Al-Quds Al-Arabi

لماذا تخاف السلطة في الجزائر من الأرسيدي؟

- *كاتب جزائري

الأرسيدي هو حزب التجمع من أجل الثقافــة والديمقراط­ية لمن لا يعرفه. حزب ينشــط في الساحة السياسية منذ ثلاثين ســنة. وصل نوابه أكثر من مرة إلى البرلمان، عندما لم يقرر مقاطعــة الانتخابات، كما فعل في محطات سياســية عديدة، بــل وصل وزراؤه إلــى الحكومة في الســنوات الأولى لحكــم بوتفليقة. عندمــا حصل نوع من الود بين قيادة الحزب الســابقة والرئيــس، لتتدهــور العلاقــة بين الاثنين، بســرعة بعد أحــداث الربيع الأمازيغي، التــي ابتعد على أثرها الأرسيدي عن الحكومة عام 2002.

لــم يتوقف هذا المــد والجزر بين الرئاســة وحزب الأرســيدي، طول فترة الســنوات الســابقة، لتصل الأمور هذه الأيام إلى نوع مــن القطيعة، بعد أن قررت الســلطات منع الحزب من تنظيم جلســات مجلســه الوطني، في فندق بالعاصمــة. بحجة خطورة الوضع الصحي، في وقت سمح فيه لأحزاب السلطة بالاجتماع بأريحية كبيرة، تؤكد شكوك الجزائريين في استعمال الجائحة لأغراض التضييق السياسي.

قبل هــذا كان وزير العدل قد طالــب برفع الحصانة البرلمانيـ­ـة عن رئيس الحــزب، باعتبــاره عضوا في البرلمان، علــى خلفية ملف قانوني يكون مرتبطا بوفاة عامل مغربي، في ورشة بناء مسكن رئيس الحزب، كما تداوله الاعلام الوطني. قضية تم الاستماع فيها له منذ أسابيع، بعد أن قرر طواعية الإجابة على أسئلة الدرك الوطني، ناهيك من تحرشات أخرى تعرض لها الحزب، كما حصل في قضيــة مقره الوطنــي والجهوي، الذي يحتل موقعا متميزا نتيجة تواجده وســط العاصمة، بالقرب من نقطة انطلاق المســيرات الشــعبية كل يوم جمعة.

يأتي تسلســل الأحداث هذه، في وقت تتعرض فيه الساحة السياسية الوطنية إلى غلق لم تعرفه حتى في سنوات تسلط نظام بوتفليقة. تميزت باعتقال ناشطي الحراك والحكم على الصحافيين بالســجن، كما حصل في حالة الصحافي خالد درارني الذي عوقب بســنتي ســجن، كأول ســابقة في تاريخ الإعــام الجزائري. وكأننا أمام انطلاق مرحلة تطبيع سياســي، يبادر بها النظام وهو ينطلق في برنامجه السياسي. المعتمد كما كان الحال، في الســابق على توليفة الغلق السياسي والإعلامي، في علاقاته بالنخب، مقابل وعود التوزيع الاجتماعي والاقتصادي على الفقراء والمعدومين لشراء سلم اجتماعي، لم يعد الوضع المالي للبلد يسمح به.

في الحقيقــة ونحن نتمعــن الأوضاع السياســية عن قرب في الجزائر، الســلطة ليســت خائفة فقط من الأرســيدي، فخوفها الأكبر مصدره الحراك الشــعبي وإمكانية عودة المســيرات الشــعبية، كما يوحي بذلك عديد المؤشرات، بالمكانة التي يحتلها الحزب ومناضلوه داخل الحــراك الشــعبي، الذي تحــول رئيس حزب الأرسيدي محسن بلعباس إلى أحد وجوهه السياسية الحاضرة، كل يوم جمعة بالعاصمة، منذ بداية الحراك. علمــا بأن الســلطة لا تخــاف من الأرســيدي لوحده كحزب، فهــي تخاف وتعادي كل الأحزاب السياســية المســتقلة، مهما كان لونها السياســي، ما يخيف أكثر السلطة هو الاســتقلا­لية، تعلق الأمر بحزب وطني أو إســامي أو علماني، كما هو حال الأرسيدي، سلطة لم تعترف في واقع الحال بالحزب السياسي، بعد أكثر من ثلاثين سنة من الاعتراف القانوني بالتعددية الحزبية، فالســلطة الفعلية في الجزائر مازالت غير مقتنعة ولا قابلــة بوجود حــزب يقرر داخل مؤسســاته لوحده، في إطار تصــور مســتقل للعمل السياســي، حاربته

بقوة بعدة وســائل، منها ما تحول مع الوقت إلى ثقافة مؤسساتية رسمية، كتشجيع الانشقاقات والانقلابا­ت علــى القيــادات الحزبيــة المنتخبة، التــي تدافع عن اســتقلالي­ة الفعل السياســي، كما حصل تقريبا داخل كل الأحزاب السياسية، التي بادرت قياداتها بالتعبير عن استقلاليته­ا، بما فيها أحزاب السلطة ذاتها، عندما تحاول الخروج عن الخط المرسوم لها.

مكانــة الحزب داخــل النظام السياســي الذي ثار الجزائريــ­ون ضده، التي يبدو، انهــا لن تعرف تغييرا في إطار الدستور الجديد، الذي اقترح على الجزائريين هرطقة قانونيــة فعلية وهو يتحدث، عن رئيس وزراء ورئيــس حكومة فــي آن، حســبما ســماه بالأغلبية الرئاســية أو البرلمانيـ­ـة، المادة 103 من الدســتور، ما يعني سياســيا أن لا جديد يمكن انتظاره على مستوى الدســتور، وأن الجزائر ستعيد إنتاج التجربة القديمة نفسها، التي تؤسس لما سمي بالأغلبية الرئاسية، التي انطلق التمهيد لها بشــحذ همم جمعيات المجتمع المدني القديمة وأحزاب الســلطة، بعد إعــادة تأهيل قياداتها الجديــدة، من وجوه الصف الثانــي، في غياب وجوه الصــف الأول الموجودة في الســجن بتهم فســاد، ما يعني أن التحولات التي يمكن أن تظهر على مســتوى الحزب السياســي الجزائري من داخلــه، وفي علاقته بالمواطنين، ســتنتكس، ليبقى الحــزب ضعيفا بدون قاعدة، بل منبوذا من قبــل الجزائريات والجزائريي­ن، خاصة عندما يتعلق الأمر بحزب الأرســيدي، الذي بدأ يعرف في المدة الأخيرة، تحت تأثير الحراك الشــعبي، نوعــا من الانفتاح على جهــات الوطن الأخرى، خارج منطقة القبائل، التي اعتمد عليها كقاعدة لوقت طويل. زيادة على بعض الحضور المســجل بين أبناء العاصمة وبعض المدن الكبرى، من الفئات الوسطى، التي كونت الجسر السياســي، الذي ســمح للحزب بالخروج من قوقعته الجهوية التي التصقت به.

تطور في سوســيولوج­ية الحزب، هــي التي وقفت فــي وجه التيــارات الانفصاليـ­ـة المنادية باســتقلال منطقة القبائل من قبل حركــة الماك، طول فترة الحراك الشــعبي وحتــى قبله. كما بــرز بقوة في المســيرات الشــعبية في الجزائر والمهجر، الذي يمثل أبناء منطقة القبائل حضورا متميــزا داخلها، تقلص اثناءها صوت الانفصاليـ­ـن، لصالح الأحــزاب الوطنيــة الحاضرة بالمنطقة، على غرار الأرسيدي، الذي عبّر في السنوات الأخيــرة عن توجه وطنــي لا غبار عليــه، حتى وهو يطالب بما ميز أبنــاء منطقة القبائل من مطالب متعلقة بالقضيــة الأمازيغية، تحولت مع الوقــت إلى مطالب لكل الجزائريين المؤمنين باحترام الحريات والتعددية. تحولات داخل الحزب وفي علاقته بالمحيط الاجتماعي، قد لا تكون بالضرورة، بعض مراكز القرار داخل النظام راضية عنها، هــي التي تعودت على تســيير الجزائر والجزائريي­ن، من خلال نقــاط ضعفهم لا نقاط قوتهم. نقاط ضعف كانت على رأســها تلك الشــروخ الثقافية المرتبطة بالأمازيغي­ة، التي عمقها التســيير السياسي المغلــق لفترة ما بعد الاســتقلا­ل، تحولــت مع الوقت إلى ثقافة مترســخة لدى أجيال من الجزائريين داخل وخارج منطقة القبائل. المنطقــة التي يراد لها أن تبقى معزولة ومتمردة، عكس الاتجاهات السوسيوسيا­سية والثقافية الثقيلــة داخلها، المناديــة باندماجها داخل النسيج الوطني الذي نجح الأرسيدي في التعبير عنه بقوة، في السنوات الأخيرة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom