Al-Quds Al-Arabi

صحافي إسرائيلي: هكذا أمسكت بديان متلبسا يسرق آثارا من سيناء ولهذا تم التستر عليه

- الناصرة - «القدس العربي» من وديع عواودة:

عشــية الذكرى الســنوية لحــرب1973 التي تحــل اليوم الإثنين وفق التقويم العبري أعادت صحيفة «معاريف» نشــر تحقيق عن ســرقة الآثار المصرية في سيناء من قبل وزير أمنها الراحل موشيه ديان. وتوضح أن ديان تمتع بمكانة خاصة وتم التســتر على مثالبه وعلى سرقته للآثار ولكن بعد حرب1973 والانكسار الذي تلته بدأت «تتصدع الأسطورة».

وتنــوه الصحيفــة العبرية إلــى أن الكثير مــن القيادات الإســرائي­لية كانوا ناجحــن جــدا وقدراتهم عاليــة لكنهم أخفقوا وفشــلوا في طريقهم لقمم الحياة السياســية بسبب طباعهم الشخصية وأبرزهم موشيه ديان وزير الأمن الراحل. واعتبرت «معاريف» أن ديــان كان رجلا كاريزماتيا جدا يمتاز بقــدرات تفكير ودائما تقريبا كان يفكّــر خارج الصندوق لكن عدم تدخله بما حصل بعد حرب1967 مع حالة الحماس الزائد المرافقة قد ساهم في صدمة حرب 1973

يشار إلى أن ديان كان عضوا في حزب «العمل» الصهيوني طيلة عقود لكنــه قبل بالانتقال إلى «الليكــود» عندما عرض عليه مناحيم بيغن حقيبــة الخارجية في حكومته الأولى بعد مفاجأة 1977 شــارك في صنع الســام مع مصــر. وتتابع «لم يقبل ديان الانصيــاع لمعايير القيادة وبقي بعيدا عن التواضع واســتخف بالقوانين فتجاوز حواجز أمنيــة وحفر في مواقع أثريــة وحصل على موجودات أثرية وارتبط بشــبكة نســاء خارج نطاق الزوجية مع زوجته التي ما زالت على قيد الحياة وتبلــغ المئة من عمرهــا. ويقول كاتب التقريــر في «معاريف» الصحافي الإسرائيلي عيدو ديسينتســي­ك إن ديان كان لبيبا لكــن غير مثقف كبير لافتــا إلى أنه شــخصية مختلف عليها. ويقول «كان والدي يقول إننا سنسمح لديان بأن يتصرف على هواه لأننا بحاجة له ففي اليوم الموعود هو «سندنا وأملنا».

سرق وابنه

ويقول عيدو ديسينتســي­ك إن والده آرييه ديسينتســي­ك محرر «معاريف» ســابقا رفض في البداية نشــر ما رواه ابنه له عن ديان من ســرقة منهجية للآثار المصرية في سيناء لافتا لوجود صورة له ولابنته عضوة الكنيســت سابقا يائيل ديان وهما يســرقان الآثار المصرية من منجم «سرابيط الخادم» في 7يوليو/ تمــوز 1969. ويضيف: كنت في فترة خدمة الاحتياط في منطقة آبار النفط «أبو رودس» في ســيناء وفي أحد الأيام تلقينا تعليمات بالتقدم نحو «ســرابيط الخــادم» وهو موقع فرعوني عتيق من أجل تأمين الحراســة لوزير الأمن موشــيه ديان الذي اســتعد للتجول هناك. ويقول إنه عندما وصل مع جنود آخرين على سيارات جيب عسكرية كانت مروحية ديان قد هبطت ولم ينتظر حتى وصول الحراسة وربما لم يعلم بأننا قادمــون وهناك وجدنــاه منقبا عن الآثــار لا وزيرا للأمن هو وزميــل له في البحث عن الآثار».وتابــع «وقفنا هناك وراقبنا ديــان وهو يحفر وكنا نتهامس بيننا بــدون أن ندرك خطورة ما يقوم به وفجأة قال أحدهم: نحن الآن نقوم بحراسة عملية إجرام تماما كما في الأفــام: اللصوص داخل البنك والحراس خارجه ونحن شــركاء بهــذه المخالفة. وقتها كنــت في بداية عملــي الصحافي ووالدي محرر صحيفــة «معاريف « وعندما طلبت منه نشر قصة ســرقة ديان للآثار رفض لأنه كان وقتها من المعجبــن بديان، فتخاصمنا. وقال لــي والدي مدافعا عن رفضه للنشــر: «لا يفاجئني أي ســلوك من ديان لكننا بحاجة له ولابد أن نبتلع الكثير من الأمور لأن ديان يوما ما ســيقودنا ويدافع عنــا». وقتها لم يكن والدي وحده في إعجابه فقد كتب محرر صحيفة «هآرتس» وقتذاك غرشون شوكن قصيدة مديح لديان وهذا يذكرني بالصفقة التي قامت بها الحكومة الأمريكية مع المافيا الإيطالية في نيويورك خلال الحرب العالمية الثانية. ويقول الصحافي الإسرائيلي إنه ســأل والده في تلك الفترة: بأي ثمن علينا التســتر على ديان؟ فقال والدي: لا يوجد ثمن لاستقلال وأمن الأمة .«

جدل بين صحافييْن

ولاحقــا تجدد الجدل بــن الأب والابن كما يقــول الأخير: «بعد حرب 1973 ســألت والدي هل تذكــر عندما منعتني من نشــر قصة ســرقة موشــيه ديان وما قلته لي وقتهــا مدافعا عنه؟، فقال والــدي: نعم أذكر فقد منعتك وقلت لك إننا بحاجة له ليوم الضيق. فقلت له: ها قــد جاء وقت الضيق وفي حرب 1973 لم نجد موشــيه ديان وقد شــاهدنا عاريا وحتى بدون علامات الرجولة في جســمه. لقد انهار وكان مهزوما. اعتقدنا أنه ســيرفع معنويات الجنــود ولكن زاد مرارتنــا أكثر فأكثر ومن حظنا أن رئيســة الوزراء غولدا مئير لم تسمح له وقتها بالظهور في التلفاز لأنه كان ســيعلن عن استسلام للجيشين المصري والسوري. ســمعني والدي. فقال: منذ1948 كان ديان يلتقي بالصحافيين بعد كل عملية إســرائيلي­ة ولكن بعد عملية قلقيلية الفاشــلة حضــر للصحافيين وقال: أريــد أن أقدم لكم الضابط أرئيل شارون المسؤول عن عملية قلقيلية التي سقط فيها جنود إسرائيليون كثر. قال ديان ذلك ودخل مكتبه وتركنا مع شارون. اتضح أن قائد الأركان كان يقدّم ذاته بعد كل عملية إســرائيلي­ة ناجحة لكنه غاب بعد كل عملية فاشــلة. ســألت والدي وقتها هل ســتكتب عن ذلك فقــال: لا يوجد مبرر. بعد مرور وقت كثير سيفهمون أقوالي كنفاق. أعتقد أنه سيغادرنا لبيته لكنه ســيعود مجددا للسياســة وعندها ستكتب أنت ما رويته لك».

وتوضح «معاريف» أن مســؤولية موشيه ديان في حرب 1973 التي تعرف في القاموس الإسرائيلي بـ «حرب الغفران» وتحــل ذكراها اليــوم الإثنين وفــق التقويم العبــري كانت مسؤولية متواضعة وتتمثل بسوء التقدير. وتتابع «بعد هكذا خطأ يفترض أن يقدم ديان استقالته لكن مثل ذلك لا يحدث في إسرائيل. يشار إلى أنه حسب المعطيات الإسرائيلي­ة الرسمية قتل في حرب1973 أكثر من ثلاثــة آلاف جندي وأصيب آلاف آخرون».ويعرض عيدو ديسينتســي­ك أنه كشف قبل ذلك عن قيام ديان بسرقة آثار في نبأ غير مطول عام 1981 وعقب ديان وقتها بالقــول «نعم تجولت في ســيناء وزرت ضمن الجولة موقعــا فرعونيا متهدما عرفته منذ حرب 1956 وخلال الجولة لاحظــت وجود تمثال حجري على شــكل قرد بــن الحجارة فطلبت مــن الجنود التوقــف وتحميل التمثال وشــحنه في مروحيتنا وأخذته إلى تل أبيب وسلمته للبروفيسور رفائيل غفعــون باحث مختص بمصــر القديمة في جامعــة تل أبيب ولاحقا تمت إعادته لموقع «سرابيط الخادم». كما اعترف ديان بأنــه أخذ عام 1956 تمثال الإلهة الفرعونية حتحور من الموقع المذكور في ســيناء وفق تعليمات باحث أثري إسرائيلي آخر يدعى بروفيســور أهروني من دائرة الآثار الإســرائي­لية في القــدس. لم تكن بحوزتي أي موجودات أثرية من «ســرابيط الخادم « ومــن لديه معلومات عــن مخالفــات ارتكبتها فله التوجه للشرطة «.

وتســتذكر « معاريــف « أن ديــان كوزيــر للخارجية في حكومــة بيغــن كان فــي أيلول/ ســبتمبر 1977 فــي طريقه للولايات المتحدة للقاء الرئيس جيمي كارتر ووزير الخارجية ســايروس فانس ولقاءات مع قادة يهود. وتتابع «بعد هبوط مرحلي في مطار بروكســيل افتقدت آثار ديان وقد أبلغ رجاله في نيويورك أنه ســيتأخر وبدأ الكل يبحث عنه بدون جدوى وكثرت التأويلات والشــائعا­ت لكن أحدا لــم يعلم بالحقيقة فقد سافر من بروكســل للمغرب والتقى سرا مع نائب رئيس الحكومة المصرية حســن التهامي تمهيدا لتوقيع كامب ديفيد ومن هناك عاد للبلاد وأطلع بيغن شفاهة على تفاصيل اللقاء مع المسؤول المصري».

ويكشــف عيدو ديسينتسيك أنه شكا لاحقا لأحد مساعدي ديان فظاظــة الأخير بالتعامــل معه كلما طرح عليه ســؤالا خلال مؤتمــر صحافي. ويتابــع «بعدما استفســر من ديان عاد لي وقال إنه يتهمك بالضغط علــى مجلة أمريكية صفراء تدعى «ناشــينال اينكويرر» لنشر تقرير عن مشاركة ديان في سرقة الآثار وهي بالمناســب­ة المجلة التي كانت تعزف عن نشر فضائح جنســية لدونالــد ترامب في الماضي مقابل رشــوات ماليــة وكان يحررها وليام روجرز الــذي أصبح لاحقا وزير خارجية في فتــرة الرئيس نيكســون. وفعــا حاولت تلك المجلة النشــر وليس عن طريقي لكن ديان نجح بمنع النشــر بالاتصال شخصيا بروجرز. وعندما اتضحت الصورة اعتذر ديان مني وعرض علي تعويضي بلقاء حصري معه. وكان من السياسيين القلائل الذين اعترفوا بالخطأ واعتذروا وتندروا على أنفســهم أيضا وهذه صفة قيادية ولكــن لاحقا في 1981 تم نشــر قصة ســرقة ديان للآثار في «معاريف» عندما حاول ديان العودة للسياسة بعد اســتقالته». وتخلص «معاريف « للمقارنة بين إســرائيل قبل 40 سنة وبين اليوم بالقول بلهجة ســاخرة وفي إشارة لفســاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الخطير: «وقتها خشــينا أن يكشف عن ســرقة تماثيل أثرية عتيقة واليوم يتحدثون عن سرقة ملايين الدولارات في سياق أمني وموافقة على بيع غواصات ألمانية لمصر بخلاف العقيدة الأمنية الإسرائيلي­ة التقليدية. لا عجب إذن بوجود حنين لتلك الأيام الغابرة».

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom