Al-Quds Al-Arabi

ماذا يُريد الائتلاف السوري من المجلس الكردي؟

- شفان إبراهيم ٭

منذ الإفصــاح عن الوثيقــة الموقعة بــن الطرفــن المذكورين في العنوان، وبدأت معها سلســلة الشد والجذب، فمع اعتراض المعارضة الســورية على مطلب اللامركزية السياســية الذي تقــدم به المجلس الكــردي، وتحفظ الأخيــر على الطــرح البديل المتمثــل باللامركزي­ة الإدارية، فإن عمق الاســتغرا­ب يحيلنا للبحث عن ســبب عدّم توافق الطرفين على رؤية سياســية موحدة، وهو الائتــاف- الذي أدعى أنه يصبو نحو تحديث رؤاه السياســية والتنظيمية. عدا عن عشرات التصريحات والمواقف الجارحة والضاغطة على المجلس الكردي ضمن أروقة المعارضــة، وأخرها، حالياً، إبعاد ممثــل المجلس الكردي ضمن الائتلاف، من تمثيل هيئة التفاوض، ينظــُر إليه الكُرد كعقاب للقضية الكردية التي ربما تتبلور ملامح جديدة لها في شــرق الفرات، كنتيجةٍ للضغط الأمريكي والدفع بالحوار بين المجلس الكردي وأحزاب الحركة الوطنية الكردية/الإدارة الذاتية/.

الإدارة الذاتية

ســابقاً كانت الإدارة الذاتية تتعرض للنقد العنيف، عبر سلســلة من المقالات والمواد الصحافية الأخرى المختلفة، بســبب تعاملها بردات الفعــل تجاه المختلفــن معها سياســياً وفكرياً. لكن اليــوم ما أقدمت عليــه المعارضة، وإن صح ما قيّل إن الســيد نصر الحريري أســتفرد بقرار الإبعاد، فإننا أمام مُحددين ســيئين للغاية، أولهما: إعادة تكرار سياســات الإلغاء والاســتفر­اد بالقرارات. والثانية: استمرار عقلية القصاص من الأخر المختلف.

عملياً كان ولا يزال للائتلاف الســوري الإطلاع الكامل على مضامين وأهــداف الاجتماعات بين الطرفــن الكُرديين وبرعايــة أمريكا، وبل حتّى تركيــا مطلعة عبر علاقاته مع الجانب الأمريكي. ثمة اســتغراب فــي مواقــف المعترضين مــن الحــوارات الكُردية، فالمســاعي صوب المآلات المطلوبة، هي عينها ما كانت تطالب به المعارضة الســورية من

إخراج العناصر غير الســورية من مجمل الأراضي الســورية، ومنح حكم المناطق إلــى المجتمع المحلي لإدارتها إلى حــن إجراء انتخابات عامة على مستوى ســوريا كلها، فلما الاعتراض على الحوار. علماً أن روسيا تسعى وبكل قوة لســحب ورقة قوات سوريا الديمقراطي­ة من يد الإدارة الأمريكية، وهو ما ســيعني عودة قوات الجيش الســوري حتى «معبر سيمالكا» الحدودي بين كُردستان العراق والمنطقة الكُردية في ســوريا. أو انضمام قسد للجيش الســوري، وفي كل ذلك سيكون بالمعنى الجغرافي توســيع رقعة ســيطرة النظام الســوري، وزيادة نفوذ روســيا بالمعنى العسكري وتأثيره المباشــر على مسارات الحل السياسي لســوريا، وبالمعنى السياســي زيادة نفوذ محور «طهران، موسكو، دمشق». خاصة وأن النظام السوري يسعى لفكفكة المعارضة الســورية، وثمة تشــابه بين رؤى ومطلب النظام السوري والإدارة الذاتية في إعادة المجلس الكردي إلى القامشلي، وإبعاده عن المعارضة الســورية، لما لها من نتائــج مذهلة، فالنظام الســوري يعي جيداً، إن انسحاب المجلس الكردي من المعارضة سيعني تكوير وإضعاف تمثيل المعارضة الســورية لمكونات المجتمع الســوري، وتتعرض شــرعيته ووزنه للخلخلة، ويؤثر بدوره على مسار الحل السـياسي في جـنيف.

دعوكــم من حجم التأثير القليل جداً للمجلــس الكُردي في الوضع الســوري، إنما القضية تتعلق بدور جسد سياســي أنضم للمعارضة منذ بدايات الحدث الســوري، وممثلاً عن جزء من الشعب الكردي في جنيف. بينما تســتفاد الإدارة الذاتية من إخــراج المجلس الكردي من المعارضة الســورية، لتجريده من ورقة التمثيــل الدولي ضمن أروقة المعارضة السورية، والتساوي بينهما في تلك النقطة، مع تفوق الإدارة الذاتية عسكرياً وعلى مســتوى هياكل الحكم المحلية، ما يعني تفوقها على المجلس، وتغيير في موازين القوى أثناء الحوارات، هذا إن بقيت الحوارات قائمة من أصلها. وفقاً لذلك: من المســتفيد من تصرف السيد نصر الحريري؟ وهل يُمكن أن يعترف بخطئه ويتراجع، كأي سياسي أخطأ التصرف ثم عاد عنه، فتُحسب له.

يبدو أن عقدة التفوق على المكون الكردي لا تزال ملازمة للكثيرين، ورغبتهم في اســتثمار الورقة الكُردية دون منحها ما تستحقه لا تزال

مســيطرة على عقولهم. يرفضون الحوارات بين الطرفين، دون تقديم أي بديل، سوى استدامة الحرب، والتدخل فيما تبقى من شرق الفرات. وكأن تجارب الحكم المحلي في عفرين، ســري كانيه/رأس العين، كري سبي/تل أبيض، بدت لهم جنّة على الأرض.

الثابت في نظريات ومفاهيم حقوق الإنســان والمجتمعات المتطورة والثابتــة، إن الموقف من الحريات والديمقراط­يــة لا يتجزأ. بمعنى أن الحديث عن الانتهاكات التي كانت تقوم بها الإدارة الذاتية على صعيد الحريات، والتعددية السياسية، والتربية والتعليم، وما يقوله الإعلام عن قضايا خلافية عميقة في دير الزور بين الأهالي وقسد، وهو ما تركز عليه المعارضة السورية كثيراً. يجب أن لا ينسى أو يتناسى الائتلاف، ما أقدمت عليه ولا تزال، فصائل المعارضة السورية في مناطق عمليات «غصن الزيتون ونبع الســام» في حدها الأدنــى التغيير الديمغرافي الكبيــر الذي تقوم على تهجير الأهالي من بيوتهم، وإحلال نازحين من مختلف المناطق الســورية عوضاً عنهم، مع مصادرة الأملاك، وخطف النســاء. دون أن يتمكن الائتلاف من الإتيان بأي خطوة من شأنها أن تعيد الحــق لنصابه. بل أن الائتلاف لم يتمكن من تنفيذ الاتفاق الموقع بينه وبــن المجلس الكُردي في 10 يناير )كانون الثاني)2020 «لضمان عودة الُمهجرين والنازحين من البلدات والمدن التي دخلت إليها فصائل المعارضة الســورية، وضمان عودة أملاكهم وكُل ما صُدر منهم على يدِّ تلك الفصائل المسلحة، ومتابعة الأمور داخل تلك المدن، والتواصل مع الُمهجرين والنازحين منها، والتنســيق مع الحكومة الســورية المؤقتة التي تشرف على الأمور الإدارية والأمنية في تلك المناطق.»

مسارات وديناميكيا­ت جديدة

قابل كل ذلك، خطوة اســتفزازي­ة أخرى للسيد الحريري بالاجتماع مع شخصيات كُردية مستقلة، التي لم تخرج عن دائرة زيادة الضغط على المجلس الكردي، لكن ما فات الحريري إنها خطوة لن يحل شــيء من الإشــكال، ولن تأتي بثمارها؛ إذ نحن أمام ثلاث مشــاكل متراكمة مترابطة بقضية المســتقلي­ن الكُــرد تحديداً: فلا المجلــس الكردي قدّرَ

مستقليه أو الشخصيات الوطنية الفاعلة، ولا المستقلين اثبتوا قدرتهم على تحريك الشــارع أو التأثيــر فيه، ولا من اجتمــع معهم الائتلاف يخرج مــن دائرة بطاقة الضغط الفارغة ومحاولة يائســة لتمييع لب وجوهر الموضوع عوضــاً عن الذهاب إلى القضيــة حيث هي وحيثما توجد. خاصة وأن الحل السوري يحتاج إلى شيء جديد بالمرة، خارج الديناميكي­ات المتبعة منذ بدايات 2011 وعلى رأسها قضية شكل الدولة ونظام الحكم، والموقف من حقوق القوميات والشــعوب المغاير، ضمن الدولة الســورية الواحدة وفق ما يقيها من التقســيما­ت، وبناء على نظام وعقد اجتماعي جديدين.

الغريب أن الائتلاف يصر على نحر ذاته، فهو الجسد الرسمي الأول في التاريخ الحديث للمعارضة الســورية الذي يضم مختلف الشرائح والمكونــا­ت والتي اعترف بها العالم وأصبح جزءا من مســارات الحل السياســي قبل أن ينفض عنــه ذووه ومؤسســوه لتراكم الخلافات والتدخلات الخارجية ودور الأســلمة السياســية الواضحة ، فأغلب الشــخصيات المهمة تركت صفوفه، وهو الذي لم يقــدم رُبع ما تأملته الناس في الداخل الســوري، أو في مخيمــات اللجوء في دول الجوار الســوري، مع ذلك يســعى لخلق مســارات وديناميكيا­ت جديدة في تعامله مع المجلس الكردي، ولو افترضنا أن رئيسه مستفرد بالقرارات، فإن بقاء قراراته دون مراجعة أو نقد، يشــي بمؤشرين خطيرين: من هي الجهة التي تقف وراء تلك التصريحات والمواقف، وهل لها دور في منــع باقي الأعضاء من الاعتراض. أما الثاني: يطالب الســيد حريري بوقف الحوار مع الإتحــاد الديمقراطي واصفاً إيــاه بالامتداد للعمال الكردســتا­ني. فمن المســتفيد من عدم إخراج القوات أو الشخصيات الكردية غير الســورية من المنطقة، وهل يكون الائتــاف منتصراً لو حدثت معركة جديدة ستكون أكلافها إنهاء الوجود الكردي في سوريا.

وفي المقابل ماذا يريد المجلس الكردي من نفســه ومن الشارع، بات لِزاماً البحث عن منجزات تأثير المجلس سياسيا عبر علاقاته التي كان يتحدث عنه، هل انفض الناس حولهم أيضاً؟ سؤالٌ برسم المعنيين

٭

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom