Al-Quds Al-Arabi

لو أحسست يوما بوجود خطوط حمر لتوقفت عن الكتابة

الفنان المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد:

- الرباط ـ «القدس العربي» من هشام فرحان:

عبد الكريم برشــيد رائد «المســرح الاحتفالي» فــي المغرب والعالم العربي، وهــب حياته لخدمــة أبي الفنــون تأليفا وإخراجــا ونقدا وتنظيــرا، هو أيضا صاحب موقف ثقافي واضــح، إذ يرفع صوته منذ عقود مناديا بإصلاح القطــاع الثقافي في المغرب. تُــدرس نصوص برشــيد المســرحية الكثيرة في العديد من المدارس والجامعات المغربية والعربية.

«شــيخ الاحتفاليي­ن» كما يلقّبــه العارفون بفن المســرح يتحدث لـ«القدس العربي» عن مســاره الطويل فــي خدمة هذا الفن وعن الحرية في العمل الإبداعي، وعن واقع التنظير المسرحي.

■ كنت مســكونا دائما بهاجس تأســيس مســرح يشبه حياة الإنسان المغربي والعربي، هل نحن اليوم أمام مسرح يشبهنا فعلا؟

□ الكثير من مسرحيينا كانوا يدعون باستمرار إلى البحــث عن مســرح مغربي وعربــي أصيل، والحقيقة أن ما أضاعوا الوقت في البحث عنه كان موجودا دائما، فنحن ننطلق في كتاباتنا المسرحية من قيمنا وتراثنا، ونعبّر عــن همومنا وقضايانا، فالصيني مثلا لا يمكن إلا أن يبدع مســرحا صينيا، وبالتالــي فنحن أمة لها تاريخ وثقافة ومســرحنا كائن، ولــه جذور عميقــة، يكفي فقــط أن نكون صادقين لنقدم مسرحا يشبهنا.

■ هل مــا زال الحديث ممكنا عن الحرية في العمل المسرحي، وهل يتحمل الكاتب وحده بناء مسرح حر؟

□ الإبداع إما أن يكون حرا أو لا يكون، والمســرح الذي لا يســتطيع البوح بما ينبغي أن يقال لا يســمى مســرحا، وبالعــودة إلى التاريخ سنجد أن المسرح وُلد في اليونان وهي مهد الحرية والفلسفة والتمدن، وفي تراثنا ســنجد على سبيل المثال شخصية عنترة، فرغم كونه عبدا إلا أنه كان شــاعرا يحمل روح الإنســان الحر، وشخصيا لطالما عبرت دائمــا بكل حرية، لكــن لا يكفي أن أبدع بمفردي ككاتب مســرحا حرا اذا لم أجد من يشــاركني ومن يفهمني مــن الناس، وإذا لم تكن الدولة تؤمن بصناعة الإنســان كجزء من الصناعات الكبرى، فالمســرح جزء من مؤسســات الوطن العديدة كالأســرة والمدرسة والجامعة، ودوره الأساسي هو أن يربي ويعلم وينشر القيم الجميلة.

■ برأيك، ما سبب غياب الســؤال الفكري والسياسي في مسرح اليوم وطنيا وعربيا؟

□ الحقيقــة أننا دخلنا عصر التفاهــة، فالجميع يحاول الهروب من الأسئلة والقضايا الكبرى، لأنها قد تسبب وجعا في الدماغ، أو مشاكل مع الدولة والمجتمــع، في فترة الســبعيني­ات كان المغرب ومعه العالم العربي، كما العالم يعيش في مناخ سياســي مبني على أســاس تعدد التيارات الفكرية، أما اليوم فقد وصلنا إلى ما سمّي نهاية الأيديولوج­يا، وأصبح الكل يبحث عن الأشياء السهلة، وبدأ التركيز على الشكل بدل المضمون، ومن هنا ظهر في العالم العربي ما سمي بالمسرح التجريبي، فهو تجريب في الشكل على حساب المضمون الفكري والفلسفي.

■ أنت من مبدعي ما يســمى بفلســفة «التعييد الاحتفالي» في المسرح، هل مازلنــا في حاجة لهذه الرؤيــة الاحتفالية في مقابل ما يعيشــه العالم العربي من مآس؟

□ بالفعل، لقد أسســت ما ســميته الرؤية العيديــة أو الاحتفالية في المســرح، إيمانا مني بأن الإنســان خلق ليفرح، وأن الحزن عطب يصنعه الســارقون والمارقون، فمن حق الفــرد أن يحيى ســعيدا، وأن يعيش ما أســميه أنا باليوم الثامــن، فهناك أيام الأســبوع الســبعة وهناك يــوم العيد والمســرح هو يوم عيد واحتفال، ينبغي أن نرتدي فيه الــزي الجديد، وأن ننطق فيه بلغة جديدة. انطلقت الاحتفالية من المغرب، لكنها موجودة الان في كل العالم العربي، ومن واجبنا أن ندافع عنها ليس لأنها مسرح شــخص بعينه، ولكن لأنها المســرح الذي ينبغــي ان نواجه به كل الصيــغ الافتراضية التي تريد أن تبعدنا عن ممارســة حقنا في الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية.

■ عملت فــي كتاباتك المســرحية دائما على اســتحضار الرموز التاريخية، ألم تكن تمــارس نوعا مــن التقيــة السياســية بهذا الأسلوب؟

□ إن التعبيــر من خلال الشــخصية التراثيــة، أو من خلال الرمــز هو جزء من اللغة المســرحية، فهو نوع مــن الابتعاد عــن التقريرية والتعبير المباشر، في الأمثال الشــعبية المغربية سنجد مثلا يقول «منديل صفية جيت نمسح فيه مســح في» والعرب يقولون «رجع بخفي حنين» فهل هذا هروب من المواجهــة أم هو التعبير من خلال الصورة؟ وهل مارس شكســبير التقية، أو كان خائفا عندما كتب عــن عطيل؟ ما الذي يمكن أن يخفيه المســرحي وهو المرآة التي تفضح الواقع كما هو؟ وشخصيا ما أحسســت يوما بأن هناك خطوطا حمرا ينبغي أن أقف عندها، ولو أحسست بذلك لتوقفت عن الكتابة.

■ من المعروف أن الإبداع المســرحي لا يمكــن أن يحقق جودته وهويته إلا إذا كان مدعما بنظرية فكرية وفلســفية، فكيف تنظــر إلى واقع التنظير المسرحي في المغرب بصفة خاصة والعالم العربي بصفة عامة؟

ـ لقد آمنت دائما بأن المســرح فن وفكر وفلســفة إلــى جانب كونه صناعــة أيضا، من المؤســف أن الكثير من الفنانين المغاربة، مارســوا المسرح في فترة الخمسينيات والستينيات باعتباره حرفة فقط، بدون الانتبــاه إلى كونه فكرا أيضا، لقد كنا وما زلنا في حاجة ماســة إلى ما أسميه دســتور المســرح العربي، الذي ينبغي أن نقرأ فيه كل الفلسفة العربية في تفاعلها مع الفلســفة الإنسانية. وعند الحديث عن المسرح يتوجب علينا أن نطرح الأسئلة الفكرية الحقيقة وهي: ما المسرح؟ بأي لغة سنقدمه؟ وبأي رسالة وخطاب؟ وقد ســبق لكثير من مسرحيينا العرب والمغاربة أن طرحوا الأسئلة ذاتها، بدءا بعلي الراعي ويوسف إدريس، وصولا إلى الطيب الصديقي وأحمد الطيب لعلج...

■ كيف تقيم تجربتك الطويلة في خدمة المســرح؟ هل أنت راض عن كل ما قدمته لهذا الفن؟

□ يشــهد الله أنني ما قصرت في شــيء، فقد اشــتغلت ليل نهار، وســافرت إلى كل البــــــل­دان العربـــــ­ــية، وكان ذلك على حساب أســرتي، وقد خدمت المســرح من كل الأبواب كاتبـــــا ومخـــــرج­ا وممثلا، وكنت وفيا لأمتي ولغــــتي وحضارتي، ومدافعا شرســا عن القيم الإنســاني­ة الكونية وعــن التعبير الحر، وعندما كنت مســؤولا في وزارة الثقافــة تصادمت مع أطرها )كوادرهــا( بدون أن أفرط في شــبر واحد من قيمي، وهذا ما يجعلنــي راض كل الرضى عن تجربتي المسرحية.

 ??  ?? لقطة من مسرحية «اسمع يا عبد السميع»
لقطة من مسرحية «اسمع يا عبد السميع»
 ??  ?? عبد الكريم برشيد
عبد الكريم برشيد

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom