Al-Quds Al-Arabi

رغم نبوءة كوشنر وفتوى السديس و«السماء المفتوحة»: ما الذي «يؤخر» السعودية في اللحاق بركب التطبيع مع إسرائيل؟

قيل هو صراع أجيال أو انتظار «تكتيكي» وقيل بسبب اليمن وخاشقجي وحروب داخلية... واستخبارات واشنطن: هل وضع بن سلمان والدته في الإقامة الجبرية؟

- تسفي برئيل ■ كارولينا غليك * هآرتس 2020/9/25

ســيطول قليلا انتظار توقيع اتفاق التطبيع مع الســعودية، متزامناً مع حبس الأنفاس. وهو تأخير ينسبه محللون ووســائل إعلام عربية وأجنبية إلى الخلاف بين الملك ســلمان وابنه ولي العهد محمد في مســألة النزاع الإســرائي­لي ـ الفلســطين­ي. في حين أعلن الملك ســلمان في خطابه النادر هذا الأسبوع بأن الســعودية تتمســك بالمبادرة العربية التي تتضمن إقامة دولة فلسطينية مســتقلة وانسحاباً إسرائيلياً كاملاً كشــرط للتطبيــع، فإن بن ســلمان يدفع نحو تســريع هذه العملية كجزء من حلمه الاستراتيج­ي، وبالأساس الاقتصادي.

ســلمان هو الملك الســعودي الثاني الذي يخطب فــي الجمعية العموميــة، وقد تطرق بالأســاس إلى إيران التي اعتبرها المســؤولة عن عدم الاستقرار في المنطقة، والتي تظهر عدم الاهتمام المطلق بالاستقرار الاقتصــاد­ي فــي العالم أو اســتقرار توفيــر النفط للأســواق الدولية. وتطرق أيضاً لوصف السعودية كمملكة ولد فيها الإســام وهي مســؤولة عن الأماكن المقدسة للمســلمين، ولدعم العملية السلمية. في حين لم يتطرق إلى اتفاقات السلام بين إسرائيل والإمارات والبحرين مطلقاً، وكأنها غير موجــودة أو أنها مرت قربه مثل عاصفة غبار. هل أراد الملك ســلمان الإثبات بأنه ما زال هو الحاكم، ويشــرف على ســير المملكة، وأنه -مع كل الاحترام لابنه- هو من يحدد السياسة الخارجيــة؟ أهو خــاف بين أجيال، بين «مشــروع» الابن مقابل مقاربــة تقليدية للأب؟ بين الأيديولوج­يا القومية العربية التي ترى في المشــكلة الفلســطين­ية مركز التجند والهويــة العربية، وبين الرؤية الخاصة لبن ســلمان التي تقول إن كل دولة ســتعمل حســب مصالحهــا دون الاهتمام بالمصالح العربية أو القومية العربية التي تنغرس في قلبها المســألة الفلســطين­ية كخطيئة أولى يجب تطهيرها أولاً؟ وربما بشــكل عام، يدور الحديث عــن انتظار تكتيكي لنتائج الانتخابات الأمريكية لفحص من فاز بـ «الهدية السعودية» وممن يمكن الحصول على مقابل أكبر من أجلها.

السعودية دولة غامضة فيما يتعلق بعملية اتخاذ القرارات فيها، وبالعلاقات بين أبنــاء العائلة المالكة وباعتبارات السياســة الداخليــة والخارجية فيها. فقبل بضعة أســابيع، بعد فترة قصيرة على الإعلان عن التطبيع مع الإمارات، تنبأ مستشار وصهر ترامب، جاريد كوشنر، بأن السعودية ستكون الدولة القادمة التي ستوقع على اتفاق سلام مع إسرائيل، وسيحدث هذا بالفعل في وقت قريب.

كوشــنر، الشــخص الأكثر قرباً من بن سلمان في واشــنطن، كان عليه على الأقل أن يعرف ما يدور في رأس بن سلمان. ولكنه هو الآخر لم يتوقع هذا التأخير كما يبدو. كما أنه من غير الواضح أن التأخير مبدئي، أي إلى حين تقوم دولة فلسطينية أو على الأقل إلى أن يتم استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطيني­ين، مثلما أوضح الأب، أو أنه تأخير مؤقت إلى حين نجاح الابن في إقناعه. التناقض بــن موقف الملك وموقف بن سلمان يثير استغراباً آخر. فقد أمطرت السعودية وابــاً من المكرمات علــى اتفاقات الســام الأخيرة، فأثنت علــى خطوات الإمــارات والبحرين التي تمت بتنسيق ودعم من بن ســلمان، وفتحت سماءها أمام الرحــات الجوية من إســرائيل وإليهــا. وألقى أحد الفقهــاء المهمين، عبد الرحمن الســديس، إمام الحرم المكي، خطبة شــجع فيها إدارة علاقــات خارجية عن طريق الحوار حتى مع اليهود. وهو يستند في أقواله إلى علاقة النبي محمد مع الطائفة اليهودية في شــبه الجزيرة العربية. هذه الخطــوة التي أثارت عاصفة كبيرة من الإدانات في الشــبكات الاجتماعية فسرت كخطوة مخطط لها اســتهدفت تهيئة الرأي العام في السعودية والعالم الإسلامي قبل الانعطاف التاريخي مع إسرائيل. هل جرى كل ذلك خلافاً لموقف الملك؟

الهدف: الولايات المتحدة

الأمر الأكثر وضوحاً هو اضطرار الســعودية إلى «عقد سلام» مع واشــنطن قبل أو كجزء من صفقة مع إسرائيل. وسبب الخلاف الرئيسي بينهما هو الحرب في اليمن التي بدأت عند تعيين سلمان ملكاً في 2015. تبينت في هذه الحرب درجة الوحشية التي مارستها

جيوش الســعودية والإمارات ضد الســكان المدنيين مســتخدمة الســاح الأمريكي. فقد قتل أكثر من 125 ألف شــخص حتى الآن في الحــرب، وحوالي 14 ألفاً منهم قتلوا في هجوم موجــه لأهداف مدنية. الضغط الجماهيري والدولي جعل الرئيس باراك أوباما يقرر في 2016 تجميد صفقة سلاح للسعودية للضغط عليها كي تغير تكتيك هجومها في اليمن.

وبعد ســنة ألغى الرئيس ترامب هذا القرار وفتح سد التسلح الســعودي بالسلاح والقنابل الأمريكية. في العــام 2018 أصبحت الســعودية في مرمى هدف الانتقاد في أعقاب قتل الصحافي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في إسطنبول. ومنذ ذلك الحين، تم منع بن ســلمان من زيارة واشــنطن: لقد قيل له بأنه شــخص غير مرغوب فيه، ومن المشكوك فيه أن يكون هناك من يرغب في الالتقاء معه.

مؤخراً تم طرح الحرب اليمنية وسلوك السعودية على جدول الأعمال في أعقاب تقرير سري كتبه مراقب وزارة الخارجية حول مشــاركة الولايات المتحدة في الحرب في اليمن. وتدل الأجــزاء العلنية في التقرير الذي نشــر في وســائل الإعلام الأمريكية، على حجم جرائم الحــرب التي ارتكبتها الســعودية والإمارات والمرتزقة طوال ســنوات الحرب، إلى درجة أن هناك خوفاً حقيقياً من تقديم دعــوى ضد الولايات المتحدة في محكمة الجنايات الدولية.

في مقابلة في «نيويورك تايمز» قالت أونا أتافي، مستشــارة قانونية ســابقة في وزارة الدفاع وهي الآن محاضرة في جامعة ييل: «لو أني الآن في وزارة الخارجية لذعرت إزاء التهمــة التي قد أحملها على أكتافي... وكل المشــاركي­ن في هذه الخطة )التورط في الحــرب اليمنية( يجب أن يبحثوا عن محامين». تحذيرات مشــابهة قالها موظفون فــي أذن ترامب وأذن وزراء خارجيتــه: ريكس تلرســون، ومايك بومبيــو. ولكن ترامب قدم الجــواب التالي: «ليس لديهما )الســعودية والإمارات( أي شــيء ســوى المال، ولا شــيء ســوى المال النقدي. وهم يدفعون لنا مقابل خدمات وحماية وأمور أخرى». بالنســبة

غارقا في وحل اليمن

مقابــل الســعودية، أدركــت الإمــارات الخطر الكامــن لضلوعها في حرب اليمن، وقررت ســحب قواتها. بهذا نجحت في إلغاء منع بيع طائرات «إف 35» وصفقات ســاح أخرى، وتغلبت على العائق الإســرائي­لي باتفاق ســام معها. ما زال بن سلمان الذي بادر هو ووالده إلى شــن الحــرب في اليمن، غارقاً في وحل اليمن الذي يزيــد تعقيد علاقته مع الولايات المتحــدة. هذا إضافة إلى إخفاقاته المدوية في إدارة السياســة الخارجية، مثل فرض استقالة رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، والحصار على قطر، وحرب النفط الفاشــلة مع روســيا التي أدت إلى انخفاض أســعار النفــط، وتخليه عن القضية الفلسطينية.

أمــا فــي الســاحة الداخلية فيجد بن ســلمان صعوبة في عرض إنجازات اســتثنائي­ة. حلم 2030 الذي اخترعه ما زال متعثراً.

وخزينة المملكة تجد صعوبة في تطبيق المشاريع الضخمــة مثل «مدينة المســتقبل » التي قد تمتد عبر ثلاث دول هي السعودية ومصر والأردن، أما تنوع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، فقد بقي حبراً علــى ورق. أما في محاربة الفســاد، فعرض مشــهداً مؤثراً عندما اعتقل عشــرات الملياردير­ات في فنــدق «ريتس» وأفرغ جيوبهــم، ولكنه ضغط بذلك علــى أنبوب التنفس لخصومه السياســيي­ن، وثمة صراعات قوى داخلية لــم تنته بعد. ففي آب قام بعزل الجنــرال فهد بن تركي آل ســعود، الذي كان قائد قــوات التحالف العربي في اليمن، ونجله الأميــر عبد العزيز الــذي كان نائــب حاكم منطقة الجوف، بتهمة التورط في عمليات فساد. أما سبب عزلهمــا الحقيقي فلأنهما محســوبان على الجناح العائلي الخصم. ويخشى بن ســلمان -الذي شق طريقه عن طريق إزاحة سلسلة طويلة من الخصوم السياسيين- من انقلاب عسكري أو سياسي ضده، يمكن ـ حســب رأيه ـ أن يتطــور كلما اقترب موعد تغيير السلطة.

بن سلمان قد يحســد محمد بن زايد، ولي العهد والحاكم الفعلي للإمــارات، الذي نجح في الخروج من الحــرب في اليمن، وبات محبوب واشــنطن، لا بسبب اتفاق الســام مع إسرائيل فحسب، بل لأنه غير محاط بفقاعة عائلية معادية. في الوقت نفس، لم يتردد بن ســلمان ـ حســب مصادر استخبارية أمريكيــة ـ في وضــع والدته في الإقامــة الجبرية وإبعادهــا عن والده خشــية أن تعمــل ضده، وقد يتبــن أن ابــن الامتثــال لوالديه ليس جــزءاً من التربية التــي تبناها. يمكن أن يلقي الملك ســلمان خطابات تأييد للشعب الفلسطيني، لكن ابنه وزير الدفاع وفي يديه القوة للقيام بانقلاب ضد والده إذا اعتقد أن هذه الخطوة ستخدمه أو ستخدم أجندته التي تتضمن سلاماً مع إسرائيل.

 ??  ?? ولي العهد السعودي محمد بن سلمان
لقتل مواطنين في اليمن، قال: «هم )السعوديون( لا يعرفون كيفية استخدام السلاح».
لم تقنــع الكونغــرس تفســيرات ترامب. وفي نيســان 2019 اتخذ قرار شارك فيه الحزبان لإنهاء التدخل الأمريكي في اليمن. وضع ترامب فيتو على القرار وتجاوز منع بيع الســاح للسعودية بإعلان وضع طوارئ مــع إيران، الذي مكنــه من مواصلة الاستجابة لطلبات الســعودية. وخصصت الإدارة الأمريكية حوالي 750 مليون دولار لتدريب مقاتلين وطياريــن ســعوديين للحرب في مناطــق مأهولة بالســكان بهدف منع المس بالمدنيين، وعرضت على الســعودية قائمة لـ 33 ألف هــدف يجب عدم المس بها. ولكن يبدو أن الســعوديي­ن لم يتأثروا من هذا البرنامج فاســتمرت الخروقات. بالمناســب­ة، أحد المتدربين الســعوديي­ن الذين شــاركوا في برنامج التدريب هذا، وهو الملازم محمد الشمراني، قتل في كانون الأول ثلاثة جنــود أمريكيين وأصاب ثمانية جنود في فصل دراسي في قاعدة جوية في بنسكولا في فلوريــدا. وقد تبــن أن الشــمراني كان مؤيداً للقاعــدة، وأن مشــاركته في الدورة تــدل على أن المصفاة الشديدة التي استخدمتها الولايات المتحدة بعد عمليات الحادي عشر من أيلول مليئة بالثقوب.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لقتل مواطنين في اليمن، قال: «هم )السعوديون( لا يعرفون كيفية استخدام السلاح». لم تقنــع الكونغــرس تفســيرات ترامب. وفي نيســان 2019 اتخذ قرار شارك فيه الحزبان لإنهاء التدخل الأمريكي في اليمن. وضع ترامب فيتو على القرار وتجاوز منع بيع الســاح للسعودية بإعلان وضع طوارئ مــع إيران، الذي مكنــه من مواصلة الاستجابة لطلبات الســعودية. وخصصت الإدارة الأمريكية حوالي 750 مليون دولار لتدريب مقاتلين وطياريــن ســعوديين للحرب في مناطــق مأهولة بالســكان بهدف منع المس بالمدنيين، وعرضت على الســعودية قائمة لـ 33 ألف هــدف يجب عدم المس بها. ولكن يبدو أن الســعوديي­ن لم يتأثروا من هذا البرنامج فاســتمرت الخروقات. بالمناســب­ة، أحد المتدربين الســعوديي­ن الذين شــاركوا في برنامج التدريب هذا، وهو الملازم محمد الشمراني، قتل في كانون الأول ثلاثة جنــود أمريكيين وأصاب ثمانية جنود في فصل دراسي في قاعدة جوية في بنسكولا في فلوريــدا. وقد تبــن أن الشــمراني كان مؤيداً للقاعــدة، وأن مشــاركته في الدورة تــدل على أن المصفاة الشديدة التي استخدمتها الولايات المتحدة بعد عمليات الحادي عشر من أيلول مليئة بالثقوب.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom