الحملة الانتخابية النشطة للمجلس التشريعي الفلســطين­ي. الآن خرجوا من هنا للمظاهرات الدموية قرب قبــر رحيل الذي تحول إلــى بؤرة رئيســية للمقاومة. وفي الصيف، زرنا في بيت لحم الطفل رامي معالي، بائع العصير الذي كسر الجيش الإسرائيلي يده بدون سبب. شي جيفارا وجورج حبش كانا على الجدران. هذا المخيم كان شرساً، وكل مشاعر المرارة بسبب سنوات اللجوء والاحتلال اندلعت مرة واحدة. لم يتنازلوا عن حلم العودة، ولن يتنازلوا. «قبل هذه الانتفاضة كنا مقموعين» قال أحد المسلحين، «الآن معنوياتنا ارتفعت. لقد اعتقدوا أنهم سيكســرون حلمنا أو سيخرجون الفلســطين­يين من التاريخ، لكن الانتفاضة أعادتنا إلى حلمنا مرة أخرى. ســيكون من الصعب العودة إلى مــا كان قبلها. لن يتمكن عرفات وباراك من التحــدث مرة أخرى. على ماذا سيتحدثان؟ أوسلو انتهت .»

بعد ذلــك بدأت التصفيــات؛ خرج الطالب الناشــط في الجهاد الإســامي أنور حمران من الجامعــة في نابلس بعد إنهاء الامتحــان، كتبه في يديه وزوجته إلى جانبه، وانتظر ســيارة أجرة. عشــرون رصاصة لقناصة الجيش أصابته على بعــد 30 متراً من أعالــي جبل جرزيم. هنــاك عدد غير

أرشيفية للزيارة التي قام بها شارون للقدس قليل من المارة قتلــوا في هذه التصفيات. فــي كانون الأول سجل 250 قتيلاً فلســطينياً. وقبل ثلاثة أشــهر على اندلاع الانتفاضة نشــرنا صورة واجهة العرض لمحل ملابس باسم «قمصان أوســلو» في نابلس. صاحب المحل، سعد الخروف، يتحدث الألمانية من ســنوات منفاه، حذر في حينه من اندلاع الانتفاضة. في نهايــة كانون الأول تمت تصفيته، بعد أن قام شــخص مجهول تظاهر بأنه أحد معارفــه بالاتصال به ليلاً لإنقاذه.

كان سكان مخيم الفوار للاجئين محاصرين عندما أطلقت النار على ابن المخيم ســامر الخضور ابن الـ 18 ســنة، وقتل على أيدي الجنود قبل بضع ســاعات مــن حفل زفافه، وكان هذا بعد أســبوعين على الانتفاضة. دفــن الخضور بملابس العريس التي اشــتراها له والداه. وقــد فرض الحصار على مخيمه البعيد، الذي اســتمر لبضعة أشهر. وأغلقت شوارع الضفة . «لقد قســمتم فلســطين. الآن كل قرية دولة مستقلة » قال على مســامعي أحد موظفي وكالات التنمية التابعة للأمم المتحدة في المخيم.

قرب مستوطنة «نتساريم» في غزة قتل بعد بضعة أسابيع سائق سيارة الأجرة إســماعيل التلباني )50 سنة( لجرأته على الاقتراب من قافلة المســتوطن­ين التي مرت في الشــارع. الطفلة صابرين بلوط ولدت في ســيارة أجرة في شــوارع الضفة في الوقت الذي توســل فيه الوالدان للجنود للسماح لهم بالوصول إلى المستشــفى. وقد تم إخراجها من ســيارة الأجرة وهي مربوطة بالحبل الســري، والجنود يضحكون على ذلك.

في آذار 2001 نشــرنا صور 66 طفلاً فلسطينياً قتلوا منذ بدايــة الانتفاضة الثانية. كان ابن 8 ســنوات ونصف يلعب في غرفته قبل أن يصبــح الضحية الأخيرة حتى ذلك الحين. بعد ذلك أضيف له عدد كبير من الأولاد الآخرين، إسرائيليين وتحديداً فلســطينيي­ن. قبل بضعة أســابيع، في 6 شباط، تم انتخاب أريئيل شارون -الذي تســببت زيارته للحرم بكل ذلك ـ رئيساً للحكومة في إسرائيل.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom