ألم تفهموا أن عصر منظمة التحرير انتهى منذ أسبوع ونصف؟
«السلام العربي الإسرائيلي»... للفلسطينيين:
■ قبــل بضعة أشــهر، أعلنت كلية الإدارة السياســية، التي تحمل اســم جون كينــدي، في جامعــة هارفرد، بأن أمين ســر اللجنــة التنفيذية لـــ م.ت.ف صائــب عريقات سينضم في الســنة الدراسية 2020/2021 إلى الكلية كزميل كبير للدبلوماســية. وبعث مســؤول كبير في وزارة العدل الأمريكية ســابقاً، المحامي نيل شير، هذا الأسبوع، برسالة لوزير العدل والأمن الداخلــي الأمريكيين، طلب فيها منهما منع دخول عريقــات إلى الولايات المتحدة. وذلك بســبب أعماله الداعمة للإرهاب على مدى الســنين كمسوؤل كبير في م.ت.ف. هــذه الأعمال التــي عدّدها «شــير» تضمنت التحريض، والتأهيل والتشــجيع على الإرهاب. وحســب قوانين الهجرة الأمريكية، كما شــرح شير، محظور أن تطأ قدم عريقات الأراضي الأمريكية.
ثمــة معان للتوقيت أو لجوهر رســالة شــير؛ ففي هذا الأسبوع قبل 20 سنة، شــرعت السلطة الفلسطينية بحرب إرهاب ضد إسرائيل، ســمّاها عرفات «انتفاضة الأقصى». وأشار الاســم إلى عموم العالم الإسلامي بأن الفلسطينيين هم القــوة الطليعيــة للجهــاد العالمي. أمــا المذبحة بحق المواطنــن اليهود، فقد أطلقت الرســالة بأن حرب الإرهاب هذه هي يوم الدين، كما يوصف في الحديث )الذي يقتبسه ميثاق حماس(. فهو يقول إن يوم الدين ســيأتي حين يقاتل المسلمون اليهود، فيختبئ اليهود خلف الصخور والأشجار فتكشف هذه عنهم وتدعو المسلمين ليأتوا فيقتلوهم.
رغم أعمــال الذبح والقتــل، وبرغــم التحريض منفلت العقال لقتل اليهود، وبرغم التنكر لكل التزام بالســام مع إســرائيل ـ لم يكن أي تنكر من الســلطة، لا في إســرائيل ولا في واشــنطن ولا في العالم الواسع. وبدلاً من الاعتراف بالواقع، واصلت حكومة باراك التفاوض مع ممثلي عرفات.
وبعد ثلاثة أشــهر من بدء الســلطة حربها الجهادية، نشر الرئيــس كلينتون «رؤياه» للســام، وتضمــن لأول مرة الإعراب عن تأييد أمريكي علني لإقامة دولة فلسطينية.
وبعــد تبادل الحكم فــي الولايات المتحدة وإســرائيل، ومع ارتفاع عدد الضحايا الإسرائيليين وبحجوم الفظاعة، استمر التأييد لـ م.ت.ف وســلطتها اتساعاً. بعد هجمة 11 أيلول، أعلن الرئيس جورج بوش الابن حرباً على «الإرهاب العالمي». كان هناك إســرائيليون كثيرون ممن أملوا في أن توقظ هــذه الهجمــات الأمريكيين على الجوهــر الإرهابي للسلطة. ولكن بوش أوضح بأن الإرهاب الفلسطيني لا يمت للأمر بصلة. بعد شهرين من الهجمات، أعلن وزير الخارجية كولين باول بأن إدارة بوش تؤيد إقامة دولة فلسطينية.
إلقاء «مفتاح السلام» إلى البحر
عبر مذبحــة الدولفيناريوم كارين ايه، وحملة الســور الواقــي وغيرهــا، تواصــل وتعاظــم التأييــد الأمريكي والإسرائيلي للسلطة. في عامي 2007 ـ 2008 عملت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس بنشــاط للتوصل إلى تســوية دائمة في ظل ممارسة الضغط الشديد للغاية على إسرائيل لتقديم التنازلات.
في العام 2008 قدم إيهود أولمرت لخليفة عرفات، محمود عباس، عرضاً كان أكثر سخاء من عرض باراك في طابا. في عهد إدارة أوباما، رفع الأمريكيون الفلســطينيين وحربهم
غير المتوقعة ضد إسرائيل على رأس فرحتهم في ظل تحرير وابل لا يتوقف من الضغط واللذعات ونزع الشــرعية نحو إسرائيل. أما الفلسطينيون فتمسكوا برفض السلام وبنشر الكراهية لإسرائيل على مدى السنين.
مــا الذي وقــف خلف هذا الســلوك الهــاذي للولايات المتحــدة ولإســرائيل؟ لمــاذا تواصــل الإرهــاب والدعم الاقتصــادي والسياســي بل والعســكري لواشــنطن من جهة، وإســرائيل من جهة أخرى، للســلطة الإرهابية التي لم تتوقف عن التأييد العلني لإبادة إســرائيل؟ ثمة ســبب واحد مشــترك لواشــنطن والقدس، أو على الأقل لليسار وللمؤسســة الأمنية الإسرائيلية. وثمة ســبب آخر يعود أساساً للمؤسسة الأمنية ولليســار في إسرائيل: فهم، مثل الأوروبيــن، كانوا مقتنعين بأن المفتاح الحصري للســام وللاســتقرار في الشرق الأوسط هو الســام بين إسرائيل وم.ت.ف. هذا الإيمان الأعمى قبع في جذر الرفض المتواصل للاعتراف، وبقيت م.ت.ف منظمة إرهابية إجرامية نجحت في الجســر بين القومية العربية والإسلام الجهادي. عندما هــدد عباس بحل الســلطة إذا لم يتلقَ المزيــد من المال من إســرائيل والولايات المتحــدة وأوروبــا، كان يعرف بأن التهديد سيحقق النتيجة المرغوب فيها. فقد كان هو الرجل، وحكمه كان الحكم الذي لا بديل عنه.
ســبب آخر، إســرائيلي داخلي، دفع المؤسســة الأمنية واليســار لرفض الاعتراف بحقيقة الســلطة وعدم قدرتهم على تخيل وضع تكــون فيه المدن الفلســطينية في يهودا
والسامرة تحت ســيطرة جهة أخرى. وانطلاقاً من الخوف مــن التغييــرات الديمغرافية الفلســطينية، أم انطلاقاً من إيمــان أعمى بعدم وجود بديل لـــ م.ت.ف )في وقت يوجد فيه نظــام لحماس منذ 13 ســنة في غــزة( أم انطلاقاً من كراهية اليمين الإســرائيلي ورفــض الاعتراف بخطئهم في عقد اتفاقات أوســلو ـ فقد رفض اليساريون، مثلما فعلت قيــادة الجيش والمخابرات الإســرائيلية علــى مدى الـ 20 ســنة الأخيرة، مواجهة الحقيقة البسيطة: إن حكم م.ت.ف ليس مناسباً وإن لم يكن هناك بديل مناسب لها. فهو معاد، وفاسد، ومفسد وخطير على الدولة، بل لن ينشأ سلام منه أبداً.
انطلق القطار... ولم يمر بالمحطة
وقعت اتفاقات السلام في البيت الأبيض الأسبوع الماضي بين إســرائيل والإمــارات والبحرين، أما رفــض الجامعة العربية الاستجابة لطلب الســلطة بشجبها، فتكشف فراغ فكرة كل من في واشنطن وإسرائيل وأوروبا.
فالســلطة وم.ت.ف ليســت المحطة التــي يجب أن نمر فيها في الطريق إلى الســام بين إسرائيل والدول العربية، وليســتا ذات صلة على الإطلاق، وإذا كان لا بد فهما مصدر إزعاج، ليس أكثــر. في اللحظة التي قــررت فيها الإمارات والبحرين بأن السلام مع إســرائيل يخدم مصالحهما، فقد توجهتا إلينا. ويشــير رفض الجامعة العربية شجب فعلهم
إلى عمق واتساع التأييد للعلاقات مع إسرائيل في أوساط الزعماء العرب.
وهذا يعيدنا إلى رســالة المحامي شــير لوزيري العدل والأمن الداخلي الأمريكيين في شــأن التأشيرة لعريقات. لا شــك في أن عريقات أيد ويؤيد الإرهاب وشكل بوق دعاية للســلطة على مدى السنين، في ظل نشــر فريات الدم ضد إســرائيل،كوان الأبرز فيها ادعاءه في نيسان 2020 ـ الذي أطلقه ثــاث مرات في الـ «ســي.ان.ان» ـ بأن إســرائيل ذبحــت الفلســطينيين في مخيــم اللاجئين فــي جنين بلا تمييز في أثناء حملة الســور الواقي. وبالنسبة لعريقات، فقد قتل جنود الجيش الإســرائيلي وبدم بارد أكثر من 500 فلسطيني. في السنوات الأخيرة، ومع أنه اجتاز عملية زرع رئة في الولايــات المتحدة في نهايــة 2017، يدعي عريقات بأن ليس لإدارة ترامب الحق في التوســط بين إســرائيل والفلسطينيين.
على مدى كل ســنواته كالمفاوض الرئيس لـ م.ت.ف مع إســرائيل وعضو في قيادة م.ت.ف، لم يكن عريقات مطالباً بدفــع أي ثمن على أكاذيبه وتأييده النشــط والعلني لقتل الإسرائيليين على أيدي مخربين فلســطينيين. ولكن الآن، حين يكون واضحاً بأن م.ت.ف وسلطته لم تعودا ذات صلة بالســام، حان الوقت لأن تكفا عن تلقي الإعفاء من العقاب على دورهما المباشر وغير المباشــر بالإرهاب. فليس هناك ســبب يجعل عريقات يحصل على التأشيرة، وليس هناك سبب يجعل إســرائيل تواصل تمويل رواتب رجال السلطة أو تجبي لهم الضرائــب. وبالتأكيد لا يوجد ســبب يجعل الحكومة تمنع الإســرائيليين من رفع الدعاوى على السلطة علــى أضــرار الإرهاب في المحاكــم. عصــر م.ت.ف انتهى قبل أســبوع ونصف، حان الوقت للاعتــراف بذلك والعمل بموجبه.