Al-Quds Al-Arabi

«نيويورك تايمز»: سجلات ترامب تكشف تهرباً ضريبيا وتلقي أموال من مصالح أجنبية وجماعات ضغط

-

كشــف تحقيق مثير لصحيفة «نيويورك تايمــز» عن تاريخ طويل من التهرب الضريبي وخسائر مالية مزمنة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وحصلت الصحيفة على الســجل الضريبي الذي ظل الرئيس متمســكاً بعدم نشره أسوة بما فعل الرؤساء السابقون له. ففي العام الذي فاز فيه بانتخابات الرئاسة 2016 لم يدفع سوى 750 دولاراً عن الدخل الضريبي الفدرالي، ودفع المبلغ نفســه في عامه الأول من الرئاسة. وقال المحققون الصحافيون راس بيوتنر وســوزان كريغ ومايك ماكنتير، إن ترامب لم يدفع ضريبة عن عشر سنوات من السنوات الـ15 الماضية بسبب تقديمه بيانات عن خسائره التي فاقت دخله.

وفــي الوقت الذي يخــوض فيه حملة لإعادة انتخابه قد يخســرها، فإن أمواله تتعرض لضغوط وتعاني من خســائر وديون بمئات الملايين ضمِنها شــخصياً. وتلاحقه أيضاً معركة طويلة تمتد على عقود مع خدمة الضريبة الداخلية وتتعلق بمبلغ 72.9 مليون دولار أعيد إليه بعدما قدم بيانات عن خسائر فادحة. وقد يكلفه حكم سلبي 100 مليون دولار.

وتقول الصحيفة إن الســجل الضريبي الذي احتفظ به ترامب ســراً يكشــف صورة مختلفة عن تلك التي سوقها للشــعب الأمريكي. فسجله المقــدم لمصلحة الضريبة الأمريكية يعطي صــورة عن رجل أعمال يدخل ســنوياً مئات الملايــن من الــدولارا­ت ولكنه يراكم خســائر فادحة كي يتجنب دفــع الضريبة. وبات الآن ومع التحديــات المالية المتزايدة التي تواجهــه يعتمد على دخلــه المالي مــن المصالح التجاريــة التي يملكها وتضعه على الأقل فــي وضع تتضارب فيه مصالحه مع وظيفته كرئيس. وحصلت الصحيفة على ســجل ترامب الضريبي الذي يمتد على أكثر من عقدين ومئات من الشــركات التي تشــكل عمله، ومنها بيانات تفصيلية عن العامين الأولين له في البيت الأبيض. ولكن الســجلات لا تضم دخله الضريبي لعامي 2018 و2019.

وقالت الصحيفة إنها ستنشــر في الأســابيع القادمة تقارير مفصلة عن الطريقة التــي تجنب فيها ترامب دفع الضريبــة، وتقدم أول صورة عن تعاملاته المالية منذ توليه الرئاســة وسنواته الطويلة في عين الرأي العام، حيث فشل الصحافيون والمحققون وأطراف المعارضة والمتآمرون عليه بالحصول على صورة عــن تعاملاته المالية. وتعترف الصحيفة أن النتائج التي توصلت إليها تترك الكثير من الأسئلة بدون أجوبة، وعدداً من الأسئلة بدون توضيح. وتشمل معلومات أخفاها ترامب عن مصلحة الضريبــة الأمريكية، وتضم ملكية ترامب أرصدة بمئات الملايين ولكنها لا تكشف عن ثروته الحقيقية، ولا تكشف عن علاقات أخرى لم يكشف عنها مع روسيا.

«غير دقيقة»

وفي رد على نتائــج التحقيق، قــال محامي منظمــة دونالد ترامب، ألان غارتن: «معظــم الحقائق إن لم تكن كلها تبــدو غير دقيقة». وطلب رؤية الوثائق التــي قام عليها التحقيق. ورفضــت الصحيفة الطلب من أجل حماية مصادرهــا. واعترض غارتن على المبلغ الــذي دفعه ترامب للضريبة. وقال: «على مدى العقد الماضي، دفع الرئيس ترامب عشــرات الملايين فــي ضرائب شــخصية إلى الحكومــة الفدرالية بمــا فيها دفع الضريبة الشــخصية منذ إعلانه عن ترشــحه للانتخابــ­ات في 2015.» ويبدو أن غارتن خلط بين «الضريبة الشــخصية» والضرائب الفدرالية التي دفعها ترامب مثل الضمــان الاجتماعي والصحي وضريبة العاملين في بيته. وأكد غارتن أن جزءًا من الأموال المستحقة على ترامب دفعها من خلال الائتمانات الضريبية، وهو تصوير مضلل للائتمانات التي تخفض فاتورة الضريبة لصاحب العمل كهدية عن عدد من النشاطات بما في ذلك الحماية التاريخية.

وتكشــف الوثائق التي اطلعــت عليها الصحيفة عــن خريطة طريق لســجله الضريبــي والتي تضم شــطب كلفة محــام جنائــي، وقصراً استخدمته العائلة للنزهة، والإعلان عن دفع ملايين للرئيس من مسابقة ملكة جمــال العالم في 2013 والتي نظمت في موســكو. ومع هذه وثائق مالية وقانونية تقدم صورة عميقة عــن إمبراطورية الرئيس التجارية. وتقــدم صورة جوفــاء وكذلك شــعوذة وراء الرجل الذي قدم نفســه بأنه ملياردير بنى نفســه بنفســه، وأكدها من خلال برنامجه المعروف «المتدرب» والذي ســاعده للوصول إلى البيــت الأبيض ولا يزال يحظى بدعم من قاعدته.

لكن ترامــب كان ناجحا في لعــب دور رجل الأعمــال الكبير أكثر من الواقــع. فبرنامج المتدرب والعقود المرتبطة بــه وبنجوميته أدرت عليه 427.4 مليون دولار. واستثمر معظم هذا المبلغ في عدد من الأعمال، خاصة في ملاعب الغولف والتــي التهمت أموالا مع مــرور الوقت، مثلما حدث للأمــوال التي حصل عليها من والده في التســعينا­ت من القرن الماضي، وأدى إنفاقه المفرط لانهياره.

وتقول الصحيفة إن ظرفه المالي عندما أعلن عن ترشيح نفسه للرئاسة عام 2015 يعطي بعض المصداقية للفكرة التي قالت إن حملته بعيدة المنال لم تكن إلا محاولة لتنشيط وتسويق اسمه. ومع تزايد الحملة السياسية للاطلاع على سجله الضريبي، تســاءل عما يمكن للواحد أن يتعلم منه، فهو لا يحتوي على شيء كما قال لوكالة أنباء أسوشيتد برس في 2016. وأضاف أن هناك معلومات أهم في الكشــف المالي السنوي والذي يظهر نجاحه في إدارة الأعمال.

صورة مضللة

ولكن هذه الكشــوف المالية تقــدم صورة مضللة عــن حالته المالية؛ لأنهــا تعطي صورة عن دخله لا أرباحه. ففي عــام 2018 أعلن ترامب أنه حقق دخلا بـ434.9 مليون دولار. لكن السجلات الضريبية تظهر صورة مختلفة، وخســائر بـ47.4 مليون دولار. ولا تقدم الســجلات الضريبية صــورة عن قيمــة أو قانونية كل كلفــة مالية لأعماله التــي أراد ترامب تخفيض الضريبة عليها.

فمثلاً زادت النفقات خمســة أضعاف على ملعب الغولف «بيدمنستر» في نيوجرســي في الفترة ما بــن ‪2017 2016-‬ وتباهــى أنه تهرب من الضريبة بســبب ذكائه، مع أن دخله وكما يقــول يخالف مزاعمه حول قدراته وذكائه في التجارة، ويظهر أنه يضخ أموالاً كثيرة في العديد من المصالح التجارية أكثر مما يحصل على دخل منها.

كمــا أن الصورة التي تظهر مــن جبل الوثائق التي أعدها محاســبو ترامــب عن رئيس ورجل أعمال في وضع مالــي صعب. فمعظم مصالحه التجارية من سلســلة ملاعب الغولف إلى فندقه الضخم في واشــنطن قدمت سجلات مالية عن خسائر عاماً بعد عام. وجفّت الموارد من برنامج «المتدرب» وعقود الرخــص بحيث لم يعد قادراً على ســد الفراغات في عقاراته التي تواجه مشاكل.

وهناك مشــاكل أخرى تلوح في الأفق، وهي دفع قــروض بقيمة 300 مليون دولار ضمِنها شــخصياً. كما أن الســجلات تكشــف عن بعد آخر وهي تضارب المصالح بين أعمالــه التجارية وعمله كرئيس. فقد تحولت عقاراته مثــل بازار يحصل على المال من شــركات اللوبي والمســؤول­ين الأجانب وغيرهم من الذين يريدون مقابلة، خدمة أو منفذاً إلى الرئيس. وتعطي الســجلات فكرة عن الرقم الحقيقي لهــذه العقود، ففي منتجعه «مــار- أي- لاغو» في ولاية فلوريدا، حصل ترامب على خمســة ملايين دولار من رسوم الانضمام إلى النادي بعد تدفق الراغبين بالعضوية منذ .2015

ودفعت جمعية المبشــر الإنجيلي بيلي غراهام في 2017 مبلغ 397.602 ألف دولار مقابل حجز فندق ترامب في واشــنطن لعقــد «القمة العالمية للدفاع عن المسيحيين المضطهدين».

وحصلت الصحيفة على دخل الرئيــس الحقيقي من الخارج. وعندما وصل إلى البيت الأبيض قال إنه لن يمارس سياسة خارجية جديدة، لكن دخله الخارجي وصل إلى 73 مليون دولار بعد عامين في البيت الأبيض. ومع أن معظم أمواله جاءت من ملاعب الغولف في آيرلندا وإســكتلند­ا، إلا أن بعضهــا جاء من دول ذات ميــول ديكتاتورية، 3 ملايين من الفلبين و2.3 مليون من الهند، ومليون من تركيا. وقدم ترامب ســجلات ضريبية عن أعماله في الخارج، فقد دفع في 2017، مبلغ 750 دولارا عن شــركة له في بنما، وهو مبلغ قليل جدا مقارنة مع 15.598 دولارا دفعه وشركته في بنما، و145.400 في الهنــد و156.824 في الفلبين. وفي أمريكا دفع ترامب الضريبة بدولار ليس متساوقاً مع معدل الدخل. وأشارت إلى أن الرئيس ريتشارد نيكسون دفع في عام 1970 مبلغ 792.81 دولار على مبلغ 200.00 دولار. مما قاد لجدل وقاد إلى وجوب تقديم كل رئيس ســجله الضريبي كي يراه الأمريكيون.

وأكد ترامب عام 2014 أنه ســيفعل هذا، ولكنــه تراجع ثم بدأ يضايق هيــاري كلينتون عندمــا قال إنه ســيفعل لو كشــفت عن الرســائل الإلكتروني­ــة التي حذفتها من حاســوبها الشــخصي، بنفــس الطريقة التي ضايق فيها باراك أوباما عندما قال إنه مســتعد للكشف عن سجله الضريبي لو كشــف الرئيس عن شــهادة ميلاده. وتباهى مرة أن سجله «كبير جداً» و«جميل» والكشــف عنه عملية معقدة. وزعم أنه لا يستطيع عمل هذا وهو يقوم بعملية تدقيق مالي، وهو زعم رفضه مفوض مصلحة الضريبة الأمريكية. وعندما طلب المشــرعون منه تقديم سجله بناء على أمر قانوني، أمر محاميه بالرفض وكــذا وزارة العدل. وتقول الصحيفة إن رقصة التحدي لترامب حول ســجله أثارت شــبهات حول تعاملات سرية مع الرئيس فلاديمير بوتين أو إمكانية دفعه أموالاً للممثلة الإباحية ســتورمي دانيالز قبل انتخابات 2016 أو أن هناك مصادر مشبوهة تعود إلى بداية العقد الأول من القرن الحالي.

وأضافت أنها حللت ســجلات ووثائق في الفترة ما بين ‪2017 2000-‬ ومن مصــادر لها منفذ قانونــي عليها. وقامت بالتحقــق منها من خلال مقارنتها مع الســجلات المتوفرة والوثائق السرية الأخرى التي حصلت عليها الصحيفة سابقاً. وركزت في تحليلها على منظمة ترامب التي تضم 500 كيان، كلها تقريباً مملوكة من ترامب. وهناك 105 شــركات هي تنويع على علامة ترامب التي يستخدمها في عقود منح الرخص لماركته.

صعود وتدهور

وتقدم الوثائق صورة عن صعــود وتدهور ترامب الذي أصبح علامة على مسيرته التجارية. ولا تحتوي الوثائق على أي إشارة عن دفع 130 ألف دولار لستورمي دانيالز واسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد ودفعها محاميه السابق مايكل كوهين. وهي لا تكشف أشياء جديدة عن تعاملات ترامب مع روســيا، لكنها تقدم إضاءة عن مسابقة ملكة جمال الكون التي عقدت في موســكو عام 2013 وأصبحت في مركز تحقيق المحقق الخاص روبرت موللر في التدخل الروســي في انتخابات 2016. وحصل ترامب على 2.5 مليون دولار كمالك مشــارك، وســاعدته عائلة أغالاروف التي قامت بتنظيم لقاء عام 2016 بين مســؤولين في حملــة ترامب ومحامية روسية للكشف عن «قذارات» تتعلق بكلينتون.

وكشــف تقرير لجنة الاســتخبا­رات فــي مجلس الشــيوخ في آب/ أغســطس عن الظروف التي قادت لتنظيم ملكة جمال الكون في موسكو، وســاعد فيها أمين أغــالاروف، وهو مغنٍ. وكان والــده أراس أغالاروف مليارديراً يتباهى بعلاقته مع بوتين شــريك ترامب بالمناســب­ة. وقابلت لجنة الاستخبارا­ت، المديرةَ التنفيذية لمسابقة ملكة جمال الكون، وقالت إن أغالاروف عرض دفع كلفة الحفلة، فشركة العائلة «كروكوس غروب» دفعت 6 ملايين دولار كرسوم ترخيص، و6 ملايين دولار كتكاليف. وتظهر السجلات أن تلك المناســبة حققت إجمالي 31.6 مليون دولار، وهو الرقم الأعلى في تاريخها. وهو ما سمح لتقاسم ترامب أرباحاً بقيمة 4.7 مليون دولار مع شبكة «أن بي سي.»

صفر ضرائب

وفي الوقت الذي تجول فيه ترامب في ولايات أمريكا وقدم نفسه على أنه رجل أعمال ناجح وبنى شــركة عظيمة مما يؤهله لقيادة البلاد، كان المحاســبو­ن يضعون «الريتوش» الأخيرة على ســجله الضريبي لعام 2014. وبعد رســم الجداول وملء الخانات والبيانــا­ت احتاجوا لخانة واحدة لكتابة: صفر. وهي السنة الرابعة على التوالي التي لم يدفع فيها ترامب ضريبة عن دخله للســلطات الفدراليــ­ة. وكان التهرب الضريبي هو أهم ملمح مــن ملامح الوثائق رغم ما حصل عليــه ترامب من أموال. فدخله من المتدرب وحقوق اسمه وصل إلى 427.4 مليون دولار عام 2018 بالإضافــة إلى 176.5 مليون من اســتثمار ناجح فــي عمارتين للمكاتب. وتتساءل عن سبب عدم دفعه الضريبة الفدرالية.

وتجيب الصحيفة أن ترامب يملك ويديــر معظم أعماله، ولأنه يعطي أرقاماً عن خسائر عالية فيها، فهو معفى من الضريبة. وعادة ما يستخدم الموارد من الشركات الناجحة لتقوية الشركات الضعيفة ويقدم سجلات عن خســائر يتهرب من خلالها عن دفع الضريبة. وهي ممارسة معروفة فهو يراكم خســائر هائلة في العام تجنبه دفــع الضريبة. وعلى العموم تكشف الوثائق أن ترامب يستخدم الخسائر في شركاته والنفقات حتى الشــخصية منها والتي عادة ما تكون باذخة كجزء من مراكمة الخسائر، بالإضافة للرسوم على الاستشارات التي يضمنها في السجل الضريبي. فعملت ابنة الرئيس إيفانكا مستشــارة لمنظمة ترامب العالمية كي تساعد العائلة على تجنب دفع الضريبة. وأهم من كل هذا، تكشــف الوثائق أنه حصل على أموال من مصادر أجنبية وجماعات ضغط في أمريكا أكثر مما كشف عنه سابقاً.

 ??  ?? الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom