Al-Quds Al-Arabi

سفير واشنطن في بغداد يجدد دعم بلاده لحكومة الكاظمي وفصائل شيعية تواصل تهديد المصالح الأمريكية

قلق سنّي من تكرار أخطاء الماضي ... مخاوف من تصادم العراق مع المجتمع الدولي

- بغداد ـ «القدس العربي» من مشرق ريسان:

أظهرت التطورات الأخيرة للموقف الأمريكي من اســتمرار استهداف محيط سفارته في المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية بغداد، والتلويح بإغلاقها، انقساماً كبيراً في صفوف قادة الأحزاب السياســية الشــيعية، التي تملــك جلّها أذرعاً عســكرية وفصائل مســلحة منضوية تحت تشكيل "الحشد"، بين الموقفين السياســي المتناغم مع رؤيــة الحكومة العراقية، برفض الاعتداء على البعثات الدبلوماسـ­ـية، والمبدئي المتمثل بـ"مقاومة الاحتلال".

ورغم إعلان تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، ويضم أغلب القوى السياسية الشــيعية المتهمة بالتقرّب من إيران، رفضه المســاس بالبعثات الدبلوماسـ­ـية، غيــر إن زعامات سياسية شيعية منضوية في "الفتح" خالفت موقف العامري.

ويعدّ زعيــم حركة "عصائب أهل الحــقّ"، قيس الخزعلي، الذي يمتلــك كتلة برلمانيــة "صادقون" منضويــة تحت لواء "الفتــح" أبــرز المؤيديــن لحركــة "المقاومة" ضد مــا يعتبره "الاحتلال الأمريكي".

وهاجــم نائبان عن كتلة "صادقــون" النيابية، التهديدات الأمريكية المحتملة بإغلاق ســفارتها في العراق، مشيرين إلى أنها تمثل "إهانة لســيادة وهيبة البلاد" ولا يمكن للرئاســات التي تلقت تلك التهديدات السكوت عليها.

وتســاءل النائب عدنان فيحان في "تغريــدة" على موقع "تويتر" عن حقيقة حدوث اتصال بين رئيس الجمهورية برهم صالح، ووزير الخارجية الأمريكي مايك وبومبيو، وعن وجود رسالة للقيادات العراقية ومضمونها، مضيفاً: "إن تم تأكيدها كيــف لرئيس الجمهوريــ­ة )أحد عناوين الســيادة( أن يقبل إهانة سيادة وهيبة بلده بهذا الشمل ويتلقى التهديد والوعيد ويسكت؟".

وتابع: "وإن تم نفيها كيف ســارعت القيــادات إلى النأي بالنفس وتحميل كامل المسؤولية للحشد الشعبي حتى وصل الأمر ببعضهم يفكر بالبراءة منه؟".

وقال النائب عن "صادقون" حسن سالم في "تغريدة" على "تويتــر": "إذا كان بومبيو يبعث برســالة تهديد إلى فصائل الحشد الشــعبي، وحامي الدســتور يتحول الى ساعي بريد ويخرس لسانه ولم يرد، والأدهى من ذلك عندما يفند بومبيو هذه الرسالة فعلى الدستور وحاميه السلام".

وبالإضافــ­ة إلــى "العصائــب"، يؤيــد زعيــم حركــة "النجباء"المنضوية في "الحشد"- ليس لها تمثيل سياسي في البرلمان- "المقاومة" ضد الأمريكان، ملوحاً باستهداف سفارة واشنطن في بغداد بـ"أسلحة دقيقة".

وأيضاً قال أمين عام "كتائب سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي، في "تغريدة" على موقعه في "تويتر": "يسرنا صراخ الأمريكان فكلما ارتفع كان وجعهم أكبر، فما حالهم لو أن فصائل المقاومة التي خبروا ضرباتها وجهت جهدها الكامل لضرب مواقعهم؟".

وأضاف أنــه "لو كان لــدى المقاومين ثقة بخــروج أمريكا تنفيذاً لقرار البرلمــان العراقي لانتظروا، لكن لا وفاء بعهد من قاتل الشهداء والارض لا تتطهر إلا بقطع أرجل المحتلين".

تنصّل بغداد وواشنطن

التطور الأخير في موقف الفصائل الشــيعية المسلحة باســتهداف المصالح الدبلوماسـ­ـية والأرتال العسكرية واللوجستية لقوات التحالف الدولي، بزعامة واشنطن، يأتي عقب "تنصّــل" الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية عن خروج قواتهــا من العراق، وفقاً لقــرار البرلمان في 5 كانون الثاني/ يناير الماضي. حسب رأيهم.

وبالتزامن مع نشــاط الإســتهدا­فات المسلحة، ظهرت فصائل شــيعية مســلحة في الســاحة العراقية، تبنت المنهاج ذاته "المقاومة".

ويقول فصيل مســلح يُســمى "قــوات ذو الفقار"، أنه مستمر باستهداف القواعد العســكرية، متوعداً الجهات التي تبرأت من تلك الهجمات بعد تهديدات بومبيو، مبيناً أن "ما تقوم به المقاومة هو اســتهداف القواعد العسكرية وكبار ضباط C.I.A() ومستشارين إسرائيليين".

كما أعلنت جماعة مســلحة تطلق على نفســها اســم "أصحاب الكهف"، أن "هذا الضغط ما هو إلا مقدمة للخير كلــه.. هيهــات لأبناء الحســن أن يذلــوا وأن المغردين الطالبين للدنيا خاذلي المؤمنين ســيكون لكم وقفة طويلة مع أمير المؤمنــن"، مختتمةً بالقول: "إلهنــا إن القوم قد خذلونا وخانونا وتركونا لوحدنا في الميدان..".

ومؤخــراً كُشــف النقاب عن تشــكيل فصيل شــيعي مســلّح، "منشــق" من جيش المهدي، الذراع العســكري لزعيم التيــار الصدري مقتدى الصدر، حمل اســم "لواء كــريم درعم" بهدف "مجاهدة الاحتــال ورفع المظالم عن العراق وشــعبه.. وهو تكليف شرعي ووطني لا يختلف عليه أحد".

آخر الفصائل المشكّلة مؤخراً لـ"قتال المحتلّ" هو "فرقة الغاشية" التي أعلنت تشكيلها رسمياً أمس الاثنين.

وجاء في بيــان صادر عــن "الإعلام الحربــي لفرقة الغاشــية" تناقله مدونون ومواقــع إخبارية محلّية، أنه "بعدما رأينــاه من تقاعس وتخاذل ونكث وخيانة.. نحن مجموعة من المجاهدين قد وضعنا الشــهادة نصب أعيننا

وهمنا الوحيد ضــرب الاحتلال الأمريكي الغاشــم ومن يعمل في فلكــه". ويعيد التصعيد الأخيــر بين الأمريكان والفصائل الشــيعية المســلحة، إلى الاذهان، التوتر في العراق إبان الأعــوام ‪-2008، 2005‬والــذي ركّز ابتداءً على "مقاومة الأمريكان" لكنه سرعان ما تطور إلى نشوب حربٍ طائفية شملت جميع أرجاء البلاد.

وخلافاً لذلك، يرفض الصــدر فكرة "مقاومة الاحتلال" والتعرض للبعثات الدبلوماسـ­ـية في العراق، في الوقت الحاضر، بل طلب من الكاظمي تشكيل لجنة أمنية لكشف الجهات التي تقف وراء تلك الأفعال، بعكس مواقف "قادة الفصائل" الُمنبثة جُلّها من رحم التيار الصدري.

ويُنّذر الاضطراب الدائر في هذا البلد الُمثقل بالأزمات، بنشــوب "أزمة جديدة" بــن العراق والمجتمــع الدولي، حسب رأي رئيس البرلمان السابق، سليم الجبوري.

وأضاف في "تدوينة" له، أمس، "نؤشر لمخاطر سياسية واقتصادية جمة قد يتعرض لها البلد في ظل أزمة محتملة بين العراق والمجتمع الدولي".

مراهنة

وأضــاف: "لا ينبغي المراهنــة كثيرا علــى الحظ وعلى من بيدهم القرار تحمل مســؤوليته­م للحفــاظ على مصالح الشعب". واختتم قائلاً: "لا تكرروا الأخطاء".

وخلافاً للموقف الشيعي، يقف السنّة إلى جانب التوجه الحكومي والرئاســا­ت الثلاث بشــكل عام، بضرورة ضبطّ الســاح المنفلت، واتخاذ إجراءات من شــأنها إيقاف نفوذ الفصائل المســلحة المتهمة بضلوعها في اســتهداف المصالح الأمريكية. في هذا الشــأن، "تحالف القوى العراقية"، الممثل الأكبر للســنة في البرلمان الاتحادي، دعــا الحكومة والكتل السياســية إلى "موقف حازم" تجاه مــا وصفه بـ"الجهات" التي تريد اعادة العقوبات الاقتصادية على العراق.

النائــب مثنى الســامرائ­ي، عن التحالف الــذي يتزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوســي، يقول في مؤتمر صحافي عقــده في مبنى البرلمــان، مؤخراً، مع مجموعــة من زملائه النــواب عن التحالــف، إن "تحالف القــوى العراقية يتابع باهتمام وبقلــق بالغ تطــورات الاحداث السياســية على الســاحة العراقية المتخمة بالأزمات الاقتصادية والصحية والاجتماعي­ة".

وزاد: "إلا أن استمرار تداعيات الأزمة السياسية – الأمنية وما يترتب عليها من تدخلات سواء على مستوى أمن الوطن والمواطن مع استمرار خروقات الســاح المنفلت والقصدية فــي زعزعة هيبة الدولــة ومكانتها لحســابات خارجية او على مســتوى علاقات العراق الخارجيــة مع تصاعد وتيرة استهداف ضيوف العراق من البعثات الدبلوماسي­ة الشقيقة والصديقة".

واضاف: "لقد أصبح من الضروري على الحكومة العراقية في ظل تراجع مســتوى الأمن في البلاد، أن تكون جريئة في اتخاذ القــرارات واعتماد الاجراءات الكفيلــة بضمان أمن الوطــن والمواطن وضيوف العراق والــزام جميع القطعات والتشــكيل­ات العســكرية العراقية بوحدة القــرار الأمني وبمنظومة القيادة والسيطرة والحركات بقيادة القائد العام للقوات المسلحة".

وأشــار الى أنه "لم يعد من المقبول الســكوت على تكرار الخروقات الأمنية، من تهديد، اغتيال، خطف تغييب، قصف عشــوائي اســتهداف بعثات، وامام مســمع ومرأى القوات والأجهزة الأمنية وفي أغلبها تشير أصابع الاتهام لتشكيلات وجماعــات وفصائل وأحــزاب منضوية فــي منظومة الامن والدفاع العراقية".

العودة للوصاية الدولية

وتابع: "مــن يريد جر البلاد الى محــاور الصراع الدولي الإقليمــي وفرض أجندات بقوة الســاح لن يكون شــريكا في بناء دولة المواطنة والمؤسســا­ت، ومن يمعن باستهداف ضيوف العراق حتمــا لا يريد للعرق أن يعيد مكانته وهيبته الدوليــة. من هنا يحــذر تحالف القوى العراقيــة من مغبة استمرار السلاح المنفلت او العناوين التي تستغل انضواءها في منظومة الأمــن والدفاع العراقية الوطنية في اســتمرار الاســتهدا­فات للمواطنين وضيوف العراق مذكرين الجميع أن العراق لازال تحت الوصاية الدولية في فصلها السابع من ميثاق الأمم المتحدة".

واكد انه "ولن يكون صعبا اعادته الى الفصل الســابع إذا ما استشعر المجتمع الدولي خطورة العراق باعتباره مصدر تهديد للسلم والأمن الدوليين مع فشل الحكومة العراقية في ضمان حماية المواطن ومؤسســات الدولة وحصر الســاح المنفلت وتنفي التزاماتها الدولية في حماية البعثات".

ودعا التحالــف في بيانــه قائد العام للقوات المســلحة والقوى السياســية الى "تحمل مســؤوليته­ا واتخاذ موقف حاســم وحازم من جميع الإرادات والأجنــدا­ت او الفصائل والتشــكيل­ات التي تريــد جر العراق الى مــا لا يحمد عقباه وإعادة البلاد الى مأساة العقوبات الاقتصادية والسياسية والدبلوماس­ية".

وبعــد يومٍ واحد من انتشــار أنباءٍ عن إغلاق الســفارة الأمريكية في بغداد، وانتقال ســفير الولايــات المتحدة في العراق، ماثيو تولر، إلى مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، اســتقبل مستشــار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، أمس، السفير الأمريكي، الذي أكد إن بلاده "مستمرة في دعم الحكومة العراقية".

وذكر بيان للمكتب الإعلامي لمستشــار الأمن الوطني، أنه "جرى خلال اللقاء بحث تعزيز التعاون المشترك بين العراق والولايات المتحــدة الأمريكية في جميع المجالات، والســبل الكفيلة بتطوير العلاقة المتنامية بين بغداد وواشنطن".

وأكد الســفير الأمريكي وفقا للبيان، "استمرار دعم بلاده للحكومــة العراقية فــي مجالات الأمن ومكافحــة الإرهاب، والمساعدة في تخطي التحديات الراهنة".

وأشار الأعرجي للسفير الأمريكي، حسب البيان، إلى أنه "يجب أن تشهد المرحلة الحالية مزيدا من الاستقرار والهدوء لتنعم المنطقة والعالم بالأمن والاستقرار".

ويــرى الخبير الاســترات­يجي أحمد الشــريفي، أن قرار إغلاق الســفارة الأمريكية في بغــداد بمثابة "إعلان حرب"، داعيا الحكومة العراقية الى "الابتعاد عن اي تصعيد".

وقــال في تصريــح نقله إعــام حزب الاتحــاد الوطني الكردســتا­ني، أمس، إن "واشــنطن امهلت بغداد مدة كبيرة لمعالجة تعرض ســفارتها الى القصــف الصاروخي المتكرر"، واصفــا التصعيد الأمريكي بـ"الخطيــر"، وقد لا يقتصر على اغلاق الســفارة الأمريكيــ­ة فقد، وانما اجراءات عســكرية رادعة وعمليات عســكرية، وانعكاســا­تها علــى الاقتصاد وتدفق النفط وتأمــن رواتب الموظفين، إضافة الى اجراءات مالية عبر صندوق النقد الدولي.

وأضاف: "الحكومة عليها عدم التصعيد بموقف أكثر صرامة"، مشــيرا الى أن "عمليات عسكرية ســتبدأ بمحيط السفارة اولا، بعد مغادرة موظفيها". على حدّ وصفه.

 ??  ?? مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الاعرجي خلال اجتماعه أمس مع السفير الأمريكي في العراق ماثيو تولر
مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الاعرجي خلال اجتماعه أمس مع السفير الأمريكي في العراق ماثيو تولر

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom