Al-Quds Al-Arabi

خفايا وكواليس «إسقاط» حكومة الرزاز: تنميط «مقر» الرئاسة... و«الإحراج» في ملف «سيارات المتقاعدين» و«كلمة الأسبوع»

- عمان «القدسالعرب­ي» من بسام البدارين:

لأسباب من الصعب تفكيكها الآن على الأقل، التزم رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز أثناء مغادرته المسرح السياسي، بالقاعدة التي أعلنهــا الأســبوع الماضي بعنــوان «العمل حتى آخر رمق .»

الــرزاز وفي اليــوم التالي لقــرار حل مجلس النــواب الــذي يطيــح ضمنــاً بحكومتــه، قــرر لســبب غامــض التحدث عــن مشــروع «خدمة العلــم الجديد» وفــي مركــز الأزمــات تحديداً. يريــد الرجل أن يقول شــيئاً ما للــرأي العام عن أزمــة كورونــا وظروفهــا المعقدة التــي أطاحت بحكومتــه، الأمــر الــذي يبــرر خبــر الاثنــن الحكومي الوحيد المنشــور حول الــرزاز ومركز الأزمــات، مع أن مشــروع خدمــة العلــم بحلته الجديــدة يخلو مــن التفاصيل ويربــك الأوراق، وميزتــه الوحيــدة تتمثل فــي إشــراف القوات المســلحة على العمليات. وضمناً، يريد الرزاز أن يقول إنه عمل مع المؤسسات العميقة.

لكن هذا القول قد لا يكون دقيقاً، لأن الفرصة كانــت متاحة لبقاء حكومته عبــر آلية «المجلس يســلم مجلســاً» ودون الحاجــة إلــى ترحيــل البرلمان والحكومة معـًـا وبنفس الوقت والقرار، الأمر الــذي يعني أن بعض المعطيات رجحت في ظرف معقد وحساس خيار التغيير الوزاري.

بالنســبة لخبراء المربــع الاقتصادي والمالي فــي الدولة، فــإن خطــوة التغيير الــوزاري الآن ليســت جيدة، خصوصاً أنهــا تحصل في عمق عملية المراجعــة والتفاوض مع صنــدوق النقد الدولي، مما يعتبره المعنيون تشويشاً بالعادة.

وبالنســبة لكل الملاحظــن، قد يكــون الرزاز

أكثــر رئيــس حكومة حظــي بالدلال والإســناد الملكي تحديداً، ليس فقــط عبر آلية تفعيل أوامر الدفاع، ولكن أيضاً عبر التغطية المســتمرة على الإخفاق الملموس في اختيار الوزراء والكفاءات عبر 6 تعديــات وزارية في أقل من عام ونصف العــام، ما يجعــل حكومة الــرزاز صاحبة الرقم القياسي زمنياً في كثرة التعديلات الوزارية.

الشارع بدوره منح تلك الحكومة كل أصناف الدعــم المحتملــة، لكن تلــك الأوراق التــي تربح بالعادة عندما تكون في جيب أي رئيس للوزراء خرجــت من ســكة الخدمة بســبب عــدم وجود مهارة في استغلالها، ولأن الرزاز فاض بالدلال بدوره على أربعة أو خمســة وزراء فقط مقربين منه ومنــح بعض هؤلاء مســاحة إشــكالية من النفوذ قياساً ببقية زملائهم.

الســؤال هو ما الأســباب الأكبــر حجماً التي حسمت البوصلة أخيراً لصالح رحيل الرزاز؟

الإجابة عن الســؤال تنطوي على «حزمتين» من الأســباب الموجبــة، الأولــى معروفة ويمكن قراءتها في الواقــع الموضوعي وتؤدي بالعادة

إلــى رحيل أي حكومة تعزف، أطول مما ينبغي، على وتر الشعبويات.

والثانيــة قــد تمثــل الحزمــة الأهــم وتتعلق بحــراكات ومنــاورات بيروقراطيـ­ـة يبــدو أنها تجــاوزت بعض الخطوط الحمــراء على هامش محاولة الرزاز إحياء مشروع طموح كان يتحدث عنه في بداية تشــكيله للحكومة، وبعنوان ليس الولاية العامة للســلطة التنفيذية، بل مأسســة عمل رئاسة الوزراء وتحويلها إلى مقر «لرئاسة الحكومة» بالمعنى الدستوري والمؤسسي.

تلــك كانــت مجازفة كبــرى، ليــس لأن قوى الأمر الواقع التي يتحدث عنها سياسي ومثقف مثل الدكتور مروان المعشــر تحركت ضد الرزاز وحكومتــه، ولكــن لأن الرجل نفســه اســتعان بشــخصيات «مغمــورة» ولا حضــور لهــا فــي المجتمع لتنفيذ مهمة مؤسســية كبيــرة عنوانها وجــود رئيس وزراء قوي أصلاً ورئاســة وزراء بنمطية «مقر».

ويفســر ذلك أن الرزاز حرص طــوال الوقت على تجنــب نصيحة تقضي بوجود شــخصية قويــة جداً بيروقراطية وسياســية بموقع نائب رئيس الوزراء أو الرجــل الثاني ومن كان لفترة قصيــرة يجلــس في هــذا الموقع، وهــو الدكتور رجائــي المعشــر، غــادره غاضباً بعد اســتعانة الــرزاز بــوزراء مغمورين جــداً في آخــر تعديل وزاري.

المعشــر اعترض آنذاك بوضــوح على تعيين وزيــري النقل والتخطيــط الجديديــن، ثم غادر الحكومــة وانســحب منهــا، لكنــه عــاد اليــوم لرئاســة اللجنــة الاقتصادية عمليــاً في مجلس الأعيان.

فــي كل حال، ثمــة من يقول خلف الســتارة بــأن الرزاز حــاول بطريقة غيــر مألوفة اختراق الطاقم الاستشــار­ي العامل فــي الديوان الملكي ومؤسســة القصر فــي لعبة اســتقطاب وتذمر تكون بالعادة مكلفة.

بــن الأســباب التي لا يتحــدث عنهــا العامة إصــرار الــرزاز على خطــوات وســلوكيات غير مألوفة فــي المعادلة الوطنيــة الأردنية أو كانت بالعادة معنية فيها فقط المؤسســات المرجعية.

أبــرز تلــك الخطــوات الشــكلية إصــرار رئيس الــوزراء علــى توجيــه كلمــة متلفزة أســبوعياً للأردنيــن يقــال فــي تســويقها إنهــا تكــرس الشــفافية وتنطوي على توجيــه. وهنا يبدو أن الرزاز ضرب وتراً حساســاً لا يتضمنه المألوف الأردني في تقاليد مخاطبة المواطنين.

فــي الأثنــاء، ضرب وتــر آخر عندمــا حاول الــرزاز الإيحــاء بأنه يعمــل لصالــح المتقاعدين العســكريي­ن تحديــداً عبــر آليــة بيروقراطيـ­ـة متذاكية تحــاول اقتراح تزويد عــدد كبير منهم بإعفــاءات جمركية على الســيارات.. هنا أيضاً اقتراب غيــر مهني أو محمود من خطوط حمراء انطوى على التســبب بإحراج يمكن الاســتغنا­ء عنــه لأن ملف المتقاعدين العســكريي­ن ســيادي بالعــادة وليــس حكومياً، ولأن وزيــر المالية مع الــرزاز الدكتــور محمــد العســعس، قــرر تحمل المسؤولية فيرفض هذا الإعفاء دفاعاً عن صورة الدولة بصورة جريئة، ودفاعاً أيضاً عن قرارات منعــت الإعفــاءا­ت الجمركيــة لمجلــس الــوزراء نفســه، وطوعــاً هنــا تقــدم العســعس وتلقــى الهجمة المضــادة فيما كانت المجســات العميقة التــي لا علاقة لها أصلاً بالــوزراء جميعاً ترصد هذه المناكفة غير المحمودة للرزاز.

يبــدو أن رئيس الوزراء الذي ســيرحل قريباً بحكم الاســتحقا­ق الدســتوري استهدف أيضاً بعض الوزراء المحســوبي­ن على الرؤية المرجعية ودون مسوغ أو مبرر إجرائي أو منتج.

وبالغ، من جانبه، في الاسترسال بالإصغاء الصامــت بحيــث أبعــد وزراء ودون مبرر أيضاً ليس سراً أن من بينهم وزير العدل في الحكومة بسام التلهوني، وليس ســراً أن من بينهم وزير المياه المخضرم رائد أبو الســعود، الذي يبدو أنه تعرض في عهد الــرزاز لبرمجة ضاغطة من مقر رئيس الوزراء لم تفهم مبرراتها بعد.

تلك الأسباب والمســوغا­ت مجتمعة، إضافة إلــى اعتبــارات الدولــة العميقــة والظــروف الدســتوري­ة والواقعيــ­ة، تطلبــت طــي صفحــة حكومة الرزاز. والأوســاط المعنية مشغولة الآن بمراقبــة الطريقــة التي سينســحب فيها الرجل دســتورياً، أو ماذا ســيصدر عنه من حراك بعد الانسحاب.

 ??  ?? رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز
رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom