Al-Quds Al-Arabi

أمريكا تواصل ضغوطها لوقف استهداف سفارتها في بغداد... وتلويح بإجراءات قد تضعف الكاظمي

«عصائب أهل الحق»: تشكيل لجان للتحقيق في قصف البعثات الدبلوماسي­ة لا يخدم المصلحة الوطنية

- بغداد ـ «القدس العربي» ـ وكالات:

تأكــد تهديد واشــنطن بإغلاق ســفارتها في بغــداد، في حال اســتمرار هجمات الميليشــي­ات ضدها، فــي حين أعلنــت «عصائب أهــل الحق» أنها لا ترى مصلحة في اســتهداف مبنى السفارة الأمريكية في بغداد حالياً.

ونقلت شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأمريكية عن مصــدر رفيع في الحكومة العراقية، فضل عدم الكشف عن هويته، القول إن بومبيو وجه تحذيرا أخيرا للحكومة العراقية كي تتخذ خطوات جدية لوقف الاعتداءات على المجمع الأمريكي في بغداد.

وعندما حاولت الشبكة الأمريكية التواصل مع الخارجيــة الأمريكية للتعليق علــى هذه الأنباء، أشــار المتحدث باســمها إلــى أنهــا لا تعلق على «المحادثــا­ت الخاصة» التي تجمــع بومبيو بقادة دول أخرى.

وقــال المتحدث: «لقــد أعلنا موقفنــا من قبل: إطــاق المجموعات المدعومة مــن إيران صواريخ على ســفارتنا خطيــر ليس فقط علــى الحكومة العراقية بل على البعثات الدبلوماسـ­ـية المجاورة وسكان ما كانت تعرف بالمنطقة الدولية والمناطق المحيطة بها» حسب قوله.

وتابع قائلا: «في الوقت الذي تعمل فيه أمريكا على تأمين الدعم المالي للعراق من المجتمع الدولي ومؤسســات القطــاع الخــاص المختلفــة، يبقى الوجود غير القانوني للميليشــي­ات المدعومة من إيــران العامل الأوحــد والأكبــر لتقويض جهود الاستثمار في العراق».

بدائل أخرى

ونقلــت وكالة « فرانس برس» عن مســؤولين عراقيــن وأجانــب قولهــم إن بومبيــو اتصــل بالرئيس العراقي برهم صالح الأســبوع الماضي ووجه له إنذارا شديد اللهجة.

وقالت المصادر إنّ واشــنطن حذرت أنّه «إذا لم تتحرك الجهات الأمنية والقضائية في العراق ضد اســتهداف البعثات وقــوات التحالف، فإن لديهــا بدائل أخــرى لضمان عدم اســتمرار هذا الوضع». وصرح مســؤول عراقي أنّ «واشنطن ليســت منزعجة فحسب مما يحدث ضد البعثات الدبلوماسـ­ـية، ولكنهــا منزعجة جــداً جداً جداً وسيلي هذا الانزعاج إجراءات».

وبين مســؤول في وزارة الخارجية الأمريكية أن «الجماعــات المدعومة من إيــران التي تطلق الصواريخ على سفارتنا تشكل خطرا ليس علينا فحسب، بل على حكومة العراق».

ولا يــزال لــدى الولايــات المتحــدة مئــات الدبلوماسـ­ـيين في المنطقة الخضــراء في بغداد حيث الإجــراءا­ت الأمنية مشــددة، ونحو ثلاثة آلاف جندي يتمركزون في ثلاث قواعد في جميع أنحاء البلاد.

ومنــذ العــام الماضي اســتهدفت عشــرات الصواريخ والعبوات الناسفة هذه المواقع، واتهم المسؤولون الأمريكيون وعراقيون فصائل موالية لإيران، بمن في ذلك كتائب «حزب الله» العراقية.

ردت واشنطن مرتين بضربات على «الكتائب» فــي العــراق وهددت فــي وقت ســابق من هذا العام بقصف أكثر مــن 120 موقعا آخر إذا أودت الهجمــات الصاروخيــ­ة بخســائر بشــرية في صفوف الأمريكيين، حســب ما صرح مســؤول عراقي كبير.

واستمر الإحباط حتى بعد بداية ولاية رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في أيار/مايو، ويُنظر إليه على أنّه ذو ميول غربية.

وقال مســؤول عراقــي رفيع المســتوى، قبيل زيارة الكاظمي لواشــنطن في آب/أغسطس، إن الولايات المتحدة أشارت إلى أنّها «غير راضية عن تعامله مع الجماعات المسلحة الموالية لإيران».

لا تزال الغــارة الأمريكية في كانــون الثاني/ يناير التي أدت إلى مقتل الجنرال الإيراني البارز قاسم ســليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس «الحشد الشــعبي» العراقي الذي ترعاه الدولة، ماثلة في أذهان المسؤولين العراقيين والجماعات المسلحة.

ومنذ ذلــك ظل بعض من قادة الفصائل شــبه العسكرية الموالية لإيران صامتين خشية تعرضهم للضربات أو العقوبات الأمريكية وتوارى البعض الآخر منهم عن الانظار بشكل كامل.

ويبدو أن التهديدات الأمريكية الجديدة عمّقت الخلاف المتزايد بين الفصائل الموالية لإيران وتلك الأقــل اســتعدادًا للدخول في مواجهــة كاملة مع الولايات المتحدة.

وبعد أشهر من الصمت، دعا رجل الدين النافذ والزعيم السياســي مقتــدى الصــدر عبر موقع «تويتر» هذا الأســبوع، إلى «تشــكيل لجنة أمنية وعســكرية وبرلمانيــ­ة للتحقيق» فــي الهجمات الصاروخية.

وفي غضون دقائق، أعلن الكاظمي وشخصيات حكومية بارزة أخرى ترحيبهم بهذه الدعوة.

وحســب، مســؤول عراقي «هناك إجماع على إدانة هذه الهجمات. كتائب حزب الله والمتشددون الآخرون معزولون وتركوا بلا غطاء سياسي».

حتــى «الحشــد الشــعبي» انتقــد الهجمات الصاروخية، وقال إنّه «ليس مســؤولا عن جهات تســتخدم اســمه لأغــراض التشــويه، والقيام بعمليات مشبوهة ونشــاط عسكري غير قانوني يســتهدف مصالح أجنبيــة أو مدنيــة وطنية لا تنسجم وثوابت الدولة»

وجرى رســميا إبعاد اثنين من القــادة الذين يُنظر إليهم على أنهم يميلون إلى طهران.

وقالت حركة عصائب «أهل الحق» أمس الأحد، أنها «لا ترى مصلحة في اســتهداف مبنى السفارة الأمريكية في بغداد حالياً».

وجاء في بيان صادر عنها أنها «تعتبر ســفارة الولايات المتحــدة في بغداد، أنها ليســت لدولة صديقة، وإنما لدولة محتلة».

واتهمــت العصائب الســفارة قيامهــا «بدور تجسســي في العاصمة العراقيــة» وأنها «تقوم بتجنيد قادة الأجهــزة الأمنية وكبار ضباط الأمن والدفاع».

وبينــت أن «تشــكيل لجان للتحقيــق العلني والرســمي في الجهات التي تستهدف السفارة، لا يخدم المصلحة الوطنية».

إجراءات الطوارئ

في الســياق، أعلنــت الســفارة الأمريكية في بغداد عزمها اختبــار معدات وإجراءات الطوارئ خلال اليومين المقبلين.

وجــاء في بيان صادر عن الســفارة أن «خلال اليومــن المقبلين، ســتُجري الســفارة الأمريكية سلســلة مــن الاختبــار­ات التي تشــمل معدات وإجراءات الطوارئ خاصتنا، مبينة أنه ســيصل صــوت الإنــذارا­ت بالخطــر وصفــارات الإنذار وغيرها من أنواع الضوضاء الى السكان المقيمين في المناطق الُمحيطة بالســفارة عنــد اجراء هذه التدريبات».

وتقدمت السفارة باعتذارها في البيان، عن أي ازعاج قد ينجم عن ذلك.

وقد أعلنت ســت مجموعات لم يســمع بها من قبل مســؤوليته­ا عن الهجمات الصاروخية على مصالح أمريكيــة، بل وهــددت الأمم المتحدة في الأشهر الأخيرة.

ويقول مسؤولون اســتخبارا­تيون عراقيون ومصادر سياســية إن إيران كانــت تجمع الأفراد الأكثر تشــددا بــن حلفائها العراقيــن في هذه التشكيلات الجديدة.

وتــرى هــذه الجماعات المعــاد تشــكيلها أن الكاظمي هو رجل واشنطن في بغداد وغاضبة من وعوده التي تهدف الى كبح جماحهم.

وأوضح مســؤول في أحد الأحزاب الشــيعية النافذة «إنهم يرســلون رســالة من إيــران إلى الولايات المتحدة: التطورات السياســية الأخيرة لم تغيّر شــيئا، لا يزال بإمكاننا ضربك بشدة، ولا يمكن لأي زعيم تنفيذ أجندتك في العراق».

وقد يترك هذا رئيس الوزراء في موقف حرج.، وطبقــا لما قاله دبلوماســي غربي فــي بغداد، إن انسحاب الولايات المتحدة قد يمنح منافسيه فوزا دعائيا غير مقصود.

وأضــاف «إذا تابعــت واشــنطن وســحبت عناصرها، فســتكون هذه الجماعات قادرة على التباهي أنها طردت الأمريكيين من العراق بتكلفة زهيدة».

وصــوّت البرلمان العراقي في كانــون الثاني/ ينايــر على طــرد القــوات الأجنبيــة المتمركزة للمســاعدة في محاربة الإرهاب، لكــن الكاظمي حاول التباطؤ في تنفيذ هذا القرار.

كما شــرع في حملة لمكافحة الفســاد، وأطلق حوارًا اســتراتيج­يًا مع واشــنطن وســعى إلى تسريع الصفقات مع الشركات الأمريكية التي من شــأنها تقليل اعتماد العراق على واردات الطاقة الإيرانية.

وقــال دبلوماســي­ون غربيــون ومحللون إن سقوطه قد يكون كابوسا لاستقرار العراق.

ووفــق علــي معمــوري، المحلل والمحــرر في صحيفة نبــض العــراق: «إذا أغلقــت الولايات المتحدة ســفارتها بالفعل، فســتترك الكاظمي في موقف ضعيــف وخطير للغاية، ممــا يفتح الباب أمام الميليشــي­ات للتوســع وربما تتخذ إجراءات متطرفة ضد الدولة».

وقدم معهد «واشــنطن» للدراسات، في تقرير نشره أمس الأحد، إحصائية لأنواع الهجمات التي طالت القوات الأمريكية ومعداتها ومبنى السفارة، كما استعرض خيارات الرد المتوفرة لدى واشنطن وبغداد.

واســتعرض أنواع الاســتهدا­فات التي تشّنها الفصائل الشيعية المسلحة ضد الأهداف الأمريكية وتلك التابعــة لقوات التحالــف، وضد الأهداف العراقية.

وتحت بنّــد «القوافــل اللوجســتي­ة» بين أن الســفارة الأمريكية والقوات العســكرية التابعة للتحالف )تعوّل( على اســتيراد العديد من قطع المعدات والمــواد الاســتهلا­كية، بعضها مخصص للإنفاق على قوات الأمن العراقية.

وزادت الهجمــات علــى قوافــل الشــاحنات العراقية التي تنقل هذا العتــاد من 14 ـ في الربع الأوّل من العام الحالي ـ إلى 27 ـ في الربع الثاني ـ و25 ـ في الربع الثالث. وتحسّــنت نوعية هذه الهجمات أيضاً، حيث شــملت استخدام مشغلات الأشعة تحت الحمراء السلبية من أجل استهداف أكثر دقة، وفي الأيام الأخيرة، استخدام العبوات الناسفة الخارقة الموصولة في سلسلة تعاقبية.

وفــي «تفاصيل الأمــن الأجنبــي» أوضح أن: «في 26 آب/أغســطس، ألحقت قنبلة مزروعة على جانــب الطريق أضــراراً بمركبة تابعــة لبرنامج الأغذية العالمــي للأمم المتحدة، في منطقة عمليات تابعــة لميليشــيا مدعومة مــن إيران في شــرق الموصل، مما أدّى إلى إصابة أحد الركاب بجروح. وفي 15 أيلول/سبتمبر، انفجرت قنبلة أخرى على جانــب الطريق بالقرب من عربــة مصفحة تابعة للســفارة البريطانية في بغداد، ولكنها لم تسفر عن وقــوع إصابات. وجاءت هــذه الهجمات بعد مرور مــا يقرب من عام على القيام بآخر تفجيرات من هذا القبيل، والتي كانت سلســلة من هجمات الميليشيات على قوافل شركات النفط في البصرة العام الماضي».

وبشــأن «الصواريخ والطائرات بدون طيار» قــال «عانت الأهــداف الأمريكية مــن 27 هجوماً صاروخيــاً وهجمــات بطائرات بــدون طيار في الربع الثالث من العام الحالــي، وهو عددٌ فاق ما سجّله الربع الثاني )11 هجوماً( والربع الأوّل )19 هجوماً(. ولم تتســبب الهجمات في هذا الربع في

ســقوط ضحايا أمريكيين. وقد وقع آخر قتلى في صفوف الأمريكيين فــي 11 آذار/مارس. ومع ذلك، كانت الضربات الأخيرة أكثر دقة، حيث استهدفت الهبوط داخل أراضي السفارة الأمريكية.

وفي 15 أيلول/ســبتمبر، دمّــر النظام المضاد للصواريــخ وقذائــف المدفعية وقذائــف الهاون الخاص بالســفارة الأمريكية وابــل من القاذفات التــي كان يُتوقع أن تضرب المجمّع. أما بالنســبة للطائرات المسيّرة، فقد تم العثور على أحدها على ســطح بالقرب من الســفارة في 22 تموز/يوليو، وكانت على ما يبدو مجهّزة للهجوم بقنبلة تعادل قذيفة هاون متوسطة ‪-82 )81‬ملم(.

وفي 2 أيلول/ســبتمبر، اســتُخدمت تركيبة مشــابهة لمهاجمة شــركة «جي فور أس» الأمنية في مطار بغداد، عبر ضربــة دقيقة للغاية، ولكن الهجوم لم يســفر عن وقوع إصابــات. واتهمت بعض الجماعات المسلحة هذه الشركة الأمريكية ـ البريطانية بتقديم معلومات استخبارية حددت موقع الجنرال الإيراني قاســم سليماني وزعيم الميليشــي­ات أبو مهدي المهندس، اللذين قتلا في غارة جوية أمريكية بالقرب من المطار في 3 كانون الثاني/يناير.

وحســب المعهد «يرســم الاســتعرا­ض أعلاه صورةً عن التهديد الناشط للغاية الذي تطرحه الميليشــي­ات المدعومة من إيــران والذي يتطور بطرق مثيرة للقلق. ولا تريد الولايات المتحدة أن تمر بفترة أخرى مثل تلك التي شهدتها في كانون الأول/ديســمبر وكانون الثاني/ينايــر، عندما كانت ســفارتها محاصرة، وكان لا بد من نشــر عمليات انتشــار جديدة كبيرة في المنطقة، وكان خطر نشوب صراع أوسع مع الميليشيات وإيران حقيقياً تماماً.

وتريد إدارة ترامب بشــكل مفهوم كسر الزخم الحالي، ومنذ المرة الأخيرة التي حدثت فيها مثل هــذه الزيادة في الهجمات، كانــت النتائج مقتل أمريكي في كانون الأول/ديســمبر، وشن غارات جويــة أمريكية، وقيام عصابات بشــن هجمات على السفارة، واتخاذ القرار الحازم بل المحفوف بالمخاطــر باســتهداف ســليماني والمهنــدس، واقتراح مجلــس النواب العراقــي الداعي إلى إخــراج القــوات الأمريكية. وربمــا كان تحذير بومبيو مدفوعاً أيضاً بمعلومات سرية».

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom