Al-Quds Al-Arabi

العراق: دولة الكاظمي تتراجع مجددا أمام سلطة العشيرة بعد الحشد

- * كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

الميليشيات الشيعية المهيمنة في العراق ترتكز في المناطق الشيعية على بنى اجتماعية، من بينها العشائر

عــدة دلالات يمكــن اســتخلاصه­ا من تراجع قوات الحكومة العراقية «مكافحــة الإرهــاب» أمام عشــيرة العساكرة العربيــة الشــيعية جنوبا، فهــي أولا تمثل إشــارة جديــدة علــى فشل «الدولة» وأجهزة الحكومة الأمنية، أمام قوى المجتمع العميقة، وهــي الحادثة الفارقة الثانيــة في هذا الإطــار، بعد موقعــة كتائب حزب الله في الحشد الشــعبي، عندما اضطر الجهاز الأمني نفسه، الذي يعتمد عليه رئيس الوزراء مصطفــى الكاظمي، لإطلاق ســراح عناصرالحشد، الذين ردوا لاحقا بـ»الدوس» على صــورة الكاظمي، وهو مــن يفترض أنه قائدهم الأعلى في القوات المســلحة العراقية، لكن هذه المسميات المســتمدة من الدول، التي تســود فيها ســلطة القانون واحتكار الدولة لـ»العنف»، لن تكون ســوى معنى شكلي، في دول تحكمها شبكات عشائرية، وطائفية أشد نفوذا في المجتمع من الحكومة نفسها.

في المشــهد الذي دار فــي الناصرية دلالة لافتة أيضا، فالمروحيات الســمتية والعربات المدرعة والجنود المدججة بالسلاح، لم تستطع مواجهة خطيئة دخول بيت «الشيخ»، للبحث عن الناشط الثوري المختطف سجاد، فخرجت العشيرة بســاحها الخفيف والثقيل وأبنائها لتواجه الدولة، وانســحبت قــوة «الدولة»، فالشيخ فوق القانون في هذه الدولة، كما هو في عرف القبيلة.

الحادثة ســلطت الضوء أيضا، على حقيقة يجب عدم مواصلــة التغافل عنهــا، وهي أن النزاع في أجواء الحراك الثوري في العراق، لا يمكن اختزاله بطرفين، مع الثوار وضد الثوار، مع إيــران وضد ايران، فحكومة الكاظمي التي ينظــر لها كظهير للناشــطين وقــوى المجتمع المدني، أرسلت قوات مكافحة الإرهاب للبحث عن ناشط مختطف هو سجاد العراقي، اتهمت مرة قوات بدر الموالية لإيــران بخطفه، ومرة قيــل إن موضوعه عشــائري، ولكن المؤكد أن القوات الأمنيــة المناصرة للناشــطين اتهمت عشــيرة عراقيــة بخطفه، واصطدمــت بها، وهذه العشــيرة ليســت إيرانيــة أو فصيلا مواليا لإيران! وهكذا فهناك شــبكة معقدة من الانقســام­ات والاعتبارا­ت المحليــة، لا يمكن اختصارها فقــط بمحور مع وضد الثوار أو مع وضــد إيران، ولا يمكن تعليــق كل نزاع أو كل جريمة تحصل )كجريمة قتــل العائلة الكردية في بغداد( على شــماعة إيــران وتدخلاتها، وتجاهل الانقســام­ات الداخلية الجســيمة، وفي النهاية فإن العشائر العراقية كالعساكرة تســتمد جزءا مــن قوتهــا أيضا مــن ابنائها المنضويــن فــي الميليشــي­ات، وبالمقابل فإن الميليشيات الشيعية المهيمنة في العراق ترتكز في المناطق الشــيعية على بنى اجتماعية، من بينها العشــائر، فمقاتلو الميليشــي­ات هم في النهاية ابناء تلك العشائر والأحياء الشيعية.

الدلالــة الأخرى، هي تلــك المتعلقة برمزية جهاز مكافحــة الإرهاب، فهو قــوة أمنية بات يشار لها، في السنوات الأخيرة، بانها الأقرب لحلفاء امريكا فــي العراق، والأبعد عن حلفاء إيران المهيمنين، ورغــم أن الضابط الأمريكي الذي أشــرف فتــرة على تأسيســها وتدريب عناصرهــا، وصفهــا بأنها تحولــت للحرس الخــاص للمالكــي، الذي أخضعها لســلطته وهجّــن قياداتهــا حينها، إلا أنهــا بعد رحيل المالكي عــادت لتتولاها قيادات أقل حماســة للتقارب من ايران كما يبدو، والكاظمي اعتمد عليها بشــكل مطلق في تنفيــذ معظم المهمات ضــد الفصائــل المقربة من إيــران، كما حصل في غزوة حزب الله، التي انتهت بفشــل مدو لجهاز مكافحة الإرهاب، وكان فشــلها الثاني، ما حصل أمام عشيرة العســاكرة، فبدا وكأن المعسكر الأقرب لأمريكا خسر ‪/2 0‬أمام معسكر إيران في الحشد، وبعدها امام معسكر شبكات المجتمع العشــائري­ة الرافضة لســلطة الدولة المدنية.

أما الدلالة الأخيــرة، فهي الفرق بين طريقة تعامل القــوات الحكوميــة اللين نســبيا مع الفصائل والعشــائر والمظاهرات الشــيعية، وميلها لعدم التصعيــد، وتجنب إراقة الدماء، وتعامل هذه القوات العنيــف مع التظاهرات والمعارضة في مناطق الســنة، وهو ما يرسخ هواجس العرب الســنة، من أن حكومة بغداد وقواتهــا الأمنية ظلت منذ 2003 شــيعية أكثر منها عراقية وطنية

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom