Al-Quds Al-Arabi

هل يتدخل الجيش التركي بشكل مباشر إلى جانب أذربيجان في الصراع مع أرمينيا؟

في ظل وجود خطر كبير للصدام مع روسيا وإيران أكبر داعميها

- إسطنبول ـ «القدس العربي» من إسماعيل جمال:

فــي أول تعقيــب رســمي تركي علــى تجدد الاشــتباك­ات الحدودية بين أذربيجان وأرمينيا، الأحد، جددت الرئاســة التركية «وقوفها الكامل إلــى جانــب أذربيجــان ودعمها الكامــل» في حين قالــت الخارجية إن «تركيا مســتعدة لدعم أذربيجان بالطريقة التــي تطلبها» فهل يمكن أن تتدخل تركيا عسكرياً بشــكل مباشر إلى جانب أذربيجان في نزاعها المسلح مع أرمينيا؟

وتجــددت، صبــاح الأحــد، الاشــتباك­ات الحدودية بين البلدين، حيــث اتهمت أذربيجان أرمينيا بقصف مواقع عســكرية ومناطق وقرى مدنية في إقليم قره بــاغ التي تصفه بـ«المحتل» وقالت إن جيشــها شــن «هجوماً مضاداً» وسط أنباء عن إســقاط طائرات مروحية واســتطلاع وسقوط ضحايا من الجانبين.

دعم سياسي مطلق

على الفور، أصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً أعربت فيه عن دعمهــا المطلق لأذربيجان، معربة عن إدانتها بشــدة الهجوم الأرميني على أراضيها، وقالت الوزارة: «ندين بشــدة الهجوم الأرمينــي الذي ينتهك بشــكل صريــح القانون الدولي وأســفر عن خســائر بين المدنيين.. بهذه الهجمات أثبتت أرمينيا مرة أخرى أنها أكبر عقبة أمام السلام والاستقرار في المنطقة» وفي عبارات

شــديدة اللهجة، قالت الخارجيــة: «أذربيجان ســتمارس بالطبع حقها في الدفــاع عن النفس لحماية شعبها وســامتها الإقليمية وخلال هذه المرحلة، دعم تركيا مطلق لأذربيجان وســنقف بجانبها بالشكل الذي ترغب به».

كما أدان المتحدث باســم الرئاســة التركية، إبراهيم قالــن، الهجــوم، معتبــراً أن «أرمينيا بهجومها على المناطق المدنيــة أخلت مرة أخرى بوقــف إطــاق النــار، وأظهــرت وقوفها ضد الاستقرار والسلام» مشــدداً على أن تركيا تقف إلى جانــب أذربيجان وتؤكد دعمها لها بشــكل مطلق.

وفي الســياق ذاته، أدن المتحدث باسم حزب العدالة والتنميــة الحاكم، عمــر جليك الهجوم الأرمينــي، وكتب: «شــبكات المذابــح الأرمينية ترتكب بهــذه الهجمات جريمة إنســانية، على المجتمع الدولي التحرك علناً ضد أرمينيا» مشدداً علــى أن «أرمينيا تلعــب بالنار وتهدد الســام وتركيا تقف إلى جانــب أذربيجان». فيما اعتبر رئيــس البرلمان التركي، مصطفى شــنطوب، أن «أرمينيا دولــة إرهابية لا تهدد أمــن أذربيجان فقط، بل المنطقة بأكملها».

التفاف شعبي

وتحظى قضية أذربيجان في نزاعها الحدودي مع أرمينيا بإجماع منقطــع النضير من قبل كافة الأحزاب من جميع توجهاتها السياسية والفكرية نظراً للارتباطات القومية والعرقية والتاريخية بين البلدين، وقبل أســابيع وفي وخطوة نادرة،

أصدرت كافة الأحزاب السياســية فــي البرلمان التركي بيانــاً بالإجماع للتأكيد علــى أن «تركيا ســتواصل بــكل إمكاناتهــ­ا الوقــوف بجانب أذربيجان في جهودها لاستعادة أراضيها.»

الإجمــاع الحزبــي يعتبــر بمثابــة انعكاس طبيعي لحالة الاجماع الشــعبي في تركيا ويؤكد على ضرورة الوقوف إلى جانب أذربيجان حتى لو أن ذلك سيكلف الدخول في مواجهة عسكرية مباشــرة وربما حرب واسعة مع أرمينيا، رغم ما يحمله ذلك من مخاطر الاشتباك مع روسيا التي تعتبــر أكبر داعمي أرمينيا، ومجــدداً عبر مئات آلاف الأتراك على مواقــع التواصل الاجتماعي، الأحــد، وقوفهم إلــى جانب أذربيجــان، وهو مشهد يعكس حالة الإجماع الداخلية على عكس الانقســام­ات الموجــودة حول أولويــة التدخل العســكري التركي في سوريا وليبيا وغيرها من المناطق.

دعم عسكري ومناورات حربية

تدعم تركيا بشكل مطلق أذربيجان منذ بداية نزاعها مع أرمينيــا قبل عقود وتتبنــى الرواية الأذربيجان­يــة القائمة علــى أن أرمينيا «تحتل منــذ عــام 1992، نحــو 20 بالمئة مــن الأراضي الأذربيجان­يــة، التــي تضــم إقليم «قــره باغ» )يتكــون من 5 محافظــات( و5 محافظات أخرى غربي البــاد، إضافة إلــى أجزاء واســعة من محافظتي «آغدام» و«فضولي» وتدعم مســاعي أذربيجان لاسترداد هذه الأراضي.

وقبــل نحو شــهرين، وقعت جولــة جديدة

من الاشــتباك­ات الحدودية بــن البلدين، حيث أبدت تركيا دعماً مطلقــاً لأذربيجان وإلى جانب التصريحات والإدانات، حصلت تحركات واسعة للجيش التركي الذي أرســل رســائل بإمكانية تدخله عسكرياً بشكل مباشر من خلال مناورات عســكرية واســعة وإرســال طائرات استطلاع لخدمــة الجيــش الأذربيجان­ي في حــن حلقت طائرات حربية تركية على طول خط الحدود في رسالة حربية للجانب الأرميني.

وخلال تلك الجولة من الاشتباكات الحدودية، جــدد الرئيــس التركي، رجب طيــب اردوغان، وقوف بلاده إلــى جانب أذربيجــان، وقال: «لا يمكننا تــرك أذربيجــان الشــقيقة لوحدها في مواجهــة الاعتداءات الأرمينية » وشــدد على أن بلاده لن تتردد أبداً فــي «التصدي للهجوم على حقــوق وأراضي أذربيجان وستســتمر في أداء واجب الدفاع عن أذربيجان الذي بدأ به أجداده لعدة قــرون في منطقة القوقــاز». كما هدد وزير الدفاع التركــي، خلوصي أكار، مــن أن أرمينيا «ستدفع ثمن اعتداءاتها على أراضي أذربيجان.»

وعقب زيارات وتنسيق على أعلى المستويات العســكرية، أعلن إســماعيل دمير، رئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية، أن قطاعه مســتعد لمساعدة أذربيجان، مضيفاً: «صناعتنا الدفاعية، بكل خبراتها وتقنياتهــ­ا وقدراتها، من طائراتنا المســيرة إلى ذخائرنا وصواريخنــ­ا وأنظمتنا الحربية الإلكتروني­ة، تحت تصــرف أذربيجان دائماً» متعهداً بالمســاعد­ة فــي تحديث الجيش الأذربيجان­ي.

وما بين نهاية شــهر يوليو/تموز وبداية آب/

أغســطس، أجــرت القــوات المســلحة التركية والأذربيجا­نية مناورات عســكرية هي الأوســع فــي مناطق مختلفة من أذربيجان، حيث أرســل الجيش التركــي أعــداداً كبيرة مــن الطائرات الحربيــة والمروحيــ­ات العســكرية والدبابات والمدرعــا­ت وأعداداً كبيــرة من الجنــود لهذه المناورات التي أجريت بالذخيرة الحية وشــارك فــي ختامها وزير الدفــاع وكبار قــادة الجيش التركــي، واعتبــرت بمثابــة رســالة واضحة باستعداد تركيا للتدخل في حال واصلت أرمينيا هجماتها.

وتضمنــت المنــاورا­ت اختبــارات لجاهزية الطائرات الحربية لجيشــي البلديــن واختبار جاهزية القوات لتنفيذ أوامر القيادة العسكرية، وإطلاق النــار من المركبــات المدرعــة والمدافع ومدافع الهاون علــى أهــداف افتراضية للعدو وتخللهــا تدريبــات بالذخيرة الحية وشــملت مناطق حدودية مع أرمينيــا، الأمر الذي اعتبره الرئيس الأذربيجان­ي بأنه «يخيف أرمينيا.»

ولا يعــرف إن كانــت القــوات والمعــدات العســكرية التركيــة الكبيرة التي شــاركت في المناورات قد عادت إلى تركيــا، أم إن الهدف من المناورات كان إبقاء القوات هناك للاستعداد لأي مواجهة مقبلة.

مصالح استراتيجية ومخاطر كبيرة

وإلى جانب الروابــط التاريخية والوطنية والعرقية الراسخة التي تربط البلدين اللذين يرفعان شــعار «شــعب واحــد وجيش واحد

فــي بلدين» إلا أن تركيــا وأذربيجان تربطهما مصالح اســتراتيج­ية كبيــرة تتعلق بخطوط نقل الغاز ومكانة أذربيجان في ســوق الطاقة ومخاطــر أي مواجهة على إمــدادات تركيا من الطاقة القادمــة من أذربيجان وحاجة الأخيرة الملحــة لتركيا كممر مهــم للعالــم الخارجي، بالإضافة إلى المصالح المرتبطة بكون أذربيجان ممراً مهمــاً لتركيا لنفوذها القــديم في القوقاز ووسط آسيا.

ورغم اســتعداد تركيا الكامــل للوقوف إلى جانــب أذربيجان فــي حال كانــت حاجة ملحة لذلك، ووجود أرضية شــعبية وحزبية ورسمية مؤيدة بشــكل مطلــق لهذا التوجــه، إلا أن قرار التدخل العســكري المباشــر يحمــل الكثير من المخاطر لا ســيما وأن أرمينيا تتمتــع بدعم كبير من قبل روســيا وإيران وما تحملــه أي مواجهة مباشــرة مــن مخاطــر توســع دائــرة القتال والتحالفات لتشمل هذه الدول.

هذه المعادلة المعقدة تدفع تركيا إلى الســعي بقوة من خــال الطــرق الدبلوماسـ­ـية وعبر الضغط على روســيا وإيران لوقــف الهجمات الأرمينيــ­ة والضغط علــى أرمينيــا من خلال التأكيد على دعم أذربيجان ودعمها بالســاح والمناورات العســكرية لتشــكيل قوة ردع تمنع الانزلاق لمواجهة عسكرية أوسع ولتجنب صدام أكبر وأخطر مع قوى كبــرى بالمنطقة، ولكن في حال فشــل ذلك فإن التدخل العسكري المباشر ســيكون خياراً حتمياً للجيش التركي حســب ما يجمع عليــه كافة الأتراك بمختلف توجهاتهم السياسية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom