Al-Quds Al-Arabi

المؤتمر الاقتصادي القومي في السودان

- ■ ٭ كاتب سوداني

اليــوم، 28 ســبتمبر/أيلول، هــو ختــام أعمال المؤتمر الاقتصادي القومي في الســودان. والســودان­يون جميعا، يتوقعون، أو يفترضون، أن يخرج المؤتمر ببرنامج عملي ممكــن التنفيذ، لإنقاذ اقتصاد البلاد المنهار، ولرفع المعاناة وأعباء الحياة وضنك العيش عن كاهل المواطن، بعد أن وصل الأمــر حدا لا يُطاق. لا ندري بماذا خرج المؤتمر، فنحن نكتب هذا المقال قبل أن تصدر قراراته، ولكن، وكما بشرتنا وزيرة المالية المكلفة في المؤتمر الصحافي المخصص للحديث عن المؤتمر، والذي عقدته في الأســبوع الأول من الشــهر الجاري، نتمنى ونأمل أن يكون المؤتمر قد جسّــد فعلا آلية مناسبة لانخراط كل أصحــاب المصلحــة في حوار مجتمعي واســع بين الحكومــة والولايات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية والشبابية والجامعــا­ت وهيئات البحــث العلمي، وخرج بخطة اقتصادية، تســتقطب بمحتواهــا غطاء شــعبيا وجماهيريا واســعا، لتعالج الخلــل الهيكلي في الاقتصاد السوداني، وتتصدى لتضارب السياسات المالية والنقدية، وتبحث أسباب ضعف الانتاج والصادرات وزيادة الطلب على الواردات، والذي أدى لاختلال الميزان التجاري، وتعالج التضخم، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، وارتفاع نسبة البطالة، ووصول حد الفقر إلى 65٪.. وأن تتضمن توصيات المؤتمر وضع سياسات مالية ونقدية موحدة، مترابطة ومنسجمة ومتماشية مع السياسات العامة للدولة في كافة المجالات، وفق تحديد دقيق للأولويات وصيانة الموارد، حسب حديث الســيدة الوزيرة المكلفة. هذا ما نتمناه فعلا، رغم أننا في مقال سابق قلنا إن المطلوب لعلاج الوضع الاقتصادي المنهار في البلد ليس عقد مؤتمرات بالمواصفات الأكاديميـ­ـة البحتة والتي يغلب عليها الطابع النظري، لا رفضا لهــذه المواصفات، بل هي ضرورية جدا، ولكن لأننا شــهدنا مؤتمرا بهذه المواصفات، نظمته مجموعة أبحاث السودان في نهاية العام الماضي، شــارك فيه أكثر من مئة خبير اقتصادي، وخاطبه الأخ رئيس الوزراء ووزير المالية آنــذاك، وقُدمت فيه مجموعة من الأوراق المتميزة التي تشــرّح علل الاقتصاد الســوداني وتقترح الحلول. وقلنا أن الذي يحتاجه الســودان هو توافق الخبراء، بدعم من السياســيي­ن، علــى خارطة طريق تتضمن الآليات العملية لإنقاذ الاقتصاد المنهار.

ومباشــرة قبيل انطلاق أعمال المؤتمر، أعلن مجلس إدارة صندوق النقد الدولي موافقته على توصيــات بعثة الصندوق التي تســمح بتقديم الدعم للسودان مقابل التزامه بتحرير ســعر الصرف، ورفع الدعم، وابتداع الدعم المباشر للأسر المحتاجة. وبالتالي، وكما أشار الصديق كمال إبراهيم أحمد، لم يُترك للمؤتمر الاقتصادي ســوى نافذة صغيرة، وهي تخفيف وطأة الاتفاق الموقع بين مجلس الــوزراء الانتقالي وبعثة صنــدوق النقد الدولي، كأن أن يتم، مثلا، رفــع الدعم بالتدريج وليس إلغاءه بضربة واحدة، على أن يوجه قســط كبير من الدعم المباشــر لصغار المنتجين، كهدف أساســي. ومع ذلك، هناك مجموعة من التدابير الاقتصاديـ­ـة الضرورية، نتمنى أن يكون المؤتمر قد تبناها، منها: *تغيير العملة. *الإصلاح المؤسسي للوزارات والمؤسسات الحكومية، وفي مقدمتها وزارة المالية.

تأكيد الولاية الحصرية لوزارة المالية على المال العام، وأن تضع الحكومة يدها بالكامل على الشركات الرمادية، على أن يتم تنفيذ ذلك بالتدريج وعبر التفاوض المباشــر، لا عبــر الإعلام!. *تحرير بنك الســودان المركزي من أي «هيمنة مالية» مفروضة عليه، وإعادة النظر في هيكلته وإدارته، والتعجيل بتعيين مدراء المصــارف الحكومية. *العودة إلى نظــام التخطيط المركزي. *ترشيد الاستيراد لخفض العجز التجاري. *إعادة هيكلة وترشيد الصرف والإنفاق الحكومي. *تبني سياســات الاقتصاد الانتاجي بدلا من الاقتصاد الريعي الحالي. *إعتماد سياســات صرف «إسمي» مرنة ومتوازنة لإستقرار قيمــة الجنيه وعدم تعريضــه للتقلبات العشــوائي­ة، والتعامــل الإيجابي والســريع مع عشــرات المبادرات التي ظل يقدمها المغتربــو­ن لتوفير العملة الصعبة فــي البلاد. ومعــروف أن تحويلات المغتربين وحصيلــة التهريب، وخاصة الذهب، والتلاعب في سياســات حصاد الصادر، وخاصة السمسم والصمغ العربي واللحوم والذهب، تشــكل المصادر الأساسية لتواجد العملة الصعبة خــارج النظام المصرفي، وتصحيح هذا الوضــع المختل لن يتأتى إلا بتحقيق ثلاثة شروط أساسية، هي: الولاية الحصرية لوزارة المالية على المال العام، وفك الحظر على المعاملات المصرفية، وتوحيد ســعر الصرف. *تنفيذ تحرك عاجل تجاه الــدول المانحة للوفاء بتعهداتها فــي تقديم العون المالي العاجل، بما في ذلك الســعي لإعفاء ديون السودان، والحصول على «قرض عبور »*التعامل الصارم ضد التهريب والتهرب الجمركي والضريبي، وإنشاء آلية للرقابة على الأسعار، ولضمان وصول السلع الإستراتيج­ية لمستحقيها. *إعادة إحياء القطاع التعاوني، الإستهلاكي والمنتج.

ومــن ناحية أخرى، فإن ضمان نجاح تنفيذ أي توصيات عملية يخرج بها المؤتمر الاقتصادي، هو توفر آليات تنفيذ بشباب مقتدر، تستند، وبالضرورة، على قاعدة بيانات إحصائية شاملة عن السكان، الزراعة، الثروة الحيوانية، الظروف الصحية والبيئية...الخ، مثلما تحتاج إلى دعم مباشــر من حاضنة سياسية محفزة وضامنة، كما أشار الأخ كمال.

وكنا في مقالنا السابق قد أشرنا إلى أهمية إشراك قوى الإنتاج، باعتبارها أســاس الدولة الحديثة، في رسم السياســة الاقتصادية للخروج من الأزمة التي تمــر بها البلاد، وفي وضع ركائز لتحقيق تنمية مســتدامة. وقد وافقنا الأخ كمــال في هــذا الرأي إلا أنه لفت انتباهنا إلى نقطة أساســية، مشــددا على أهميــة مراعاتها، وهي، أنه لا يوجد لدينا قطــاع خاص منتج، حيث كل الصناعات الحاليّــة لا تعدو أن تنحصر في الصناعــات الخدمية وصناعات التعبئــة. وحتى الزراعة، ورغــم أنها أصبحت تســتخدم التقنية الحديثة، وكذلــك التصنيع الزراعــي، إلا أنها لم تصل الي ما كانــت عليه خلال الفترة 1985 ـ 1992. لذلك، يصبح الأساس هو بناء قوى الانتاج قاعديا، كما أشرنا فــي مقالنا المذكور، لأنه في وقتنا الراهــن لا يوجد من يمثل هذه القوى، وكل ما يتوفر من قاعده إنتاجيه حاليه هو نتاج سياســة اقتصاد تبادلي ريعي، وليس إنتاجيا، فلذا ســتكون مساهمة قوى الإنتاج الحالية ضعيفة في رسم السياســة الاقتصادية المطلوبة للخروج ببلادنا من الأزمة، وفي وضع أسس النمو الاقتصادي المستدام.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom