Al-Quds Al-Arabi

محاكمة ممدوح حمزة والعدل الأعوج في مصر!

- ■ ٭ كاتب من مصر

يقول المثل التونســي «تيجي تفهم تدوخ» وفهم كثير مما يجري في القاهرة تجاه الشــخصيات والقوى الوطنية بدا صعبــا، ويحتاج لجهــد جهيد لتفســيره وفهمه، وثمن مجرد تغريدة كتبها المهندس الاستشــار­ي المعروف ممدوح حمزة هو إحالته إلى نوع من محاكــم الجنايات )أمن دولة عليا(؛ أشــبه بالمحاكم العســكرية، التي يقل فيها النقض أو الإبرام، والقوانين التي أنشأتها تحمل في ثناياها شبهة عدم الدستورية.

جاء في أمر الإحالة في القضية رقم 31 لسنة 2017 حصر تحقيق نيابة اســتئناف القاهرة المقيدة برقم ‪4 48/‬ لســنة 2020 جنايــات أ. د. ط ـ قصر النيل، والمقيدة برقم 2 لســنة 2020 كلي وســط القاهرة أ. د. ط، وفيه تتهم النيابة العامة ممدوح مصطفى عبد الرحمن حمزة لأنه بتاريخ ‪2017 7/ 16/‬ بدائرة قسم قصر النيل محافظة القاهرة:

ـ حرَّض علنا على ارتكاب جريمة إرهابية وهي استخدام القوة والعنف والتهديد الذين من شــأنهم الإخلال بالنظام العام، وتعريض ســامة المجتمع ومصالحــه وأمنه للخطر، بأن نشر مشاركة عبر حسابه الشخصي لدى موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بشــبكة المعلومات الدولية حوى عبارة «إلى أهالي جزيرة الوراق تمســكوا بحقوقكم ولا تخضعوا لمن يبيع الأرض لقد دافعنــا عن جزيرة القرصاية 2009 أمام هجوم الاحتلال - في الاتحاد قــوة» وكان ذلك بغرض منع وعرقلة الســلطات العامة مــن القيام بعملهــا ومقاومتها، ولم ينتــج عن ذلــك التحريــض أثــر على الوجــه المبين بالتحقيقات)!!(.

ـ حــرَّض علنا على عــدم الانقياد للقوانــن، وكان ذلك بدعوتــه المتمثلة في مشــاركته المنشــورة ـ محــل الاتهام السابق ـ على النحو المبين بالتحقيقات.

بنــاء عليه يكون المتهم قــد ارتكب جنايــة وجنحة أمن الدولة طوارئ المعاقب عليها، وتم حصر أرقام المواد الخاصة بذلك فــي قانون العقوبــات والقانون رقم 94 لســنة 2015 بشأن مكافحة الإرهاب

وحسب ما ورد في قرار الإحالة عن التغريدة بالنص: «لم ينتــج عنها أثر على الوجه المبين فــي التحقيقات»؛، أي كأن لم تكن، ووصف الدفاع عن جزيــرة القرصاية «أمام هجوم الاحتلال» وكان ذلك عام 2009 ـ قبل الثورة ـ وليس شــرطا انســحاب ذلك على ما يجري لجزيرة الوراق حاليا، وكانت دعوة للتمســك بالحقــوق وعدم التفريط فيهــا، والمقصور

بأمــر الإحالة الترويــع والتجريم، فالنيــة مبيتة والتصيد قائم. وعليــه فالمقارنة مطلوبة بين ممدوح حمزة؛ أهم وأبرز رموز ثورة يناير الموءودة، وبــن آخر مدان ومحكوم عليه بالإعدام، )خُفِّف إلى الســجن 15 عاما ثم تم العفو الرئاسي عنه(؛ إنه هشام طلعت مصطفى، وشتان بين الإثنين.

ممدوح حمزة خبير واستشاري هندسي مصري وعربي وعالمي مرموق؛ من طراز فريــد، يناله ما نال ثورة يناير من «شيطنة» وتشويه، ويُقدم لمحكمة مختصة بالإرهاب، بينما تتوالى بــراءات وإفراجــات وامتيازات لقتلة ومفســدين وفاســدين، بأثر دمج السلطات الثلاث؛ تنفيذية وتشريعية وقضائيــة، وضمها للرئاســة، وينــال حمــزة نصيبه من «الشــيطنة» والتشــويه، مثل كثيرين من شــرفاء واحرار هــذا الوطن الغالي، الذيــن يجأرون بآرائهــم، ويتصدون لـ «الاســتبدا­د والفســاد والتبعية » ويتمســكون بالأرض، ويعترضون على جور ترســيم الحــدود البحرية، وإضاعة حقوق مصر بين اليونــان وقبرص والدولة الصهيونية، كما ضاعت حقوقها في مياه النيــل، ومحاكمته وجه من وجوه محاكمة ثورة يناير!!

ومنــذ وأد ثورة يناير وممدوح حمــزة في مرمى النيران الرئاســية، التــي لا تتوقــف؛ بالتحريــض والملاحقــ­ة، والوطنيون والثوار بين مســجون ومطارد وملاحق، وليس ممدوح حمزة وحده الذي يتــم التعامل معه بهذه الطريقة؛ هناك حازم حسني وسامي عنان ويحيى القزاز وحازم عبد العظيم ومعصوم مرزوق وشــادي الغزالي حرب وغيرهم؛ ممن لا يتســع المجال لحصرهــم، وكثيــرون يعلمون عمق علاقتــي بالدكتور ممدوح حمزة، وأعرفــه حق المعرفة على مدى ما يقرب من عقدين، وتوطــدت العلاقة إبان أزمته في المحاكم البريطانية في 2004، وقويت أكثر أثناء الثورة.

وتابعــت كما تابعت مصــر كلها دور ممــدوح حمزة في الثورة وتضحياته من أجلهــا، وفي محاكمته التي بدأت في يوليو الماضي )هــذا العام( على تغريــدة كتبها عام 2017، يطلب فيها من ساكني وملاك جزيرة الوراق التمسك بحقهم وضرب مثلا بمــا جرى مع جزيرة القرصايــة في 2009 وتم اعتبار ذلك تحريضا يقتضي الإحالة لمحكمة الإرهاب.

وممدوح حمزة ابن فارســكور محافظــة دمياط؛ خريج كلية الهندســة جامعة القاهــرة، كان يحصــل على مكافأة التفوق طوال ســنوات دراســته، وانتُخِب رئيســا لاتحاد الطلبة عام 1968 وقاد اعتصام طلبة الهندســة، ورأس وفد الطــاب للتفاوض مع أنور الســادات رئيس مجلس الأمة، وتخرج عام 1970 بتقدير امتياز، وحصل على الماجستير من الكلية الامبراطور­ية )الإمبريال كوليدج( بلندن في ميكانيكا التربة وماجســتير ثانية من جامعة ســوانزي بويلز، ونال الدكتوراه والزمالة من الإمبريال كوليج.

عمــل مدرســاً فــي الجامعــات البريطانيـ­ـة، وخبيرا واستشاريا في هندسة التربة في كبرى المكاتب الاستشارية. عام 1984، وعُيِّن أستاذاً مســاعداً للهندسة المدنية بجامعة قناة الســويس عام 1992. وحين عاد لمصر 1980 أنشأ مكتب )حمزة ومشــاركوه( للاستشارات الهندسية، وأنجز المكتب عديد من المشروعات الكبرى في مصر وخارجها؛ أهمها مبنى وزارة المالية الجزائرية، ومكتبة الإسكندرية والعين السخنة وخليج العقبة بالأردن، وشرق التفريعة.

وفي حملة قادتها سوزان مبارك في بداية القرن، وافتتاح أول مدرســة ذات الفصل الواحد لتعليم الفتيات عام 2004؛ تبرع حمزة بتصميم وبناء وتجهيز أحد المدارس باستخدام حوائط متنقلة، وبادر ووضع داخلها صورا لعدد من سيدات مصر كقدوة لفتيات المســتقبل، ولما لم تجد ســوزان مبارك صورتها بينهن اعتبرتهــا إهانة، وأقيل مــن إدارة المتحف المصري، وســحب مشــروعات مستشــفى 57357 لسرطان الأطفال، ومترو الأنفاق، وميناء دمياط، وشــرق التفريعة، وحذف اسمه لاحقا من دعوة مكتبة الإسكندرية.

وكان حمزة في طليعة الممهدين والمشاركين في ثورة يناير 2011، وعمــل على عقد «مؤتمر مصــر الأول » (7مايو 2011 ) لجمع القــوى الوطنية والثورية، وقيــام «المجلس الوطني المصري » الــذي لعب دورا مهما في دعم الثورة والدفاع عنها وحل مشاكلها.

وشــتان بين أكاديمي متميز وبين أحد أباطرة المال؛ المدان بقتل الفنانة اللبنانية ســوزان تميم )يوليو 2008( في دبي؛ اعترف القاتل ضابط الشــرطة الســابق محســن السكري بارتكاب الجريمة لحســاب هشــام طلعــت مصطفى، الذي تنصل من معرفتــه بالفنانة المغــدورة، وكان قد ترك خلفه دليلا قاطعا؛ قاد الشــرطة إليه، وهو خنجر اســتخدمه في تنفيذ جريمتــه، وأمكن تحديد محل بيع الخنجر، وســاعد على كشف القاتل شراء الخنجر ببطاقة ائتمان بنكية خاصة به، وغادر ســريعا إلى القاهرة علــى أول طائرة بعد تنفيذ الجريمة.

ســافر وفد من شــرطة دبــي يحمل كل هــذه المعلومات

للســلطات المصرية، ولم تتوان الشرطة المصرية في البحث عن الســكري، ووجدته مسترخيا فــي حمام ســباحة فــي فندق اعتاد التردد عليــه. وبدأت التحقيقات وبتفتيش مســكنه ومحاصرتــه بالأدلة اعتــرف بتنفيذ الجريمــة، وتحريض هشــام مصطفى؛ عضو مجلس الشــورى والمقرب من جمال مبارك، ودفع مصطفى للسكري مقدم 300 ألف دولار؛ حُوِّلت لحسابهفيبن­ك القاهرة.وضبطتالشرط­ةالمصرية مليون دولار أعطاه مصطفى للســكري نقــدا؛ كان مخبأً في فرن الغاز.

ولما أُبلِغ وزير الداخلية حبيــب العادلي بالجريمة، ومن يقف خلفها، أصر على الاستماع بنفسه لاعترافات السكري، وصرح مصــدر مقرب مــن التحقيقات بأنــه تم اصطحاب السكري مساء نفس اليوم معصوب العينين لمكتب العادلي، الذي استمع للاعترافات، وأبلغها بدوره لزكريا عزمي، الذي نقلها لمبارك وأبنه جمال، وما أن أســقط فــي أيديهم أمروه بالتكتم على التحقيقات.

ولــم يكن هشــام مصطفى فقــط الرجل الثالــث بلجنة السياسات بالحزب الحاكم، والملياردي­ر صاحب الاستثمارا­ت العقارية الكبرى؛ في القاهرة، ومدينة الرحاب، والســاحل الشــمالي، ومدينــة مروة، وأربعــة فنادق فور ســيزونز، وأسهم وشــركات في البورصة بـ12 مليار جنيه، وحصيلة بيع وحدات ســكنية في مدينتي في ذلــك العام بـ 6.5 مليار جنيه، فضلا عن إن والد هشــام هو ابن عمة سوزان مبارك، ويناديها هشــام بـ)طنط( وهناك تفاصيــل كثيرة يصعب حصرها لضيق الحيز المتاح.

وصــدر حكــم أول درجة بالإعــدام على هشــام طلعت مصطفى، ومنفذ الجريمة محســن السكري، وتم تخفيفه عن الأول لخمســة عشــر عاما، وإلى المؤبد عن الثاني، وشــمل «المشير السيسي » مصطفى بعطفه!! فعفا عنه، ومكنه من 500 فدان داخل العاصمة الجديدة ليقيم عليها «مشــروع تنمية عقارية»)!!( اســتعان فيها بمخطط ومعماري أجنبي، وذلك مقابل المساعدة في تســويق وبيع مباني وأسواق ومنشآت العاصمة الجديدة، أما الوطنيون والثوار فيكافأون بالإحالة للمحاكمة بتهــم الإرهاب لتوقيع أقصــى العقوبات عليهم؛ وهكذا حال العدل الأعوج في مصر الآن!!

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom