Al-Quds Al-Arabi

عودة التوتر الأمريكي الإيراني... وماذا بعد؟

- *كاتب عراقي

عادت من جديد التهديدات باســتعمال القــوة العســكرية، أو التلويــح بها بين إيــران والولايات المتحــدة الأمريكية، في ظروف دولية فــي غاية الصعوبة والتعقيد، وفي وقت يشــهد العالم والمنطقــة العربية تغيرات عاصفــة، جائحة كوفيد 19، عمليات التطبيع مع إســرائيل، والأهم بالنسبة إلى إيران؛ هو ســعي الولايات المتحدة إلى عدم رفع العقوبات الدولية عنها، في ما يخص توريد السلاح من وإلى إيران، أو هذا هو المقصود حصريا، بموجــب الصفقة النووية بين الدول الكبرى الســت وإيران.

عدم رفع العقوبات عن إيران ووجه بالرفض من قبل الصين والاتحاد الروســي، وربما يواجه بالرفض أيضا في الأسابيع القليلــة المقبلة، من بريطانيا وفرنســا وألمانيــا، في حالة عدم رضوخهــا للضغط الأمريكي، وهو احتمال قوي جدا، إن لم نقل إنه مؤكد.

الأوروبيــ­ون يريدون رفــع العقوبات عن إيــران بموجب الصفقــة النوويــة، وليس إعادة فــرض العقوبــات بالكامل عليها، وهذا هو ما تؤكده رســائل مفوضية الشؤون الخارجية الأوروبية إلــى مجلس الأمن الدولي، إضافــة إلى تصريحات المســؤولي­ن الأوروبيــ­ن، التي جميعهــا تؤكد علــى ضرورة المحافظة على الصفقة النووية، كونها تشــكل ضمانة للســلم والاســتقر­ار الدوليين بحســب رؤيتهم، ولما تمثله من ضمانة لعدم الانتشــار النــووي، وقطع الطريق على إيــران لصناعة الســاح النووي. وزير خارجية أمريكا مايــك بومبيو هدد أو لوح بالتهديد للأوروبيين، فــي حالة عدم دعمهم أمريكا لإعادة فــرض العقوبات على ايران. إيران من جانبها هددت بالخروج مــن الصفقة النوويــة، إن لم ترفع العقوبــات عنها، أي توريد الســاح منها وإليها، في محاولة من الزعامة الإيرانية، للتأثير النفسي في مواقف القوى الدولية الكبرى، خاصة الأوروبيين؛ وذلك بالتلويح بالخروج من الاتفاق، بالشــكل الذي يجعل هذا الاتفاق، يفلت من روابط تثبيته داخل دائرة الضوابط والقيود، أو بعمل ما، كما صرّح بهذا قائد الحرس الثوري الإيراني، بأنه لا بد من العمل، بطريقة ذكية، في المواجهة العسكرية مع أمريكا.

الرئيس الإيرانــي روحاني، هدد أمريكا بالــرد الصارم في حالة إعــادة العقوبات الدولية على إيران من جهة، ومن الجهة الثانية، ينطوي هذا التهديد، والقصد الأساسي منه هو، تحذير الإدارة الأمريكية من مغبة التعرض لإيران أو لســفنها في مياه الخليج العربي وعُمان، أو في بقية البحار في العالم، كما حدث قبل أســابيع ثلاثة؛ من قيام البحرية الامريكية باحتجاز سفن إيرانية محملة بالمشــتقا­ت النفطية إلى فنزويلا، التي واجهتها إيران بالصمت. من جانبه فإن الرئيس الامريكي دونالد ترامب هــدد إيران، إن هــي أقدمت علــى حماقة ما، وبحســب قوله، ســوف يكون الرد الأمريكي أقوى من الســابق بألف مرة، في مغالطة واضحة للواقع ومجرياته، في الذي ســبق من سنوات الصــراع والتوتــر بينهما، وعلــى وجه الخصــوص في فترة رئاســته، فمن المعروف أن الولايات المتحــدة الأمريكية لم ترد على إســقاط الطائرة المســيرة الأمريكية، كما أنها لم ترد على القصف الصاروخي الإيراني على قاعدة عين الأســد الأمريكية في العــراق. من الجانب الثاني اي مــن الجانب الإيراني، قائد الحرس الثوري حسين سلامي، هدد وتوعد الأمريكيين بالانتقام لمقتل قاسم سليماني، وأن هذا الرد حتمي، بحسب قوله، وأكمل موضحا، أن إيران لا تتكلم فقط، بل إنها ســوف ترد في ميدان المواجهة، والمعنى في هذه المواجهة، هو إقدام الإدارة الأمريكية على فعل يســتهدف المصالح الإيرانية أو أرضها أو ســفنها في المياه الدولية؛ بأن إيران سترد ردا صارما لأي تعرض أمريكي.

بحســب تســريبات الاســتخبا­رات الأمريكية، فإن إيران لن تقوم بأي عمل عســكري ضد الولايات المتحــدة الامريكية ومصالحها في المنطقة، في الاســابيع التي تســبق الانتخابات الأمريكيــ­ة، خوفا من زيادة حظوظ ترامــب بالفوز. الصهاينة دخلوا على خط التوتر بين الأمريكيــ­ن والإيرانيي­ن؛ بتصريح لقائد قــوات الدفاعات الجوية الإســرائي­لية، بــأن الإيرانيين قادرون على مهاجمتنا، لكننا اكتسبنا الخبرة، أو كيفية التعامل مع هذا الهجــوم، إن حدث، بدراســتنا للهجــوم الصاروخي الإيراني على السعودية، وهي محاولة لخلط الأوراق، وإرسال رســائل قصدية، مفادهــا أن الخطر الإيراني يحــدق بالعرب وبالكيان الصهيوني في آن، وهي دعوة مبطنة، تحمل شيفرات مضمــرة، لأهمية التحالــف العربي مع هذا الكيان المســخ، في التصدي للخطر الايراني، وهي لعبة شيطانية مكشوفة.

إن الإصــرار الأمريكي على إعادة جميــع العقوبات الأممية على إيران، سيقود إلى انقســام حاد في مجلس الأمن الدولي مــن جهة، ومن الجهــة الثانية، فرص أمريكا فــي إعادتها على إيران تكاد تكون محدودة جدا، إن لم نقل معدومة، فالعقوبات باحتمال يكاد يكون مؤكدا أو هو مؤكد، سترفع بقرار من مجلس الأمــن الدولــي، أو تلقائيا، إنفــاذا لبنود الصفقــة النووية.. إن عــودة هــذا التوتــر للصراع الدائــم، والمتواصــ­ل لأربعة عقود مضت، بــن إيران والولايات المتحــدة، من وجهة نظرنا المتواضعة، لن يصل إلى درجة الســخونة، أو لا ولم ولن تكون هناك مواجهة عســكرية مباشــرة بين الجانبين، لا الآن ولا في المســتقبل، كما كانت عليــه مواقف الجانبين فــي العقود التي انقضت من ســنوات صراعهما، الذي لم يتجــاوزا فيه حاجز الوعيــد والتهديد بلغة الــكلام، من دون إنفــاذه على صعيد الواقع، أو إلى فعل يتحرك علــى الأرض بلغة الواقع. المقصود هنا، المواجهة العســكرية المباشــرة لتفكيك عوامــل الصراع، لإنتاج الحل، وليس الحروب الســيبران­ية الاستخبارا­تية، أو حرب الاغتيالات الاســتخبا­راتية، كما جرى مؤخرا في اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني ورفيقه المهندس في بغداد.

من الجانب الثاني سوف تزداد حرارة التوتر بين الجانبين، وبالذات في هذه الأسابيع، التي تسبق الانتخابات الأمريكية. إيران تبني سياســتها في مواجهة الولايات المتحدة في الوقت الحاضــر، على اســتثمار الوقــت، أي تجنب الدخــول في اي تصادم مــع الولايــات المتحدة، ومــن أي نــوع كان، وفي أي مكان، خــارج حدودها الجغرافيــ­ة، بمغادرة ولــو إلى حين، مــا كانت بالانابــة.. تفعله في الســابق، من وضــع معرقلات ومطبات في الــدروب الأمريكية في المنطقــة العربية، بصرف النظر عن تصريحات قائد الحرس الثــوري الايراني الجنرال حسين ســامي، أو تهديد السيد حسن روحاني، أو غيرهما من المسؤولين الايرانيين؛ لأنها رسائل للتأثير النفسي؛ بانتظار ما سوف تســفر عنه الانتخابات الامريكية. على ما يبدو أن إيران تراهن على خســارة ترامب، وهي في هذه المراهنة، وفي جميع الأحوال، مراهنة خاســرة في النتيجتين ســواء فاز ترامب أو فاز جــو بايدن، فلن تتغير السياســة الأمريكيــ­ة نحو إيران، لأن كلاهما وجهــان لعملة واحدة. الأمريكيــ­ون يصرون على توســيع نطاق الصفقة النووية، إضافة إلى شمول بنود أخرى خارج البرنامج النووي؛ مثل الصواريخ البالســتي­ة، والتدخل في شــؤون المنطقة العربية، بحســب وجهة النظر الامريكية. نعتقد أن إيران ســتقبل بأن تجري المفاوضات على أسس هذه البنود، بعد الانتخابات الأمريكية. ما يعزز هذه القناعة، هو أن إيران وفي جميع مراحل تاريخها في العقود الاربعة المنصرمة، تصرفت ببراغماتية بشــكل واضح لا غموض فيه؛ لأي متابع.. على العموم فإن الايرانيين والامريكيي­ن، سيجلســون متقابلين إلى طاولة التفاوض، بعد الانتخابات الامريكية.

في الخاتمــة: لا ولم ولن يحدث أن تســتعر أي نار بصورة مباشــرة، مهمــا كان حجمها وســعتها في منطقــة التوتر بين الجانبين.. هذا لا يعني عدم وجود تحركات مضادة استفزازية، أي فعل على الارض، محدود واقعيا، وواسع الانتشار إعلاميا، بين الجانبين، ولكن في الحدود المســيطر عليهــا، أي من دون الضغط على وقيد إشــعال النيران.. لحين تتصافح الأيادي من فوق الطاولة.

إن الإصرار الأمريكي على إعادة جميع العقوبات الأممية على إيران، سيقود إلى انقسام حاد في مجلس الأمن الدولي

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom