Al-Quds Al-Arabi

هل الفيدرالية هي الحل في بلادنا؟

- ٭ كاتب واعلامي سوري falkasim@gmail.com

■ بدأ مصطلح «الفدرلة» والحكــم الذاتي يظهر على الســاحة إعلامياً بعد الثورات التي حصلت في عدد من الدول العربية كســوريا والعراق وليبيــا واليمن كحل مبدئي لوقف الحروب والصراعات الداخلية بين مكونات تلك البلدان العرقية والمذهبية والدينية. وفدرلة سوريا مثلاً هو ســيناريو لإنهاء الحرب السورية. ويعني ذلك، على أوســع نطاق، تحويل الجمهورية العربية السورية المركزية إلــى جمهورية فدرالية ذات تقســيمات فرعية مســتقلة ذاتياً. وقد نظــر العديد من الــدول والجهات الفاعلة المشــاركة في الحرب الأهلية السورية في فكرة «التقســيم الفدرالي» وليس أقلها روســيا وممثلو الأمم المتحدة والولايات المتحدة. تركيا، على وجه الخصوص، معادية بقوة لفكرة إضفاء الطابع الفدرالي على ســوريا لأنها تخشى التداعيات المحتملة على دولتها ذات الطابع المركزي الشديد.

ونظــراً لأن الفيدرالية ســوف تتبع بشــكل أو بآخر خطــوط عرقية وربمــا طائفيــة أيضاً، فقــد تم رفضها كـ«تقســيم للبــاد» و«بلقنــة» من جانــب خصومها. والمؤسسات الرئيسية للمعارضة السورية رفضت دائما فكرة الفيدرالية، في حين أن الأكراد في سوريا قد روجوا للفكرة. كما تلقــى الفكرة رواجاً أيضــاً بين أفراد بعض الأقليات في هذا البلــد أو ذاك ظناً منها أن الحكم الذاتي يحميها مــن الأكثرية أو النظام المركــزي، بينما ترفضه طبعاً بعض الأقليات المسيطرة كالعلويين في سوريا لأن الفيدرالية ســتحرمهم من امتيازات السيطرة على كامل ســوريا عســكرياً وأمنياً واقتصادياً وستحصرهم في الساحل السوري فقط.

لا شــك طبعاً أن النظام الفيدرالي يمكن أن يكون حلاً رائعاً لبلداننا، خاصــة وأن هناك بلداناً كبيرة ومتقدمة كالولايات المتحــدة وألمانيا وسويســرا وماليزيا تتبع النظــام الفيدرالــ­ي. لكن هــل ينفع هذا النظــام في كل البلدان يا ترى وخاصة تلك التي تتجذر فيها الانتماءات القبليــة والعشــائر­ية والطائفية والمذهبيــ­ة والدينية كبعض البلدان العربية؟ هل سيكون الحكم الذاتي لهذه الطائفة أو المنطقــة أو المذهب أو القبيلة مختلفاً فعلاً عن النظام الديكتاتور­ي المركزي في بلدان كســوريا وليبيا والعراق واليمن؟

أليست الطوائف والقبائل والعرقيات التي تسعى إلى النظام الفيدرالي في هذا البلد العربي أو ذاك نسخة طبق الأصل عن الأنظمة الديكتاتور­ية الأقلوية التي ترعرعت فيها؟ ألم تعمل الأنظمة الحاكمة أصلاً كما في سوريا على زرع كل خصال الديكتاتور­ية والفســاد والإفساد في كل مكونات المجتمع العرقية والطائفيــ­ة والدينية؟ بعبارة أخرى، أليســت الثقافة الســائدة داخل الأنظمة العفنة كالنظام الســوري أو العراقي أو الليبــي أو اللبناني أو السوداني أو اليمني متجذرة أيضاً داخل زعيم كل طائفة أو إثنية أو قبيلة؟ هل تختلف عقلية «المواطن» السوري الكردي عن عقلية الدرزي أو العلوي أو الإسماعيلي؟ ألم يعمل نظام الأســد منذ وصوله إلى السلطة على صياغة كل الســوريين على شــاكلته وعقليته الأقلوية القذرة؟ هل فعلاً لو استقلت الأقليات والمكونات التي تسعى إلى حكم فيدرالي في ســوريا مثلاً ستكون أفضل من النظام المركزي في دمشق؟ أم إنها ستنقل كل قذارات وسياسات وعقليات النظام إلى مناطقها وســتعمل بها حرفياً؟ ماذا

يســتفيد أي بلد يسعى بعض مكوناته إلى الحكم الذاتي غير التشــظي المناطقي والتقســيم الجغرافي من وراء الفدرلة؟ هل ســيكون لدينا فعلاً نظــام فيدرالي حديث ومتقدم كما في سويسرا وامريكا وألمانيا أم ستكون لدينا دويلات على أســس طائفية وعرقيــة ومذهبية متخلفة ربما أكثر من النظام المركزي الديكتاتور­ي القذر؟ كنا في القذر وربما سنصبح في الأقذر.

هل يا ترى ســتتحول هذه الطائفــة أو تلك إلى نظام ديمقراطي متحضر بعد أن تســتقل فيدرالياً، أم ستكون مجرد ديكتاتورية متخلفة مصغــرة؟ انظروا ماذا حدث فــي العراق بعــد تطبيق بعــض أنواع الحكــم الذاتي فــي أعقاب ســقوط النظــام المركزي في بغــداد؟ حتى العراقيون أنفســهم يتندرون بالقول: «لقــد كان لدينا صدام واحد وعــدي واحد وقصي واحــد، فصار لدينا الآن ألف صدام وألف عدي وألف قصي. وكذلك في ليبيا وسوريا واليمن. لماذا؟ لأن الذين سعوا إلى حكم ذاتي لا يريدون الديمقراطي­ة أصلاً، بــل يريدون تطبيق طبائع وخصائص النظام المركزي القذر على أتباعهم وطوائفهم وقبائلهم لمصلحتهم الخاصة فــي مناطقهم. هل لاحظتم كيف يتصرف ثورجيو المعارضة الســورية مثلاً؟ أليس كل واحد منهم بشاراً؟ هل شــاهدتم عدد الديكتاتور­يين الجــدد الذين ظهروا فــي صفوف الفصائــل؟ هل نحن بحاجة لإقطاعيــا­ت وإمارات قبليــة ومذهبية وعرقية في ســوريا وغيرها؟ أليست ســوريا المركزية بعيوبها وقذاراتها أقل ضرراً من الحكم الفصائلي الإقطاعي الذي يرفع شعار الفدرلة زوراً وبهتاناً؟

قبل أن ننتقــل إلى الحكم الفيدرالــ­ي الحقيقي يجب

أن نربــي مجتمعات متحضرة ومتنورة غير طائفية وعائلية وقبلية ومذهبيــة. ولو أخذنا مثــاً بعض مناطــق الأقليات التي تحلــم بالفيدرالي­ــة والحكم الذاتي، هــل يا ترى ســيكون الحاكم المحلي أفضل من الحاكــم المركزي؟ هل ســتكون عقليات الإدارات المحليــة مختلفة عن عقليات الإدارات والــوزارا­ت المركزيــة؟ أم إن الحاكــم المحلي ســيكون ديكتاتوراً صغيراً؟ هل ســيكون الحكم الذاتي لكل ســكان هذه المنطقة أو تلك، أم أن عائلات وعشــائر وقبائل بعينها ستتولى السلطة وستعيث فساداً وخراباً في المناطق التي تحكمها ذاتيــًا كما فعل من قبلها النظام المركزي بعقليتــه الطائفية أو الأقلويــة أو العائلية؟ ما الفائدة من تقســيم الديكتاتور­ية والفســاد والعائلية والأقلوية على كامــل البلاد بحجة الحكــم الذاتي؟ هل سيحكمنا في هذه المنطقة أو تلك شخص جدير بالحكم، أم شخص ذو توجهات عائلية وعشائرية وقبلية ضيقة وقذرة مثــل الحاكم المركزي وربما أقذر؟ مــا الفائدة أن نستبدل الحاكم العلوي المركزي بحاكم محلي من طائفة المنطقة؟ ماذا يستفيد سكان مناطق الحكم الذاتي عندما يتســلط عليها حاكم قذر جاهل متخلف فقط لأنه ينتمي إلى هذه العائلة أو القبيلة أو العشيرة ويحتاج عشرين عاماً كي يصبح حماراً. ما الفائدة أن نســتبدل هذا الكلب بذاك الجرو؟

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom