Al-Quds Al-Arabi

البرهان ونتنياهو: التطبيع مقابل ماذا بالضبط؟

-

■ أعلنــت أكثر من صحيفة عبريّة عن لقاء ثان قريب جدا بين رئيس مجلس الســيادة الســوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإســرائي­لي بنيامين نتنياهــو، كما توقعت مصــادر أخرى عن إعلان الســودان )ودولــة عربية أخرى( عن «اتفاقية ســام» مــع إســرائيل خلال الأســبوع المقبل، وإذا صحّــت التوقعات فهــذا يعني أن الخــرق الذي تمكّنت الولايات المتحدة الأمريكية وإســرائيل لصالحهما ســيكون قد اتســع كثيرا وليس مستبعدا، إذا اســتمرّ انخراط الدول العربيــة بهذه الخطة وبهذه الســرعة، أن يصبح التطبيع هو الأمر «الطبيعي» في العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وأن يترك الفلسطينيو­ن ليواجهوا إسرائيل وحدهم من دون غطاء سياسيّ عربيّ، ولو شكليّ، يحميهم.

يمتاز الســودان بأنه البلد العربيّ الثاني، الذي قادت فيه نخبه السياســية ثورة مدنية سلميّة ناجحة )نسبيا( والبلد العربي الأول الذي تقوم فيه القوى المعارضة بإجراء تسوية سياســية مــع بعض قيــادات النظــام العســكري ـ الأمني،

والتخلص من رئيســه عمر حسن البشــير، وتقاسم السلطة لفتــرة انتقالية مع العســكريي­ن، والمبادرة لحلّ الإشــكالا­ت الداخلية مع أغلب تنظيمات المعارضة المســلحة، والتفاوض مــع الجهــات الدوليــة على رفع اســم الســودان مــن قائمة الإرهاب، بالتزامن مع العمل على حل المشكلات الاقتصادية المعقدة، والتعامل مع قضية «سد النهضة» الإثيوبي.

جاءت مبادرة رئيس «المجلس السيادي» الفريق البرهان باللقــاء المفاجــئ بنتنياهــو العــام الماضــي فــي العاصمة الأوغنديــ­ة كمبــالا، لتدخل موضــوع التطبيع مع إســرائيل على خط هذه السلســلة الطويلة المعقّدة من المهام السياسية والاقتصادي­ة المســتعصي­ة التي يقودها رئيس الحكومة عبد الله الحمدوك.

رغــم العلاقات الدافئة الناشــئة )أو القديمــة( بين حكام الســودان، الجدد والقدامى، وبعض نخبها السياســية، مع الإمارات والســعودي­ة، اللتين اعتبرتا ســقوط نظام البشير فرصــة كبيــرة لممارســة نفــوذ أكبــر علــى الســودان، فإن الرياض وأبو ظبي اكتفتا بتقديم مســاعدات ماليّة أو عينية ضعيفة نســبيا، وبانفتاح موضوع التطبيع وجد سياسيون وإعلاميــو­ن كثيــرون ذلــك مناســبة للإطنــاب فــي فوائــد العلاقات مع إسرائيل، وكذلك في هجاء الفلسطينيي­ن.

يشــير إعلان الحكومة المدنية الســوداني­ة عدم حصولها على تفويض سياســي بالتطبيع مع إســرائيل إلى رغبة في الابتعــاد عــن تجرّع هــذه الكأس المســمومة، لكــنّ الأريحية التي يتصــرف بها البرهان فــي ملف التطبيع مع إســرائيل )وخصوصــا إذا قرئــت علــى خلفية الحديث عــن خلافات ضمن «قــوى الحرية والتغييــر» حول هذا الملــف( تعني أن هناك موافقة ضمنيّة علــى ما يفعله، إلا إذا أعلنت الحكومة، صراحة، معارضتها لهذا التوجّه.

حســب أغلــب المصــادر الإخبارية فــإن البرهــان يطالب الولايــات المتحــدة الأمريكيــ­ة بحزمــة مســاعدات بحــدود 10 مليــارات دولار، تقســم على ســنوات الفتــرة الانتقالية، وبرفع اســم الســودان من قائمــة الدول الراعيــة للإرهاب،

وكذلــك إعادة الحصانة الســيادية للســودان بتشــريع من الكونغرس لإغلاق أبــواب مقاضاته في المســتقبل، وإعفاء ديونــه لأمريــكا، ومطالــب أخرى، غيــر أن الوفــد الأمريكي الذي اجتمــع بالبرهان في أبو ظبي تعامل باســتخفاف مع مجمل هذه المطالب، والأغلب أن «التفاوض» جرى حول دفع الســودان 30 مليون دولار تعويضات لأهالي ضحايا تفجير السفينة يو إس إس كول، الذين استهدفهم تنظيم «القاعدة» في اليمــن عــام 2000، و330 مليــون دولار لأهالــي ضحايا تفجير سفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلام عام 1998.

أي أن الســودان، ذا الاقتصــاد المنهك والفقير، ســيدفع فعليــا قرابة 360 مليــون دولار، مقابل رفع اســمه من قائمة الإرهاب، وســيقبض وعودا بتلقي قرابــة 650 مليون دولار، على شــكل قروض وهبات، مقابل فتح الأبواب السياســية والاقتصادي­ــة والأمنية لإســرائيل، مــن دون أن نتحدث عن الأثمان السياســية التي ســتدفعها الحكومة المدنية لصالح البرهان وبقية العسكر.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom