Al-Quds Al-Arabi

اعترافات ضابط إسرائيلي أسبق: لم يكن لعرفات وقيادة السلطة تخطيط للعنف ومخابراتنا تساوقت مع الرواية السياسية

- هآرتس 2020/9/27 يوسي بن آري

■ فــي هذه الأيام تكون قد مرت عشــرين ســنة على اندلاع الانتفاضة الثانية. ومن يهتم بذلك أصلاً في الوقت الذي نغرق فيه منذ أشهر كثيرة في وباء كورونا وفشلنا في وقفه؟ هذه إشارة أخرى على تدهور إسرائيل وتحللها من قيمها الأساسية كدولة وككيان ديمقراطي. ومع ذلك، كانت تلك سنوات صدمة قاسية يحظر نسيانها. أكثر من ألف قتيل إســرائيلي وأكثر من ثمانية آلاف مصاب، هذا دون ذكر الأربعة آلاف قتيل فلســطيني وحوالي 32 ألف مصاب. ولكن من يحصي؟ ولكنها لم تكن أســباباً وجيهة بما فيه الكفاية لفحص الأســباب الحقيقية لتلك الكارثة. من المســؤول عن ذلك؟ تشــكلت لجنة أور في تلك الأيام بحق في أعقاب موت 11 مواطناً عربياً إسرائيلياً، فلماذا امتنعوا عن تشــكيل لجنة للتحقيق فــي الكارثة الأكبر بكثير؟ أين التناسب؟

أما المســؤولي­ن عن ذلك، كما يبدو، فلــن نعرفهم أبداً. فلإســرائي­ل مواضيع أكثر حدة للانشــغال بها، ولا أحد يرغب فــي إخراج الهياكل العظمية مــن التابوت )إلا إذا كان هذا يخــدم عالماً «مزيفاً» لرئيــس الحكومة بنيامين نتنياهو(.

مع ذلك، يجــدر أن نلقي القليل مــن الضوء على دور الاســتخبا­رات في هذه القضيــة البائســة، التي ألقت الرعــب على كل بيــت في إســرائيل، وتركــت عائلات كثيــرة جداً تحمل ندبها. ســأقوم بذلك مــن وجهة نظر شخص كان مســؤولاً عن الموضوع الفلسطيني في أحد أقسام الاســتخبا­رات الرئيسية في الجهاز، حتى حوالي ســنتين قبل اندلاع أحداث الانتفاضــ­ة. وعندما وقعت، تم اســتدعائي من قبل من جاء محلي في تشرين الثاني – 2000 لفحص كنوع من لجنة تحقيق مكونة من شخص واحد– من الــذي بادر إلــى أعمال العنــف في الجانب الفلســطين­ي، وبصورة أكثــر تحديداً: هل كان لياســر عرفات دور في ذلك؟

خلال بضعة أســابيع، عزلت نفســي عــن كل تأثير خارجــي )مع وثائق مخابرات لمجمــل أجهزة المخابرات، ومحادثــات مع محققــن ومديرين في هــذا المجال، وما شــابه(. عملت بصورة ممنهجة على كل المعلومات الخام التي توفرت لدى ســلطات جميع الأجهزة الاستخباري­ة في الشهر الذي سبق نهاية أيلول 2000.

كان اســتنتاجي واضحــاً: لــم أعثــر فــي كل المواد الاســتخبا­رية علــى أي علامــة على تخطيط مســبق للعنف بمبادرة عرفات، أو بمبادرة آخرين في المعســكر – الفلسطيني. العكس هو الصحيح خلال اليومين اللذين

أعقبا الاشتعال، حاول عرفات تهدئة النفوس، وخاف من فقدان الســيطرة. وعندما فهم أن فرض التهدئة قد يؤدي إلى حرب أهلية وإلى انهيار مؤسســات السلطة وتدمير قوات الأمن وإلى خســارته الشخصية، اختار أن «يركب ظهر النمر» والانضمام إلى الفوضى العامة.

يبدو أن هذا الاســتنتا­ج الدراماتيك­ي أصاب بالدهشة )وبصمت( من تســلموا هذا التقرير الإجمالي. هذا الأمر يفسر حقيقة أنه نشــر داخل جهاز الاستخبارا­ت بدرجة جزئية فقط. ولم يبلغ به صانعو القرارات على المستوى الأمني والسياسي. هذا الأمر غير مفهوم في جهاز يتباهى بكونه متنوعاً )تذكرون عبر الاستخبارا­ت من حرب يوم الغفران؟( التي تصل فيها وثائق المخابرات وتستعرض مجالات داخليــة ذات الأهمية القليلــة، إلى كل المعنيين. فهمت أن نتائج تحقيقي لم تناســب الرواية التي سادت حينذاك، وكأن عرفات المخرب كان هو نفسه المسؤول عن كل آثام الانتفاضة الثانية، ومتهم باندلاعها، وأنه لم يكن

لقادة المنظمة شأن في تخويفه.

منذ ذلك الحين وعلى مر الســنين، تم الكشف عن مزيد من المعطيات في هذا الشــأن، وهي معطيات لن تصدق: لقد تبين أن رئيس الشاباك في حينه، آفي ديختر، ونائبه يوفال ديسكن، ورئيس الاستخبارا­ت العسكرية عاموس ملكا، قــدروا الأمور كما قدرتُها، واعتقــدوا أن عرفات لم يكن هو الذي قلب صحن أوســلو علــى وجهه. من المهم أن نذكر بأن رئيــس الولايات المتحدة بيل كلينتون، أدار بنفسه، في تلك الأيام، مجموعة عمل مشتركة، إسرائيلية –

فلســطينية، في واشــنطن في محاولة لحل المشــاكل التي بقيت مفتوحة فــي الاتفاق الدائم، وعرض اقتراحه لذلــك («خطة كلينتون» التي نشــرت فــي كانون الأول 2000(. وكانت هناك مصلحة فــي نجاح جهود كلينتون للفلسطينيي­ن، وعلى رأســهم عرفات. إن سياسته هذه، وهي محاولة العودة إلى المسار السياسي بدلاً من مسار الدماء، اتضحت أيضاً في نهاية العام 2001 عندما أسكت

ما يجري على الأرض، إلى أن قلبنا الأمور رأساً على عقب عند تصفية رائد كرمي.

أعطي صدى واضح لرؤية الاستخبارا­ت العسكرية في وثائق المخابرات التي نشرت من قبل القسم الفلسطيني في لواء البحث والتحقيق الذي أداره العقيد أفرايم لافي في حينه. صحيح أنه حارب مثل اللبؤة، لكن صوته الذي عبر عنه بالأساس بشــكل خطي، لم يسمع قوياً بما فيه الكفاية، في الوقت الذي هدرت فيــه أقوال قائده العميد عامــوس جلعاد، رئيــس اللواء. جلعــاد ضابط مهيمن ولديه حضور، تســاوق مع الرواية المعاكســة )في فترة – رئيس الحكومة إيهود باراك «لا يوجد شريك» في فترة – أريئيل شــارون «عرفات قاتل») قام بترديدها، وبهذا «مسح» الأصوات الاستخباري­ة الأخرى.

منذ تعييني ضابط اســتخبارا­ت، اتضــح لي كم هو مهم الحفاظ على الاســتقام­ة المهنية وقول ما أعتقد دون مواربة. قضية «الملازم بنيامين ســيمنطوف» الذي حذر

من حرب يــوم الغفران، ومما حيك من أســاطير حولها، أبرزت ذلك. ومنذ ذلك الحين، كانت علامة فارقة في طريق التعليم لكل متدرب تدرب في قاعدة تدريب المخابرات 15.

لهذا يصعب تجاهل عبرة من عبرتــن: إذا قام أولئك الضبــاط الكبار بطرح رأيهم فــي الانتفاضة الثانية )أن عرفات غير مســؤول عن العنف( امام متخذي القرارات، ورُفضوا، كان عليهــم «أن يقفوا على الأـــرجل الخلفية ويدافعوا عن رأيهــم». يجب أن نذكر بــأن لجنة كاهان التــي بحثت في قضية مذبحة مخيم صبرا وشــاتيلا في حرب لبنان الأولى، تشــددت جداً مع الجنرال يهوشــع ساغي، رئيس الاستخبارا­ت العسكرية في حينه، والذي -حســب حكمها- امتنع عن الدفاع عن رأيه فيما يتعلق بالكارثــة المتوقعة عند دخــول الكتائب إلــى مخيمات اللاجئين. بهذا وضعت معياراً واضحاً للاستقامة المهنية المطلوبة. هل فعل رؤســاء جهاز الاستخبارا­ت ذلك فيما يتعلــق بظــروف انــدلاع الانتفاضة الثانية؟ أشــك في ذلك. للأســف، هناك دلائل معاكسة بالتحديد، وعلى كل الأحوال، هذا الأمر لم يجد صدى عاماً.

وأخطر من هذا بكثير تلك الاحتمالية الثانية، وهي أن هؤلاء الضباط الكبار بمعرفتهــم لمزاج متخذي القرارات من البدايــة امتنعوا عن إســماع موقــف معاكس وعن الدخــول في مواجهة معهم. من المهم أن أحد الأشــخاص الذين تحدثنا عنهم، ديختر، يثبت في السنوات الأخيرة أنه جندي لبيبي، وربمــا كان كذلك أيضاً في الفترة التي نتحــدث عنها. إن صمــت نائبه في حينه، ديســكن، قد نفهمه أكثــر )حتى لو لــم نقبل به: تعلم كمــا يبدو عبر رؤوبين حــزاك، نائب أبراهام شــالوم( من قضية الخط 300. وكان واضحاً له ما عليه أن يلتزم به للحصول على رئاسة الشاباك.

يمكن شــرح صمت رئيس الاســتخبا­رات العسكرية بالمقولة الســاخرة التي سادت في حينه، وبموجبها كان رئيس الاستخبارا­ت العسكرية عاموس ملكا، هو الملكة. ولكن عاموس جلعاد، رئيس قسم البحث والتحقيق في حينــه، كان هو الملك... بالإجمال، مــن الواضح أن حياة قادة المخابــرا­ت الذين ســووا صفوفهم حســب صوت ســيدهم، كانت أســهل بكثير. ولكن الســؤال الذي كان يجب على رؤساء الجهاز في حينه )بالطبع اليوم أيضاً( أن يطرحوه على أنفسهم، على الأقل مرة في اليوم، وهم ينظــرون في مرآة حلاقة الصباح، كان وما زال «أين أقف مع النزاهة المهنية الشــخصية التي أنــا ملتزم بها بحكم منصبي؟». يبدو أنهم فشلوا تماماً في هذا. ونأمل أن يفعل من يأتون بعدهم ذلك بصورة أفضل.

 ??  ?? صورة جدارية عملاقة للرئيس الراحل ياسر عرفات على جدار الفصل العنصري
صورة جدارية عملاقة للرئيس الراحل ياسر عرفات على جدار الفصل العنصري

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom