Al-Quds Al-Arabi

«هتاف» جديد في الأردن دون مضمون وتفاصيل باسم: «انخراط الشباب في الزراعة»

- عمان - «القدس العربي» من بسام البدارين:

تبدو مقاربة يســعى فيها رئيس وزراء الأردن الدكتور عمر الرزاز إلى الانســجام مــع ما أعلنه، الأســبوع الماضــي، بخصوص العمــل «حتى آخر رمق» بالنســبة لحكومته التي تتعــرض لعاصفة تكهنات وتسريبات تتحدث عن رحيلها.

وقد عاد مجدداً لإطلاق شعار جديد بعد سلسلة برامــج وشــعارات لم تحقــق حكومتــه أي منها بإجماع المراقبــن وخبراء السياســة والمتحدثين عن الإنجــازا­ت اللفظية. قد تكــون حكومة الرزاز هي الأســوأ حظاً، لكنها الوحيدة التي، وبســبب الفيــروس كورونــا، حصلــت علــى صلاحيات دستورية غير مسبوقة باسم «أوامر الدفاع.»

كان يفترض بتلك الصلاحيــا­ت أن تدير خلايا الأزمة المعنية بتداعيات الفيــروس كورونا بعيداً عن حســابات الانتخابات المقبلة أو حمى التغيير والتعديل الوزاري. لكن تلك الفرضية تسقط مجدداً بعد ظهر الأحــد، حيث عاد الرزاز وفي تقليد الكلمة الأســبوعي­ة التي يوجهها إلــى الحديث عن برامج لانخراط الشــباب بالإنتاج، وخاصــة في معادلة الإنتاج الزراعي. هتاف جديد يخاطب الشباب في الأردن مباشــرة بعد تســجيل أكثر من 850 إصابة دفعة واحدة وفي يوم واحد.

طبعاً، لم تحدد الوســائل والآليات، فالملك عبد الله الثاني ومنذ أشهر، يدفع الحكومة باتجاه الأمن الغذائي والاســتثم­ار في صناعات الغذاء والإنتاج الزراعــي، والرزاز قرر الامتثــال فجأة دون الغرق في التفاصيل.

وبعدما عبر بمشروعه غير المفهوم بعد من حيث النتائج المتوقعــة بعنوان إحياء خدمة العلم ضمن مفهوم تنموي هذه المرة.

في كل حــال، يتحــدث الــرزاز عن الشــباب وانخراطهــ­م فــي الزراعة بعد خدمــة العلم وبعد

مشروع النهضة وسلسلة مصفوفات القطاعات في ظل الفيروس التي تم تعديلها أو مخالفتها عشرات المرات.

الخــوف الصحي من تداعيــات الفيروس يقلق الشارع الأردني، ورئيس الوزراء يتحدث للشباب عن الانخــراط بقطاعات الإنتاج، فيما الاســتثما­ر الأجنبــي والعربي دون أي زحــف أو تقدم، وفيما الاستثمار المحلي شــبه عاجز أو مشلول وتعرض لضربات متتالية بسبب تخبط قرارات الحكومة في ملف كورونا.

المــزارع الأردني خرج من الســكة أصــاً قبل كورونــا، وإشــكالات الزراعــة عميقــة وقديمة، والحكومة لن تفعل شــيئاً لدعم الاقتصاد الزراعي علــى أرض الواقع، كما يلاحظ المســتثمر الزراعي والنقابي والمهندس الزراعي كمال الساري.

الساري ورفاق له تحدثوا عدة مرات لـ»القدس العربــي» وفي عــدة منابر، عن ذلك الاســتعصا­ء الغامــض في بوصلة الحكومــة عندما يتعلق الأمر

باتجاهات وقــرارات غير مســتقرة تعيق الإنتاج الزراعي في الواقع بدلاً مــن دعمه، حتى أن وزارة الزراعة المعنيــة أصلاً بالأمــن الغذائي ألحقت في التعديل الوزاري الأخيــر بوزير البيئة، ولا تحظى أصلاً بوزارة مستقلة رغم ضخامة عملها.

هنا تبــدو جملة الرزاز عن الشــباب والزراعة رومانسية إلى حد أبعد وأقرب لصيغة الاسترسال في طرح مشــاريع دون تنفيذها على أرض الواقع، في ســلوك يؤكد السياســي والبرلمانـ­ـي الدكتور ممدوح العبادي أنه ينبغي أن يتوقف، لأن المصلحة تتطلب اليوم وطنياً التركيز أكثر على قرارات برامج قابلة للتنفيــذ والتقليص من مســاحة الإنجازات اللفظية أو وهم وبريق العبارات الإنشائية.

تلك نصيحة أعاد تكرارها على مسامع «القدس العربي» وقبل ذلك علناً وفي عدة منابر، سياســي محنــك مثل الدكتــور العبادي، على أمــل الانتباه وطنياً لضرورة وأهمية التخفيف من الكلام لصالح العمل والتركيز على إنجازات واقعية.

الرزاز ســيئ الحظ بكل الاعتبــار­ات، رغم أنه رئيس الوزراء الوحيد الذي حظي منذ 40 عاماً بما لم يحظ به غيره. لكن الحظ هنا ليس طرفاً في لعبة السياسة، فالظروف ضاغطة على رئيس الحكومة وطاقمها، وطرح الشعارات يتزايد باعتباره تعبيراً عن الوســيلة التي قد تكون يتيمة لمخاطبة الشارع في سياق شــعبوي، وإن كان الجديد هذه المرة هو المضي قدماً بسياســة زرع الأمل، فوزيــر الزراعة الحالي الدكتور صالح الخرابشــة اعــاد -عندما قابلته «القدس العربــي» بالصدفة في مكتب زميل لــه- التأكيــد علــى أن الاســترات­يجية الزراعية الوطنية التي وجدها في درج مكتبه عندما تســلم الملف الزراعي، قديمة ومتكلسة ولا تصلح.

امتنع الخرابشة لحظتها، أمام زميله الوزير، عن التأكيد على أنه نجح في بناء استراتيجية جديدة بدلاً من تلك المتخشــبة التي لا تصلح للمســتقبل، وبدا أن وزير الزراعة والبيئــة أقرب للواقعية في نظرته للملف، ولا يرغــب بالانغماس في تفاصيل

يعرف مسبقاً أنها صعبة وقد لا ينجح فيها.

لا يمكن توجيــه اللوم للوزير الخرابشــة، فقد ورث تركتين كبيرتين مزمنتين في التعقيد والإشكال بجرة قلم في أثنــاء تعديــل وزاري، وهما البيئة والزراعة.

لكن اللافت عــدم وجود أدلــة وقرائن على أن الرزاز وهو يدعو الشــباب لانخــراط في الإنتاج الزراعي رتب عبارته الإعلامية من حيث التفاصيل الفنية مــع وزيــر الزراعة فــي حكومتــه، أو مع طاقمها، فالوزارة ضخمــة وتعمل في ظل تحديات وتعقيدات، والملــف الأمني والزراعي خاضع لكثير من التجاذبات؛ بمعنى أن الخرابشــة عندما صرح بعدم صلاحية الاستراتيج­ية الوطنية التي وجدها عندما أصبح وزيــراً للزراعة، لم يعلــن لاحقاً عن استراتيجية بديلة.

هنا إثبــات حيوي يعزز القناعــة بأن الحديث عن انخراط الشــباب في الزراعة لم تســبقه خطة مفصلة، وقد لا تلحق به خطة محددة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom