Al-Quds Al-Arabi

محللون: تونس تعيش صراعا بين الرئاسات الثلاث ورموز بن علي لم يغادروا المشهد السياسي

- تونس – «القدس العربي» من حسن سلمان:

كشــف الســجال السياســي الأخيــر حول «التعيينــا­ت المفترضة» لشــخصيات محســوبة علــى نظام بــن علي في رئاســة الحكومــة، عن حجم الخــاف والتباين بين الرئاســات الثــاث فــي تونــس، وخاصة بعد اللقــاء الأخير بين رئيســي الجمهورية والحكومة، ولجوء الرئيس قيس سعيّد إلى أســلوب «التوبيــخ» في التعبيــر عن رفضه لهذه التعيينــا­ت، وتأكيد رئيــس الحكومة، هشــام المشيشــي، أن الأســماء المتداولــ­ة لم يتــم تعيينها بشــكل رســمي، فضلاً عن اعتبــار رئيس البرلمان، راشــد الغنوشــي – في رسالة غير مباشــرة لسعيد، أن من حق المشيشــي تعيين من يشاء في إطار القانون والدستور.

الانسجام والتوافق بين مؤسسات الدولة

وكانــت وســائل إعــام محليــة أكــدت تعيين المشيشي للمستشار الاقتصادي لبن علي، منجي صفرة، مستشــاراً في رئاســة الحكومــة، فضلاً عــن تعيينه توفيــق بكار، رئيس البنك المركزي لعشــر ســنوات خلال حكــم بن علي، مستشــاراً مكلفاً بالشــؤون الاقتصادية والمالية.

وخــال لقائــه بالمشيشــي فــي قصــر قرطــاج، عبــر الرئيــس ســعيد عــن رفضه تعيــن أي شــخص من نظام زيــن العابدين بن علي في مناصب حكومية، قبل أن ينتهي القضاء من النظر في قضيته.

إلا أن المشيشــي أكد أن الأسماء المقترحة لم يتم تعيينها بشــكل رســمي، مشــيراً إلى أنه يتم عادة نشــر التعيينــا­ت الجديدة في الجريــدة الرســمية، بعد الإعــان عنها عبر الصفحــة الرســمية لرئاســة الحكومة على موقع فيسبوك.

فيما دعا رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، إلــى الانســجام والتوافــق بين مؤسســات الدولة، معتبراً أنــه من حق رئيس الحكومة أن يعين من يشــاء، إذا تم ذلك وفق القانون والدستور.

ويقول المؤرخ والمحلل السياســي د. عبد اللطيف الحنّاشــي لـ «القدس العربي»: هذا النــوع مــن التعيينــا­ت )في حــال صحّت( يأتي كإرضاء للأطراف السياسية المساندة للحكومة، وقد نشــهد أيضاً تعييناً لأسماء أخرى مقرّبــة من حركة النهضــة أو غيرها من الأطــراف التي صوتت لصالح الحكومة في البرلمان».

ويوضــح أكثــر بقولــه: «رجــالات نظام بــن علي لم يغادروا المشــهد السياســي في تونس، فمحمد الغنوشي، الذي كان رئيساً للــوزراء خــال حكم بــن علي، شــكل أول حكومــة بعــد الثورة تضــم عدداً كبيــراً من رموز نظام بن علي، وهــذ ينطبق أيضاً على الرئيســن الســابقين فؤاد المبزّع والباجي قايد السبســي، كما أن جميع الحكومة بعد الثــورة ضمت على الأقل شــخصية أو أكثر كانــت تنتمــي لنظام بــن علي. عمومــاً هذه المســألة كانت تتم بشــكل طبيعــي في إطار المصالحة التي تمــت من خلال رفض العزل السياسي للدستوريين، وهو ما أدى لعملية إدماجهم في العملية السياسية.»

لكن الحناشــي يشــكك في جدوى تعيين شــخصيات ســابقة يــرى البعــض أنهــا ستســاهم في إنعاش اقتصاد البلاد، حيث يقــول: «لســنا ضــد التعيينــا­ت الأخيــرة، ولكن الســؤال المطروح هو هل هؤلاء كانوا أصحاب قــدرة وكفاءة خــال حكم النظام الســابق؟ لــو كانوا كذلــك لما حدثــت ثورة أصــاً. ونقطة أخرى هي أنــه من المفروض أنــه بعــد الانتقــال الديمقراطـ­ـي يجــب أن نحافــظ على وجود نخبة سياســية جديدة بدماء شابة».

ويضيف: «للأسف، إن النخبة السياسية بعــد 2011 لــم تكــن فــي مســتوى مطالــب الناس. حيــث كان هناك ارتبــاك في الأداء وعدم قــدرة في التســيير. صحيح أن هناك ضغوطــاً داخليــة وخارجية كبيــرة، ولكن كــن هناك تذبذب وعدم قدرة على ممارســة السلطة بالشكل الذي يساهم في حل الحد الأدنــى علــى الأقــل للمشــاكل السياســية والاقتصادي­ة والاجتماعي­ة».

ويــرى الحنّاشــي أن تونــس تعيــش حالياً نوعاً مــن انعدام الثقــة داخل الطبقة السياسية، ســواء داخل الأحزاب أو داخل البرلمــان، أو فــي إطــار العلاقة بين رأســي الســلطة التنفيذيــ­ة )الرئاســة والحكومة( وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ويضيــف: «الصــراع واضــح بشــكل جلي، وهناك خلافــات وتباينات حادة بين المؤسســات الثــاث )الرئاســة والحكومة والبرلمــا­ن(. وخطاب الرئيــس الأخير يؤكد ذلــك. التبايــن الآن كبيــر جداً. ســابقاً كان الخــاف فقــط بين الســلطتين التشــريعي­ة والتنفيذيـ­ـة، أمــا الآن فقد توسّــع ليشــمل الســلطات الثــاث. وقد لمســنا ذلــك أيضاً خلال مســار تشــكيل الحكومة. باختصار: نحن في مرحلة خطيرة ومزعجة.»

مــن جانب آخــر، يرى المحلل السياســي والدبلوماس­ــي الســابق، عبد الله العبيدي، أنــه لا يمكن اعتبــار كل من عمل فــي الدولة خــال حكم بــن علــي جــزءاً مــن منظومة الحكــم، مشــيراً إلــى أن الرئيــس الســابق زيــن العابدين بــن علي اســتعان بعدد كبير مــن الكفــاءات لتصريــف بعــض الأمــور السياســية والإداريــ­ة، دون أن يكــون لهــم أي انتماء سياســي «فمحمد الغنوشي مثلاً لم يكــن لديه أي لون سياســي، بل كان في وقت ما مدير عــام لميزانية في وزارة المالية، واســتنجد به بــن علــي لإدارة الدولة. وقد أتى به بن علي من أقصى اليســار من حركة آفاق التي كانت من أشــد المعارضين لنظام بورقيبة. كما أن توفيق بكار كان كتب دولة ومحافظاً للبنك المركزي، لكنه لم يكن وجهاً بارزاً فــي المنظومة القديمة. وهو من بين من استنجد بهم نظام بن علي نظراً لكفاءتهم.»

الاستعانة بجميع الناس

ويضيــف بقولــه: «تونــس اليــوم بلغت الحضيــض في كل المجالات، وأي شــخص يرغب أن يستمر في منصبه يجب أن ينهض بالبلاد ويحســن الوضع العام فيها، ولذلك مــن يرغــب بإنعــاش الوضــع الاقتصادي والاجتماعـ­ـي في البلاد، يجب أن يســتعين بجميع الناس وإلا سنشهد أوضاعاً كارثية فــي البلاد. وخاصــة أننا نــرى اليوم أغلب الشباب في تونس يرغبون بمغادرة البلاد، فخلال شــهر يوليو/تموز فقــط هاجر أكثر من 4300 شــخص. كما أنه ليس هناك اليوم مســؤول سياســي في تونس ليــس لديها ملــف فــي القطــب القضائي. وهذا يشــمل رؤساء الحكومة السابقة وغيرهم».

 ??  ?? رئيس البرلمان راشد الغنوشي
رئيس البرلمان راشد الغنوشي
 ??  ?? رئيس الحكومة هشام المشيشي
رئيس الحكومة هشام المشيشي
 ??  ?? الرئيس قيس سعيّد
الرئيس قيس سعيّد

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom