Al-Quds Al-Arabi

كيف يتعايش العالم مع «كورونا الموسمي»؟

أمام معطيات وتقديرات علمية:

- البروفيسور شوكي شيمر٭ ■ لا تزال المعلومات عن الفيروس طبيعته وأضراره قيد الدرس معاريف 2020/9/27 ٭ رئيس المركز الطبي «إسوتا» ومدير عام وزارة الصحة سابقاً

حتى ساعة كتابة هذه السطور، 24 أيلول 2020، علم عن نحو 32 مليون حالة إصابة مؤكــدة لمرضى كورونا ونحو 980 ألف وفــاة بالفيروس في العالم. دول عديدة تعيش هذه الأيام «موجة ثانية» من الإصابة، وعدد المصابين الجدد كل يوم يشبه العدد الذي سجل في شهري آذار ونيسان.

اتخذت معظــم دول أوروبا أثناء «الموجــة الأولى» إغلاقاً عاماً، كجزء من سبل التصدي لتفشي الوباء. وشائق أن نتبين أن الــدول التي اتبعت الإغلاق الكامل يشــاهد فيها هذه الأيام ارتفاع كبير في عدد حالات الإصابــة الجديدة كل يوم، بما في ذلك دول كان معدل الوفيــات فيها أعلى في الموجة الأولى، مثل فرنسا وبلجيكا وبريطانيا.

تشكل السويد حالة اختبار مشوقة. لم يتبع في هذه الدولة إغلاق عام للتصدي للفيروس. ومع أن الحكومة أوصت السكان بإبداء المســؤولي­ة، والعمل من البيت، والامتناع عن التجمهر والحفاظ علــى التباعــد الاجتماعي، إلا أنها لــم تقيد الحركة بشكل رســمي ولم تأمر بإغلاق المحلات ومجالات الترفيه. في بداية انتشــار الوباء، سجل في السويد عدد عال من الوفيات، ولا سيما بسبب كثرة حالات الوفاة في دور العجزة الحكومي. ولكــن مع تقدم الوبــاء، انخفض عدد المصابــن والمتوفين في الدولة. أما اليوم فعدد المصابين والمرضى في السويد هو الأدنى بين كل الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية.

تتخذ الــدول المختلفة هذه الأيام سياســة مختلفة لمكافحة الفيروس. لم تتخذ أي دولة في العالم، باســتثناء إســرائيل، الإغلاق العــام الكامل للمرة الثانية. وتتخــذ دول مختلفة في الانفجار الحالي للوباء سياسة قيود محلية وموضعية.

في أعقــاب اندلاع المرض في دولة فيكتوريا )مع 6.2 مليون من السكان( فرض أســتراليا إغلاقاً محلياً متشدداً جداً )ولكن

لا يزال محليــاً(. أمرت الحكومة في بريطانيــا مؤخراً بإغلاق البارات والمطاعم في ســاعات المســاء. ودعــا رئيس الوزراء بوريس جونســون الجمهــور إلى الاكتــراث، والحرص على احترام التعليمات، وطالب بتشجيع العمل من بعيد.

تتخــذ حكومــات مختلفــة جملة واســعة مــن الخطوات الوقائيــة، بما فيها فرض لبس الكمامــة، والغرامة الكبيرة في حالة عدم الطاعة، وفرض قيود لزمن طويل )نصف ســنة في بريطانيــا( ومنع التجمهرات )في بريطانيا يســمح بالتجمهر حتى ستة أشخاص فقط( وسلسلة طويلة أخرى من الخطوات التي هدفها إبطاء تفشــي الوباء ـ دون فرض إغلاق كامل. إن الخط العام الذي يوجه الأمور هــو العمل الموضعي، والمحلي، ومنع التجمهر، وفرض التعليمات.

في معظم الدول عاد تلاميذ المــدارس إلى صفوف التعليم، وأعلن العديد من الزعماء بأنهم لــن يغلقوا جهاز التعليم مرة أخرى. وذلك فــي ضوء دورهــا المهم في الحفــاظ على حياة المجتمع، وكسب القيم، وتقليص الفوارق وعدم المساواة.

ثمــة عدد كبير مــن المتغيــرا­ت التي تؤثر علــى الوفيات بالفيــروس ولا ترتبط بخطــوات الحكومة، وهــذه متغيرات اجتماعية )ديمغرافية، وجينية وجغرافية، مثل العمر المتوسط للســكان، ومزايا الإصابة( مثل معدلات الســمنة الزائدة لدى الســكان، والناتج المحلي الخــام للفرد، والفــوارق في الدخل للفرد. والخطوات الوقائية كفيلة بإبطاء الوتيرة، للامتناع عن وضع تنهار فيه أجهزة الصحة.

ينشر كل يوم في الأدبيات المهنية عدد كبير من المقالات، التي توفر بنية تحتية علمية لأصحاب القرار ومقرري السياسة. في أحدث الأبحاث برزت عدة نتائج مثيرة للاهتمام:

· معظــم الكمامــات البيتية كانــت ناجعة في منــع الرذاذ )فحصت في ظروف السعال، والعطاس والحديث بصوت عال(.

· إن إجــراء فحوصات للمصابين دون أعراض مرتين كل أســبوعين في فترة هبوط الوباء هو مجــدٍ )بتعابير الكلفة

مقابــل المنفعة( ويؤدي إلى حالات إصابــة أقل في فترة زمنية محددة. من هنا جاءت الحاجة إلى زيادة عدد الفحوصات دون تحديد.

· خطر الوفاة في حالــة الإصابة بالإنفلونـ­ـزا إلى جانب كورونا يزداد بشكل كبير )1.5 ضعف(.

· خطــوات وقائية على المســتوى المحلي تــؤدي إلى عدد مصابين مشابه، ولكن مع ضرر أقل بالاقتصاد مقارنة بخطوات وقائية على المستوى الوطني.

· كل الشهادات المتراكمة تســاعد كل يوم في رسم سياسة واتخاذ خطوات وقائية )تشــجيع التطعيم للسكان في خطر، وفرض وضع الكمامــة من أي نوع، وزيــادة تنفيذ فحوصات الاســتطلا­ع(. في عالم العلوم تتجمع شهادات تفيد بأن هناك احتمالاً عالياً في أن تكون انفجارات فيروس كورونا موسمية، مثل فيروس الإنفلونزا وبما يشبه فيروسات كورونا الأخرى. إذا ما تحقق هذا الســيناري­و بالفعل فســيكون لهــذا عدد من المعاني البارزة:

1 ـ فهم طرق انتشــار الفيروس حرج كي تتمكن الحكومات من الرد بموجب ذلك فترسم السياسات.

2 ـ ســيكون لتغيير المناخ تأثير على الانفجارات المستقبلية للفيروس.

3 ـ موســمية الانفجارات )مزيد من الإصابات في الشــتاء وأقــل في الصيــف( ذات صلة أساســاً بعد تطويــر اللقاح أو الوصول إلى مناعة القطيع.

يحــاول العالم تحليل المعلومات للوصــول إلى تقدير زمن انتهاء الوباء. وثمة تعريفان مهمان لـ «نهاية الوباء » لكل واحد منهما محور زمني منفصل:

1 ـ نقطة نهاية وبائية تأتي مــع مناعة القطيع. وهذه نقطة ستقع عندما يكون معدل المحصنين عالياً بما يكفي لمنع العدوى الواسعة والمتوسطة. وتأمل دول عديدة في إتاحة تطوير اللقاء للوصول إلى مناعة القطيع. وحين تصل إلى نقطة النهاية هذه،

فلن تكون هناك حاجة لتدخلات طــوارئ للصحة العامة. هذا الهدف بعيد اليوم مدة سنة.

2 ـ الانتقال إلــى «الحياة الطبيعية» ونقطــة النهاية هذه )وهذا الافتراض مبكر جداً( ستتم حين تكون كل عناصر الحياة الاقتصاديـ­ـة والاجتماعي­ة قادرة على أن تتجدد دون خوف من وفيات متواصلة أو آثار صحية بعيدة المدى. وسيتاح الوصول إلى هذه النقطة من خلال أدوات مثــل التطعيم ضد الإنفلونزا في الشــتاء للســكان ذوي الخطر العالي، وفحوصات سريعة ودقيقة لاكتشاف فيروس كورونا، وعلاجات محسنة وناجعة، ومواصلة تعزيز الصحة العامة. المحــور الزمني للوصول إلى هذه الأهداف يتغير وفقاً للمكان. في مناطق مع رد فعل مناسب من الصحة العامة، «الحيــاة الطبيعية» كفيلة بأن تصل لفترة طويلة قبل انتهاء الوباء.

وختاماً: لا تزال المعلومات عن الفيروس، طبيعته وأضراره، قيد الدرس. في تقدير حذر، ســيتعين علينا أن نتعايش لأشهر طويلة أخرى وربما ســنين مع الفيروس. والطريق إلى الحياة الطبيعية يمر عبر تعزيز المجتمع بالاقتصاد والصحة معاً.

وستســاعدن­ا في ذلك ثلاث قواعــد حديدية: الحرص على وضع الكمامــة، والحفاظ على التباعد والنظافة الشــخصية، ومنع التجمهرات في كل مظاهر نســيج الحيــاة، وحماية كبار الســن. هذه هي حياتنا في الســنة القريبة القادمة، ويجب أن نستوعب ذلك. سنة طيبة وخاتمة طيبة للعيد.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom